كتاب واراء

صيانة العلاقات السورية الأردنية ضمن الكينونة المشرقية

 

*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*

انّ طرح الهوية المشرقية، ليست بديل أو نقيض للهوية العربية، كما يعتقد ويتصور البعض منّا، بحسن نية أو سوء نية، فطرحها في سوريا والأردن، ولبنان وفلسطين والعراق، هو تعزيز لها - للهوية العربية الواحدة الجامعة للكلّ العربي، وتفعيل على مسار التكامل، من سوريا ولبنان والاردن ابتداءً.

فسورية ليست الوادعة تونس الخضراء، وليست مصر التي شلّتها الكامب ديفيد، وليست ليبيا التي كانت محكومة بكتاب أخضر، وليست اليمن الفقير بفعل جاره، الذي خاض حربا لتسع سنوات عليه، تحت عنوان اعادة الرئيس الفار ببرقع النساء و\ أو إعادة ما تسمى بالشرعية، وسورية ليست عمّان التي قيّدتها وادي عربة 1994 م، بفيلم ومشهد سريالي، يتآمر عليها الإسرائيلي والأمريكي كل يوم، سورية بنسقها السياسي ورئيسها، ليست بلداً على الهامش الخرائطي، يكفي أن تجيّش بعضاً من داخله، حتّى يسقط رئيسه ونسقه، بتظاهرات وأغنيات ومواويل، وبرامج اتجاه معاكس، ومقالات، وتحليلات(انشائية)، تبثها بعض فضائيات عرب وغير عرب.

والأردن، عجب البعض ذلك أم لم يعجبه، هو من عبّد ويعبّد طريق العرب نحو دمشق، ونظام حكمها ورئيسها المنتخب، بالتعاون والتنسيق مع الفاعلين في الداخل والخارج السوري، والاقتصاد والعلاقات الاقتصادية القائمة على بناه التحتية، هي بوّابة العبور الى سوريا، ومن سوريا الى العالم العربي وأوروبا.

 وتتميز الدبلوماسية السورية، بالمجال الحيوي الجيو- سياسي الشديد التنوع والتعقيدات، وذلك على النحو الذي جعل من السياسة الخارجية السورية، لاعباً أساسياً في المسرح الدبلوماسي العالمي، حيث تقاطعات الجغرافيا مع التاريخ العالمي، أدت وقادت إلى إكساب سوريا أهمية متزايدة فهي: هيكلياً – بنائياً: تمثل نقطة التقاء قارات العالم الرئيسية، إضافةً إلى ارتباطها بالممرات المائية والبرية والجوية الأكثر حيوية في العالم، وإدراكياً – قيمياً: تمثل منطقة نشوء المذاهب الدينية الرئيسية، التي أدت وقادت، إلى تشكيل المعتقدات الدينية الإدراكية في العالم، وتفاعلياً – سلوكياً: تمثل البؤرة التي تؤثر وتتأثر بمجريات الأحداث والوقائع وتداعياتها في كافة أرجاء المنطقة، التي وصفها الاستراتيجيون، بأنّ من يسيطر عليها(أي سوريا)فإنّه يسيطر على العالم، حتّى أنّ السلطان العثماني سليم الأول، عندما دخل دمشق، قال قولته المشهورة يا عرب: الان سيطرنا على العالم.

ومع بدء الحدث السياسي السوري، حيث المحرك والفعل بدأ فرنسي بريطاني سري، ثم ما لبث أن صار أمريكي متوسع من بعض الغرب، ومن بعض العرب على الأطراف، وها هو على وشك الانتهاء على الأطراف، وما زالت تفاعلاته وتداعياته على الإقليم والعالم، وبشكل خاص على دول الجوار السوري والمنطقة، حيث أظهر هذا الحدث وبعيداً عن مسبباته، مدى مركزية القطب السوري في مجاله الطبيعي، والترابط العضوي بين مكونات الكيان السوري الطبيعي ككل(الأردن، لبنان، فلسطين المحتلة)وبلا شك العراق العربي من جهة، وحجم التداخلات والمفاعيل والتفاعلات، التي فرضتها ديكتاتورية الجغرافيا كفرس أصيل، بجانب قوة الواقع التاريخي المحكوم، بفضاء جيوسياسي، يشمل كل هذا المشرق من جهة أخرى، هنا ترسّخت حقيقة: الكينونة المشرقية، ومحورية سوريا ضمنها، وتفاعلاتها مع باقي المكونات المشرقية – الأردن ولبنان وفلسطين المحتلة.

في العمق وبشكل مباشر: شهدت العلاقات السورية الأردنية تاريخيّاً، صدامات وتباينات واختلالات عدّة، إلّا أنها ظلّت تتّسم بمرونة استراتيجية لافتة، ناجمة عن مجموعة من العوامل، أعادت صياغتها وتفاعلاتها ووصلها في كلّ منعطف حاد، أبرزها: الفهم المشترك للمصالح العميقة بين البلدين – فكلاهما عمق استراتيجي لبعضهما البعض ضمن الكينونة المشرقية، ومدى تأثير استقرار كلّ بلد على استقرار الآخر ونموّه، الأمر الذي قد يفسّر تسارع الانفتاح المشترك السوري الأردني، والذي فرضته عوامل ميدانية وسياسية واقتصادية وحتى أمنية، الى أن جاءت التطورات الأخيرة المتفاقمة على جانبي الحدود بين البلدين، من حيث كثافة المخدرات المدخلة الى الداخل الأردني، يقابلها تدخل أردني عسكري في قصف في الداخل السوري، وما تبع ذلك من بيانات متشنجة وتنابز دبلوماسي، من كلا الجانبين، وتحت عنوان الدبلوماسية الأمنية والسياسية الحادة.

مع سيطرة الجيش العربي السوري، على مساحات واسعة من البلاد عام 2017 م، وتوسّع دائرة النشاط الروسي هناك، وانكفاء الولايات المتحدة في المناطق النفطية شرقاً، وإلغاء الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترامب، برامج دعم المعارضة السورية: موم في تركيا، وموك في الأردن، بدأت ملامح مرحلة جديدة ترتسم، وجاء عام 2018 م ليفتح الباب أمام تلك المرحلة، بعد أن استعاد الجيش السوري السيطرة على الشريط الحدودي مع الأردن، ومعبر نصيب ـــ جابر الذي يمثّل بوابة الأردن إلى أوروبا وتركيا ولبنان، وبوابة سوريا إلى دول الخليج العربي، حيث بدأ الطرفان عقد مباحثات، أفضت إلى إعادة فتح المعبر في العام نفسه، تبعتها سلسلة من الزيارات المتبادلة بين غرف التجارة، وبعض المسؤولين لتنشيط الجانب التجاري والعلاقات الاقتصادية، فيما بدأ العمل على إعادة تفعيل المنطقة الحرّة الأردنية ـــ السورية، وزيادة حجم التبادل التجاري الذي وصل عام 2020 م وقبل تفاقم جائحة كورونا المفتعلة، إلى نحو 100 مليون دولار، فضلاً عن انطلاق التباحث في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، والتي تأمل شركات أردنية المشاركة فيها، سواء من القطاع الخاص او القطاع العام.

وإضافة إلى التغيّرات، السياسية والعسكرية السورية التي ساهمت في إعادة توطيد العلاقات بين البلدين، لعبت بعض التغيّرات الداخلية في الأردن دوراً مهماً، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تسبّبت بها موجات اللجوء السورية إلى الأردن، الذي يستضيف حوالى مليون لاجئ سوري، مسجّلين لدى الأمم المتحدة، تبلغ تكاليف تلبية احتياجاتهم نحو 3 مليار دولار، وبالتوازي مع ذلك، جاء المشروع المصري لإحياء، خطّ الغاز العربي، وما يتضمّنه من مكاسب كبيرة للأردن الذي يعاني اقتصادياً، ليدفع إلى تسريع وتيرة الانفتاح على سوريا، الأمر الذي ظهر بوضوح خلال زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني، الى الولايات المتحدة في شهر تموز من العام 2021 م، حيث تركّزت نقاشاته مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، على سبل تمرير المشروع وتجاوز عقوبات قانون قيصر.

 كما ظهر الملك عبد الله الثاني، في تصريحات صحافية خلال الزيارة، طالب خلالها بتغيير السياسة المتّبعة حيال سوريا، لتُتوَّج المساعي الأردنية بتوقيع اتفاقية تمرير الغاز المصري إلى لبنان، وإعادة إحياء خطّ الغاز العربي، الذي يأمل كلّ من مصر والأردن وسوريا، في أن يتوسّع نشاطه ليشمل العراق.

بعد توقيع الاتفاقية، وبروز الضرورات الأمنية والعسكرية المشتركة بين سوريا والأردن، لضمان المناطق الحدودية، وخطّ سير أنبوب الغاز، جاءت زيارة وزير الدفاع السوري الى الأردن ومعه مدير المخابرات السوري، بمثابة انتقال في طبيعة العلاقات إلى مرحلة أكثر انفتاحاً، خصوصاً أن البيان الذي صاحب الزيارة أشار، إلى أنه تمّ بحث علاقات التعاون بين الجيشين الشقيقين وآفاق تطويره، وكذلك التنسيق الأمني المخابراتي، الأمر الذي يفتح الباب أمام زيارات أخرى لمسؤولين رفيعي المستوى، والأكيد أن الانفتاح الأردني على سوريا، بغضّ النظر عن أسبابه الاقتصادية والأمنية، جاء بقبول أميركي، بعد اشتباك إيجابي فعله الملك مع الأمريكان واستطاع اقناعهم، وهذا أعطى الضوء الأخضر أيضاً، لدول أخرى في الإقليم من العرب، لرفع مستوى علاقاتها مع دمشق، وترافق الانفتاح الأردني على سورية، مع الجهود المصرية والجزائرية والسعودية السياسية، لتمهيد الأرض لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وعادت في النهاية، وحضر الرئيس بشار قمة جدة، وبعد نحو أكثر من 10 سنوات على تجميد عضويتها، الأمر الذي باتت تعتبره الأمانة العامة للجامعة، عبر تصريحات مسؤوليها المستمرّة ضرورياً، في ضوء التطوّرات السياسية والميدانية والاقتصادية الأخيرة في المنطقة، والتي تلعب فيها سوريا دوراً محورياً. 

المشهد في الجانب السوري، يبدو الموقف محافِظاً على هدوئه، إذ لا تبدي دمشق أيّ استعجال لعودة علاقاتها مع الدول العربية، وهو ما يتجلّى في تصريحات المسؤولين السوريين الذين شدّدوا على البعد الاقتصادي للانفتاح السوري ـــ الأردني، ولاتفاقية تمرير الغاز إلى لبنان، على رغم يقينهم بأنّ هذا الانفتاح الاقتصادي، سيعقبه انفتاح سياسي، يحصّن هذه المصالح الاقتصادية المشتركة.

كلّ ما تم ذكره سابقاً، لم يعجب الأمريكي فقط، لا بل لم يعجب جل المنظومة الأنجلوسكسونية، وحزب واشنطن في الداخل الأردني، وهو حزب نافذ، ومع سيطرة واحتلال الجيش الأمريكي على التنف السورية منذ سنوات، وإقامة قاعدة عسكرية هناك، ومع توظيف واشنطن لمجاميع أدواتها، وفي ادخال المخدرات والسلاح الى الداخل الأردني عبر الحدود، ليصار الى الاضرار بالأمن القومي الأردني، وسلامة السلم الأهلي، بدأت المشاكل تثور، على طول خطوط العلاقات الثنائية الأردنية السورية، لعرقلة وشطب، ما تم الاتفاق عليه في اللقاء الأمني والمشهور والمشهود والمعروف في عمّان، والذي تبعته لقاءات أخرى سرية، نأمل أن تعود في سرّها وعلانيتها من جديد، حيث لا سبيل لحل المشاكل، الاّ بالجلوس وجها لوجه، لكل المسؤولين من الجانبين، مع منع الطرف الثالث الخارجي من التدخلات في صياغة العلاقات الثنائية وتطويرها، انقاذاً لسورية وللأردن، ضمن البديل والخيار المشرقي، والذي يكرّس الكينونة المشرقية.

بدا لافتاً في حينه، في المباحثات التي أجراها وزير الدفاع السوري في عمّان ورفاقه في وقته، عدم حضور وزير الدفاع الأردني، الذي هو نفسه رئيس الوزراء بشر الخصاونة، ما فُهم على أنه محاولة، للإيحاء بأن الزيارة مقتصرة على الجانب العسكري والأمني وليس السياسي، وتحديداً ما يتعلّق منه بالجنوب السوري، والتي تعمل المنظومة الأنجلوسكسونية الان، على تسخينه وتفعيله من جديد بشكل سلبي، تحت عناوين فرعية(المخدرات والسلاح وأن من يقف خلفها النظام السوري)، بعد سلة توترات هناك في درعا فيما مضى منذ سنتين، والذي استطاعت دمشق احتواءها، في وقت التزمت عمّان، للمرّة الثانية(الأولى في معركة تحرير الجنوب 2018 م )، عدم فتح الحدود بذريعة وجود لاجئين، وكان هذا الموقف الاستراتيجي الأردني الوطني والقومين مقدّراً لدى الدولة الوطنية السورية. 

انّ زيارة وزير الدفاع السوري ووفده، في وقته الى الأردن، جاءت بعد زيارتَين للملك عبد الله الثاني والرئيس بشار الأسد إلى موسكو، وهو ما قد يشير إلى وجود دور روسي في ترتيب تلك الزيارة اليتيمة علناً، مدفوع بإرادة موسكو ترتيب أوراق الجنوب السوري، بما يكفل إبعاد مقاتلي حزب الله وإيران عن الحدود، وخصوصاً حدود الأرض المحتلة، لمنع أيّ تصادم عسكري في المنطقة. 

وفي ردود الفعل في حينه، أثارت الزيارة حفيظة الكثيرين، سواءً من الإسلاميين أو الليبراليين والنيو - ليبراليين، ولكن مع تعلّقها بالجيش العربي الأردني، لم تخرج الأقلام المعتادة للنقد، إذ ما زال وسيبقى الشعب في الأردن، يرفض المساس والاستقواء، على مؤسّسة الجيش العربي الاردني، والتي تُعتبر مؤسسة محبوبة ومقدّسة عند الأردنيين كافة، والعامود الفقري للدولة الأردنية، ومعها جلّ المنظومة الأمنية الشرطية والاستخبارية.

للأردن وللعرب، مصالح كبرى في سوريا ومعها، منها على سبيل المثال لا الحصر: رفع مستوى وسوية التبادل الاقتصادي والتجاري والسياحي مع سوريا وعبرها لجوارها، ملف المياه وحوض اليرموك المشترك، ملف الحرب على الإرهاب، والحرب على تجارة المخدرات، حيث الأمريكي والاسرائيلي يدخلونها عبر الحد الشرقي الشمالي، وعبر جلّ جيب الجنوب السوري الجغرافي، ويتهمون هؤلاء - أقصد مفاصل حزب واشنطن تل أبيب داخل الدولة الاردنية - أنّ الجيش العربي السوري وفصائل المقاومة بذلك، وأنّ الجيش العربي السوري مسترخي أمنياً عن ذلك، كي يلحق ضرراً بشقيقه الأردني، ولا يقوم بواجبه بالمطلق. 

ألا يعرفون هؤلاء، الذين ساءهم عودة العلاقات الأردنية السورية – وساءهم درجة القهر، مقاربة الملك التي تمت هندستها وتسويقها لدى واشنطن، لعودة سورية الى النطاق العربي، أنّ هناك حاجة مشتركة بين الأردن وسوريا، تتمثل في محاربة هذه الشبكات التي تهرب المخدرات والسلاح، كما هناك حاجات مشتركة بين عمّان ودمشق، لإبعاد الجماعات والمجاميع الارهابية نتاجات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية، وانّ المخدرات التي تشهد تجارتها وعمليات تهريبها تزايداً ملحوظا على حدود الأردن الشمالية والشمالية الشرقية، بفعل الأمريكي والإسرائيلي، عبر المجاميع الارهابية، وكذلك هناك مصالح ملفات الطاقة والغاز المصري والربط الكهربائي الذي يوفر للأردن فرصة لتسويق فائض إنتاجه منها إلى لبنان وسورية الان. 

ونقول: لحزب واشنطن تل أبيب في الأردن التالي: انّ نكاحات البنتاغون والكبتاغون الشبقة، أنتجت داعشتون، وعلى مدار المؤامرة على سورية عبر الأجندات المسوّدة، لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والذي يحتل التنف السوري يا سادة هم الأمريكان، والقواعد العسكرية الأمريكية وشبكات التهريب، للمخدرات والسلاح هناك في التنف السوري المحتل، وفي شرق نهر الفرات المحتل. اذاً: ثمة علاقات كبيرة وعميقة بين البنتاغون الأمريكي والكبتاغون – نوع من أنواع المخدرات، وتبين ومنذ ما قبل الحرب الأمريكية على أفغانستان، التي شنتها واشنطن في أكتوبر عام 2001 م، أنّ المخابرات العسكرية للبنتاغون، أكبر مهرب حشيش ومخدرات في العالم ولحبوب الكبتاغون، ورأينا فعلها بأدواتهم الداعشية الارهابية في العراق وسورية وليبيا، وجلّ الساحات والبؤر الساخنة عبر بعض العرب. 

الكبتاغون: سلاح فعّال وله مفاعيله وتفاعلاته بيد البنتاغون الامريكي، كونه يشكل أحد أشكال الحروب المدمرة للإنسان والمجتمعات المستهدفة وخاصة جيل الشباب، والكبتاغون السلاح، يصنع في مختبرات حلف الناتو في بلغاريا وتل أبيب، ويرسل مع السلاح الى سورية، وعلى مدار المؤامرة والحرب على سوريا وفيها، ونلحظ الان عن احباط كثير من عمليات تهريب لحبوب الكبتاغون وغيرها، من سورية الى الاردن وغيره من الدول عبر الحدود المشتركة، حيث الامريكي يريد العبث في مجتمعنا الاردني ومعه الاسرائيلي عبر سلاح الكبتاغون، ونملك جيشاً على الحدود وادارة مكافحة مخدرات فاعلة، لمقاومة هذا الفعل الارتدادي العكسي من قبل الامريكي، بسبب مواقفنا الثابتة في دعمنا للمقاومة الفلسطينية في غزة وفي الضفة الغربية المحتلة، ومن خطة السلام الامريكية القاتلة، وما تسمى بصفقة القرن، حيث غدت فوبيا أردنية فلسطينية بامتياز، وتفاقمت بعد العدوان البربري الجاري على غزّة هاشم الان، وهو عدوان أمريكي بالدرجة الأولى، ومن خلفه إسرائيل، حيث يعد ذلك تنفيذاً لصفقة القرن 2 - وقد شرحت هذا سابقاً في أكثر من تحليل وفي لقاءات على جل الفضائيات، وعلى مدار سنوات وما زلت، والتي تعني شطب دولتنا ونسقنا وجغرافيتنا وديمغرافيتنا الاردنية، وتصفية شعبنا الفلسطيني ونظامه السياسي المنشود.

وها هم الأمريكان وبكل صفاقة سياسية، يبحثون عن زعامات درزية سورية، للتواصل معها والعمل باتجاهها، بل البحث لا يختص بسوريا، بل أيضا بالأردن، ليكونوا معينا للجهود الأمريكية، حيث الجهود الأمريكية الإسرائيلية تنصب، لعمل كرويدور درزي، داخل الحدود السورية، يفصل جنوب سوريا عن شمال الأردن، ويشكل وصلاً بين الجولان السوري المحتل إسرائيلياً، مع الشرق السوري المحتل أمريكياً، ويكون بذلك تواصل جغرافي، بين كردستان العراق، عبر شرق سوريا، ثم جنوبها الى الكيان، مع التأكيد: أنّ فصل الأردن عن سوريا جغرافياً أن نجح لا سمح الله، سيكون كارثة على البلدين. 

انّ مشروع التواصل الأمريكي مع قيادات درزية، ان في سورية، وان في الأردن، مشروع قديم جديد متجدد، لكن ما يثلج الصدور ويريح الأنفس، هو أنّ حتى المعارضة السورية الوطنية للنظام في سوريا، تتمسك بوحدة وطنها، وترفض التعاون مع المحتلين، ولا أرى أنّ هذا الموقف، يمكن أن يتغير بالمطلق، لأنّ أهلنا الدروز في الجولان السوري المحتل: لازالوا يرفضون الهوية الإسرائيلية، ويتمسكون بالهوية القومية العربية السورية، وللدروز تاريخ حافل بالبطولات تجاه الغزاة، وجبل العرب في السويداء، لن يكون الاّ للعرب.

وفي مفصل من مفاصل الحرب والعدوان على سورية، تم تمرير معلومات استخبارية وأمنية أردنية دقيقة جداً، وتم مقاطعتها أردنيا مع أكثر من مصدر، قبل تمريرها إلى الجيش العربي السوري، ما مكّن الجيش العربي السوري، بمساعدة من معلومات شقيقه التوأم الجيش العربي الأردني، من كشف تفاصيل ما سميت بعاصفة الجنوب، قبل وقوعها، وهناك تأكيدات، بأنّ إحداثيات موقع اجتماع قيادات جبهة النصرة - لا بل العهرة، والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها، في ما سميت بعاصفة الشر، هي معلومات استخبارية، نقلها الأردنيون إلى الجانب السوري، وهذا يفسّر الترحيب الأردني الصامت، بالمبادرة الروسية للتحالف مع النظام السوري لمكافحة الإرهاب، في حينه ووقته.

والأمر المحزن في وقته، في ذلك المفصل التاريخي، السعوديون والأتراك، تجاهلوا ابلاغ عمّان باتصالاتهم مع الروس، للمصالحة مع دمشق، وهذا ما جعل عمّان تجري مراجعاتها وتقيمها، وبالتالي سن استراتيجية الانفتاح والمصالحة مع سورية، فكانت مسارات اللقاءات المخابراتية والاستخبارية، اتوستراد بين دمشق وعمان.

لذلك: لا بد من الشروع في اتصالات عملية وحقيقية وجدية مع بين عمان ودمشق، للتوصّل إلى ما يلي: في ضرورة تفعيل العلاقات السياسية والدبلوماسية بشكل واسع، والشروع في عملية التنسيق الثنائي والثلاثي(مع العراق)للتوصّل إلى رؤية سياسية وأمنية متوافقة، وتشكيل غرفة أمنية أردنية ــــ سورية ــــ عراقية مشتركة لمواجهة تمدد الاتجار بالمخدرات والتمدد الإرهابي، وإعداد خطة واحدة لتصفية الجماعات المسلحة، التي تقوم بالتهريب وكذلك الجماعات الإرهابية التي تديرها أمريكا في جنوب سوريا والأنبار، ومنع تمددها إلى الأردن، والشروع في حل مشكلة اللاجئين السوريين بالتعاون بين وزارتيّ الداخلية في البلدين، وبالتزامن مع عمليات فرض الأمن في جنوب سوريا بالتعاون الأردني السوري وبإسناد روسي، فإذا لم يكن بإمكان حكومتنا، وبيروقراطية الدولة الأردنية، المدنية والعسكرية والمخابراتية، والعشائر، أن تفرض ذلك في غضون وقت قريب، فسيواجه الأردن، ثلاث مصائب كبرى: اللحاق بالمصالحة العربية والاقليمية بلا ثمن ولا أسبقية، والانفجار الإرهابي، وتسلل جماعات المخدرات والإرهاب إلى الأراضي الأردنية، والتحضير لتوطين ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري، توطيناً دائماً.

رغم كل المظاهر التي تبدو معاكسة على السطح، تتشكل مسارات جديدة في السياسة الأردنية على الصعيدين الإقليمي والدولي، فالانكفاء الأميركي سيُحتم على الدولة الأردنية أن تبدأ بالتفكير ملياً بالمستقبل الذي يبدو الآن غامضاً، بسبب مقدماته وظروفه غير المسبوقة، إلاّ أن دوائر صنع القرار الأردني، وعلى رأسها الملك عبد الله الثاني والمخابرات والجيش الاردني، تقدر جيداً أن الخيار الخاطئ سيكلفها، ويكلف الدولة والشعب الأردني الكثير، وخصوصاً في ضوء تسارع المتغيرات التي تعصف بالمنطقة، نتيجة تداعيات طوفان الأقصى، والصمود السوري، وانكسار حدة المؤامرة الدولية على سوريا، شعباً ودولةً، وبزوغ عالمٍ جديد من التحالفات متعدد القطبية، دولياً وإقليمياً، نتيجة المواجهة الروسية الأطلسية.

لم تعد الخيارات، بما فيها الحياد الإيجابي واللعب على التناقضات واتباع السياسات المزدوجة، مفتوحة كالسابق، إنها تضيق إلى خيارين، تفرضهما التطورات السياسية الواقعية، وهما: الانخراط الكامل في التحالف الذي يُحضّر له بين الخليج وأمريكا، وملحقة به إسرائيل على ضعفها، بعد تكسير رأسها بفعل المقاومة الفلسطينية الباسلة، وحزب الله، والمقاومة في الضفة الغربية المحتلة، ودخول حركة أنصار الله والمقاومة الإسلامية في العراق المعركة، كجبهات مساندة، حيث نحن الان في حرب إقليمية صغرى، حيث يعمل الأمريكي - على أن يكون الأردن قاعدة الوصل الجغرافي الأمني في التكوينة الخليجية ـ الاسرائيلية، وسيكون كارثياً، ألاّ تملك الدولة الأردنية والحركة الوطنية، القدرة، في الوقت الملائم، على ابتداع مقاربة جديدة ديناميكية للتوصل إلى صيغة، تذهب بالأردن إلى الخيار الثاني، خيار التحالف المشرقي الصاعد والقائم على روح المقاومة، وقهر إسرائيل وإطلاق طاقات المشروع التنموي التكاملي. 

وإذا كان من المفهوم أن اتجاه الأردن إلى الخيار المشرقي المقاوم التنموي التكاملي، ليس سهلاً، بل يحتاج إلى سلسلة معقدة من إعادة البناء السياسي ـ الاجتماعي وتوسيع قاعدة الحكم، بحيث تشمل الأطراف الرئيسية من الحركة الوطنية والتقدمية، وضرب مصالح فئات اجتماعية متنفذة، وربما التعرض لضغوط قاسية، أميركية وخليجية وإسرائيلية على ضعف الاسرائيلي، إذا كان ذلك، من دون شك، باهظ الكلفة، فإنّ الخيار الامريكي الخليجي، ومن خلفه الإسرائيلي على ضعفه، هو وصفة للانتحار الذاتي، ليس فقط من زاوية أنه يكرّس الوهن الاقتصادي، ويزيد في تعميق المشكلة الاجتماعية، بل، وأيضاً، لجهة أنه يهدد الأمن الوطني الأردني، تكتيكياً بالتغذية الإرهابية الراجعة على الحدود السورية الأردنية والحدود مع العراق، من تجارة المخدرات والسلاح التي يرعاها اليانكي الأمريكي، واستراتيجياً من خلال الاستفراد الإسرائيلي والامريكي بالأردن، بوجود القواعد العسكرية الامريكية في الأردن، تفعيلا لاتفاقية الدفاع المشترك بين عمان وواشنطن، وتحميله أعباء تصفية القضية الفلسطينية – لا سمح الله، فهذه القضية هي الثمن الذي ستدفعه السعودية، لقاء الاصطفاف الأمريكي ومن خلفه الإسرائيلي على وهنه إلى جانبها، في سعيها إلى معاندة المتغيرات، بالرغم من الاتفاق الإيراني السعودي - وهل هو تكتيكي ام استراتيجي.

انّ السياسة الخارجية الأردنية، والتي يقود الملك شخصياً توازناتها، ويصوغ تعارضاتها، ويوازن بين مفاعيلها وتفاعلاتها، بحيث يكتنفها دائماً جانبٌ من الغموض والمراوغة – وهو غموض استراتيجي، بين الإيجابي والسلبي والمتنحي وفقا لمصالح عمّان العليا، وهذا حق للدولة الأردنية في ظل إقليم متقلب، وحقاً عمان واعية بالمتغيرات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على دول المنطقة، ولن يتم المغامرة بالأردن، ووضعه على خط النار، مع الحلف المقاوم الناهض بتحالفاته الدولية.

انّ أطروحة التحالف المشرقي، ومن الممكن الآن المشاركة، في خطوة أولى، مع سوريا والعراق ولبنان، ذات جدوى وصدقية، فالشروط الموضوعية، لولادة التحالف المشرقي متوافرة بالفعل، جراء انتصار الدولة السورية على المؤامرة الغربية والصهيونية، وجرّاء تداعيات طوفان الأقصى الذي يصيغ المنطقة والعالم من جديد – يمكننا إذاً، أن نتسلح بالأمل الواقعي، لإنقاذ ليس بلدنا فقط من براثن الصهاينة، بل جلّ الشرق العربي، بالارتكاز على الجناحين السوري والعراقي، وبإسناد الجناح المصري، حيث مصر بعد حرب أكتوبر عام 1973 م تباينت وابتعدت عن الجناح السوري الى حد ما.

تقوم فكرة التحالف المشرقي، أساساً، على التجانس الاجتماعي التعددي والوحدة الجغرافية التاريخية والسياسية التي تجمع بلاد الشام والعراق، إضافة إلى المصالح والأهداف والطموحات المشتركة بين شعوبها، وخصوصاً في المجال التنموي الذي تتضح شروطه التكاملية.

المشرق: من الناحية الجيوسياسية، جاره العدو الصهيوني التوسعي، مدعوم بالأمريكي والبريطاني وجلّ الغربي، وكافة هؤلاء الأعداء، دائماً قوة قاهرة للطموحات المشروعة لشعوب المشرق، في تحقيق التنمية والديموقراطية وتعزيز الاستقلال الوطني، ومن بين هذه القوى، تبرز إسرائيل بوصفها القاعدة الثابتة لكل الاتجاهات والقوى المعادية لحركة التحرر الوطني في المشرق، وهو واقع يفرض القول إن الشرط الأساسي لإنجاز التحالف المشرقي، ونجاحه في تحقيق مهماته التنموية الوطنية التحديثية، إنما يكمن في بنائه استناداً إلى خط المقاومة، ومهمتها التاريخية تفكيك الدولة الإسرائيلية(طوفان الأقصى 2023 م البداية)، كمهاد لا مناص منه لنهضة المشرق، ولا يمكن لحركةَ المقاومة المشرقية، استبعاد الأردن أو تحييده من القيام بدوره في مقاومة إسرائيل ومحاصرتها وإضعافها، فالجبهة الأردنية هي الأطول مع إسرائيل، بالإضافة إلى أنها، من الناحية الجيو - دفاعية، الأكثر إيذاءً للجغرافيا العسكرية والمدنية الإسرائيلية، وإلى ذلك، الأردن يملك قوات مسلّحة ذات كفاءة عالية، وروح قتالية معروفة، وسيكون من العبث، من وجهة نظر المقاومة، تحييد هذه القوات التي، بغض النظر عن السياسات الرسمية، أثبتت قدرات استثنائية في كل الحروب التي خاضتها مع العدو الصهيوني، وإلى ذلك، فالجغرافيا الأردنية المتشابكة مع الجغرافيا الفلسطينية، تجعل من المستحيل، بالنسبة إلى الأردنيين، استغلال مواردهم الطبيعية، وإنشاء مشاريع تنموية كبرى من دون التحرر من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

 وعلينا أن نتذكر، دائماً، أن الأردن هو أكبر مضيف للاجئين والنازحين الفلسطينيين الذين ينبغي توفير شروط عودتهم الحرة الكريمة إلى ديارهم، ما يساعد الأردن على السير المتدرج والثابت في مسار الخيار المشرقي، تسارع المتغيرات العالمية ذاتها، ومن أهمها الانكفاء الأميركي من المنطقة، وزوال النفوذ الأوروبي، وخاصة البريطاني والفرنسي، ما يفتح الطريق أمام تجديد الدولة الأردنية على أسس أكثر استقلالية، إزاء النفوذ الأميركي الأوروبي التقليدي.

على الجهة المقابلة، بدأ المحور الدولي الإقليمي المضاد، يعبّر عن احتمالات صعود غير مسبوقة، وعلى المعنيين ألاّ يستخفوا، في بناء تصوراتهم السياسية الجديدة، بالإمكانات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الضخمة، القائمة والواعدة، لدول البريكس وإيران، امتداداً حتى العراق وسوريا ولبنان، وتكفي نظرة إلى الخريطة، لكي نكتشف أنه لم يبقَ من بلد مشرقي خارج دائرة هذا الطوق الكبير، سوى فلسطين المحتلة، ما يطرح على جدول أعمالها تكوين حركة مقاومة جديدة، وسوى الأردن مما يضعه أمام خيار واحد سليم ومفيد معاً على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والدفاعية الاجتماعية والثقافية، هو الخيار والبديل المشرقي.

ومضمون الصعود الروسي، صعوداً تحررياً لدولة قومية تنموية تواجه الاضطهاد الإمبريالي، وتتقيد بثقافة السلام والإخاء بين الشعوب، لنؤكد أن التحالف الدولي المتمحور حول روسيا يخلق، بسرعة وكفاءة مدهشتين، كافة الشروط اللازمة لإنهاء السيطرة التاريخية للإمبراطوريات البحرية لأول مرة منذ الثورة الصناعية، وأهم هذه الشروط هو تمكين قلب آسيا ودولهِ البرية من الصين إلى الأردن، من إنشاء سوق ضخمة وشبكة من العلاقات الاقتصادية المتحررة من الهيمنة والاستغلال، والقائمة على العلاقات الدولية الإنسانية المتكافئة واحترام المصالح المتبادلة، وإعادة بناء وتنشيط طرق التجارة البرية الداخلية، التي قضى عليها الاستعمار، بقوته البحرية، إما بالغزو أو التقسيم أو الاحتلال العسكري المباشر.

إن الخيار الذكي، وليس حسب الوطني، للسياسة الأردنية هو الانخراط الفاعل في التحالف المشرقي، القائم على روح المقاومة وتعزيز الانتماء الوطني، والإيمان بقدرات شعوب المنطقة، على استغلال الظروف الإقليمية والمحلية لإنجاز مهام التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وخلق الشروط الملائمة ضمن هذا التحالف، لإعادة هيكلة الاقتصاد الأردني بما يخدم مصالح الشعب الأردني، ولا يعني هذا الخيار، الانقلاب نحو سياسة الصدام مع الولايات المتحدة والغرب والخليج، وإنما بناء مقاربة مستقلة في إخضاع العلاقات الخارجية للمصالح الوطنية الأردنية.

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد