كتاب واراء

الخطيئة الإسرائيلية، وخطيئة البعض من العرب. جماعة الاعتلال العربي وإشكالية اغتراب الدبلوماسية.

*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*

 

وعلى خلفية التطورات الدراماتيكية الدامية، للعدوان الإسرائيلي ضد وعلى قطاع غزة، والذي تحوّل الى أعجاز نخل خاوية، فقد سعت بعض الدول العربية إلى تفعيل العمل العربي المشترك، لجهة تعزيز دور الدبلوماسية الوقائية العربية، في الدفع من أجل ردع العدوان الإسرائيلي وإعادة الأمن والاستقرار إلى القطاع، وكان اللافت للانتباه، أنّ هناك مجموعة دول، من بعض العرب الأخر، تحاول الآن التعلل بالمزيد من الذرائع الواهية، لجهة إحباط الجهود العربية.

وبرغم انفضاح أمر سيناريو الطابور الخامس، الذي نفذته جماعة الحمل الوديع من بعض العرب، في مسرح حرب تموز جنوب لبنان عام 2006 م، دعماً لسعي القوّات الإسرائيلية، التي استهدفت حزب الله، من أجل تأمين "الحدود الشمالية الإسرائيلية" الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، فإنّ نفس جماعة الحمل الوديع من بعض العرب، عادت الآن مرة أخرى، ولكن في مسرح حرب غزة، لجهة تنفيذ سيناريو الطابور الخامس، دعماً لسعي القوات الإسرائيلية التي استهدفت الفلسطينيين، من أجل تأمين الحدود الجنوبية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة مع جيب قطاع غزة.

لقد عملت أجهزة استخبار الحمل الوديع من بعض العرب، على رصد كلّ كبيرة وصغيرة عن الهدف، الذي تمثل هذه المرة في حركة حماس والجهاد الإسلامي، وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى المستشفيات الميدانية العسكرية الأردنية تحديداً، بعد الموقف الأردني المتنامي، في التصعيد العقلاني والمستمر، شعباً وحكومةً وملكاً وعائلةً مالكة، وسلّمتها إلى إسرائيل، فقد تم قصف محيط المستشفى الميداني الأردني القديم في غزة، وحدثت إصابات.

انطلقت الطائرات الإسرائيلية من جديد، وبعد أن أنهى الأمريكي الصفق والوقح الهدنة، ومن خلفه مستعمرته إسرائيل، ومازالت وهي تلقي بالقنابل العنقودية الفوسفورية المحرمة دولياً ضد الفلسطينيين، ومرة أخرى وبشكل متزامن أطلقت جماعة الحمل الوديع من بعض العرب جدول أعمالها، ولكن ضمن إصدار جديد، يشبه القديم في مضمونه، ويختلف عنه شكلاً، لجهة نجاح القاهرة وقطر في السيطرة على قيادة جماعة الحمل الوديع، بحيث أصبح وزير الخارجية المصري بمساعدة القطري، يقوم بدور المشرف(الوصي)على السياسة الخارجية لأعضاء جماعة الحمل الوديع: باستثناء الأردن، فلعمّان حساباتها الخاصة والمعقدة، في ضرورة اجتراح مقاربات سياسية ودبلوماسية وأمنية، وحتى عسكرية لاحقاً تصل أن تكون الدبّابة الأردنية، في مواجهة الدبّابة الإسرائيلية.

وثمة تفاصيل وتفاصيل، بين الخطيئة الإسرائيلية، وخطيئة الحمل الوديع من بعض العرب: فبعد انتهاء الحرب الباردة، قام بعض المفكرين اليهود، ذوي النزعات الليكودية، بإعداد المزيد من الدراسات والبحوث الاستراتيجية، التي أوصت بما يلي: استبدال صيغة الأرض مقابل السلام، بصيغة السلام مقابل السلام، والانتقال من مفهوم "الحق الطبيعي"، إلى مفهوم "الحق التاريخي"، وتوسيع مفهوم تأمين الحدود الشمالية الإسرائيلية، عن طريق إدماجه ضمن مفهوم الأمن الحيوي الإسرائيلي، والاستفادة بأقصى حد ممكن من فرصة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، والذي بدأ يتآكل في المنطقة والعالم، بالرغم من قوته.

تقدمت قوة الولايات المتحدة، باتجاه ملء الفراغ الاستراتيجي الذي نشأ في الشرق الأوسط وغيره، من أقاليم العالم بسبب انسحاب القوة السوفيتية، وبالفعل فقد عمل محور واشنطن – تل أبيب، على محاولة توظيف النفوذ الأمريكي العسكري – الأمني – الدبلوماسي المتزايد، بما يؤدي إلى نفوذ إسرائيلي عسكري – أمني – دبلوماسي متزايد.

وعلى هذه الخلفية جاءت خطيئة إسرائيل، متمثلة في محاولة استثمار المزيد من القيم الجيو- سياسية الاستثنائية الجديدة، التي أسفرت عن توليد خطيئة جماعة الحمل الوديع - باستثناء الأردن المتمرد عليها، صوناً لأمنه القومي ودفاعاً عن فلسطين كل فلسطين، وفعلنا جيشاً ومخابرات واضح - ، التي تمثلت في الاستجابة للتعاون مع إسرائيل، في ظل قيمها الجيو- سياسية الاستثنائية الجديدة.

انّ جماعة الحمل الوديع من بعض العرب، يعانون من إشكالية اغتراب الدبلوماسية: فقد لاحظ خبراء السياسة الخارجية، أن هناك تبايناً كبيراً، بين توجهات دبلوماسية حكومات الحمل الوديع من بعض العرب – عملياً بعد العدوان على غزة، الأردن لم يعد منها - وتوجهات شعوبها، وعلى وجه الخصوص إزاء أجندة محور واشنطن – تل أبيب، بعكس الدول العربية الأخرى، التي لم تنتم إلى أوركسترا الحمل الوديع من بعض العرب، وهي الدول التي تنسجم توجهات دبلوماسيتها، مع توجهات الرأي العام العربي.

ولتفسير ظاهرة الاغتراب، التي تعاني منها جماعة الحمل الوديع من بعض العرب – دول الاعتلال العربي، فانّ شعوب بلدان المعتدلين العرب، ستظل بعيدة كل البعد، عن دبلوماسية حكوماتها، إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي(الأردن خارج هذه المنظومة الان والأسباب متعددة ومركبة)والسبب في ذلك يتمثل في نقطتين هما: انّ دبلوماسية المعتدلين العرب تركز من جهة، على التعاون والتعامل مع محور واشنطن – تل أبيب، ولكنها من الجهة الأخرى، لا تملك القدرة على تقديم أي منظور إيجابي مقنع تجاه شعوبها، خاصة أن هذه الدبلوماسية لم تنجح، في تحقيق أي إنجازات إيجابية مقنعة يمكن الاستناد إليها كدليل وبرهان، لجدوى استبدالها لعلاقات الصراع، بعلاقات التعاون مع إسرائيل.

وأيضاً في تزايد الإحساس الشعبي بالإحباط، إزاء إمكانية بناء وحشد القدرات العربية لردع إسرائيل، وبسبب هذين العاملين، تشكلت إدراكات بعض النخب الرسمية الحاكمة لا في جلّها، لجهة الرهان، على منظور التعاون مع واشنطن، باعتباره الوسيلة الأكثر جدوى ونفعاً، في استخدام واشنطن لاحقاً من أجل ردع إسرائيل، ناسين ومتناسين هؤلاء، أنّ القاتل والمقاتل في غزة هو الأمريكي، وبالمطلق الأردن، يعي حقيقة ذلك وهذا السيناريو الفاشل.

يقولون: أنّ الشرق الأوسط، وتحديداً شرق المتوسط، هي منطقة البشائر والقرابين، فقد ظهر أنبياء كثيرون فيها، وقدّمت الكثير من القرابين، وآخر البشارات: يقوم بتقديمها جماعة الحمل الوديع، عبر سياساتهم ونهجهم، وانتقد الإسرائيليون، وعلى مدار حروبهم على غزة، صواريخ الفلسطينيين، على النحو الذي هدف في حينه: لتنميط الجانب الفلسطيني بالجلاّد والجانب الإسرائيلي بالضحية. 

انّ الكيان الصهيوني، يفقد المبادرة في الميدان وعليه: لم يكن أحد في كيان العدو الصهيوني، وفي أي جهاز أمني أو استخباري أو حتّى سياسي في منظوماته، يتوقع ما فعلته المقاومة الباسلة، في غزة المحاصرة في السابع من أكتوبر هذا العام 2023 م، وكل الكلام عن تقديرات وتوقّعات فقد صدقيته وصحته، مع فعل المقاومة الفلسطينية في المغتصبات في غلاف غزة، يوم العبور الثالث 7 أكتوبر 2023 م، كذلك فعل المقاومة الفلسطينية العسكري، بإطلاق الصواريخ نحو القدس المحتلة، ومدن العمق الفلسطيني الشمالي المحتل، بعد انهيار الهدنة الأخيرة، بفعل الأمريكي ورفضه للتمديد لها، والذي في حقيقة موقفه لليانكي الأمريكي، هو من رفض التمديد للهدنة لا الكيان اللقيط، فالمعركة في غزة، هي معركة الأمريكي، فهو القاتل والمقاتل، والكيان الصهيوني اللقيط من خلفه.

هذه النقطة المركزية وحدها، تمثل العنوان الرئيس للأزمة في إسرائيل، أزمة العقل السياسي والعسكري والاستخباراتي، أزمة اللايقين، ازاء ما يمكن أن يصدر عن الطرف الآخر، وهي نفسها الأزمة القائمة مع لبنان منذ سنوات طويلة، وتفاقمت مع غزة منذ سنوات قليلة، قبل أن يتضح حجمها مع اندلاع المواجهة العسكرية الأخيرة، وهي عدوان أمريكي بالدرجة الأولى، ومن خلفه الكيان اللقيط.

أول الأمر: هو أن تبادر المقاومة الى الهجوم والحرب، وتحقق نصراً في عنصر المفاجئة، بعد أن كانت تتموضع في الدفاع، ومن أين؟. من قطاع غزة المحاصر بلقمة عيشه، وبالضغط العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، من غالبية حكومات المنطقة والعالم، والذي يواجه أزمات مستجدّة بفعل تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانتشار الأمراض والجوائح الصحية، كما يواجه التحدي السياسي المتصل، باستحقاق الانتخابات الفلسطينية، وهو القطاع – الجيب الفقير المحاصر، حيث يواجه، أعقد حملة عسكرية عدوانية بربرية ظالمة، يشارك فيها كثيرون من دول العالم ونخبه.

لم يكن العدو: الكيان الصهيوني اللقيط، ومنظوماته المختلفة، يتوقّع بأن يبادر القطاع الى خطوة كهذه، ولو كان لديه أدنى تقدير، أمني أو سياسي، لكان تصرف بطريقة مغايرة في ادارته لملف العدوان على غزة، وعلى القدس وأحياء المدينة العربية، ولكان وضع خطة عسكرية تمنحه هامشاً اضافياً، لكن القطاع المحاصر بادر الى خطوة نوعية، جعلت العدو يخسر ما تميز به دوماً، وهو عنصر المباغتة الناجم، عن تفوقه في المبادرة الى شن الحروب. 

ويكفي أن يراقب العدو، أداء المقاومة في غزة المحاصرة، ليبدأ بحسابات مختلفة، في بقية جبهات المقاومة، خصوصاً جبهة لبنان، التي تعلّمت وتتعلم من درس غزة الحالي، ما يكفي لإعادة النظر، في أمور كثيرة ومتعددة، في شأن المواجهة مع العدو، لا تتعلق بالردع التقليدي، بل بالعقيدة القتالية القائمة: على مبدأ الهجوم الدفاعي والهجوم الوقائي.

أمام ما فعلته غزة، كان العدو أمام سيل من المفاجآت، لا يتعلق الأمر فقط، بقدرة المقاومة على اطلاق صليات كبيرة من الصواريخ، تصل الى عمق الكيان اللقيط، وكما حدث في عملية سيف القدس، والان بالعدوان على غزة، وانهيار التهدئة الأخيرة، بفعل الأمريكي والإسرائيلي، بل في أنّ رد فعل الفلسطينيين، على إطلاق الصواريخ المختلفة، تجاوز التضامن الاحتفالي، كما يفعلون عادة، الى حدود الانخراط المباشر، في مواجهة كسرت كل الرتابة، التي قامت خلال عقدين في الضفة الغربية، وأراضي الشمال الفلسطيني المحتل "إسرائيل". 

لم يكن العدو يحسب، أن يخرج جيل جديد من الفلسطينيين في تحركات شعبية، تتخللها احتجاجات عنيفة ضد قوات الاحتلال، وخلال ساعات بل سويعات قليلة، كانت "إسرائيل" أمام أزمة من نوع مختلف، هي أزمة انعدام القدرة، على ضبط المشهد الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، حيث لا يمكن للسلطة الفلسطينية، ممارسة قمع استثنائي، عبر التيار المتأسرل فيها وفي حركة فتح، التي تم تجريفها وتجويفها، لغايات شطبها لفتح، والذي يمثله: المدعو حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وماجد فرج مدير المخابرات وبعض البيادق الأخرى، وهي التي تعرف أن مشكلتها كسلطة متعاونة مع الاحتلال ولها دور وظيفي ليس الاّ. 

والحالة نفسها، انسحبت في السابق، على مناطق الشمال الفلسطيني المحتل "إسرائيل"، أثناء عملية سيف القدس، والان خلال العدوان والحرب الأمريكية الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث فشلت كل القيادات التقليدية، في كبح جماح التحركات الشعبية، أكثر من ذلك، فانّ العدو، قرأ سابقاً ويقرأ الان، في ما حصل في مناطق الشمال الفلسطيني المحتل، تمرداً يمكن أن يتطور الى أبعد مما يحسبه الجميع، وهو يشير صراحة الى فشل سياسة الاحتواء التي مورست خلال العقدين الأخيرين، سواء من قوات الاحتلال نفسها، أو من قيادات فلسطينية غادرت الموقع النضالي، نحو مربع التسويات المعبّر عن عجزها، عن تحمل متطلبات المقاومة، وهي حال كثيرين من قيادات وقوى مناطق الشمال الفلسطيني المحتل، ولا تقتصر على جماعة الحركة الاسلامية الجنوبية أو القيادات المتأسرلة، بل أن حالة الركود، أصابت قوى وشخصيات يسارية وقومية عربية، بدت هزيلة الفكر والتقدير والقراءة ايضاً.

أمام هذا المشهد، بدت "إسرائيل" أمام السؤال الدائم: ما الذي يمكن فعله؟... كل كلام عن محاولات العدو تحقيق انتصارات عسكرية في قطاع غزة، يعبّر عن قلة فهم لواقع المعادلات القائمة في فلسطين ومن حولها، وكل كلام عن قدرات خارقة للعدو، تدفع فصائل المقاومة الى الانسحاب، لا يزال أصحابه يعيشون في زمن مضى ولن يعود، وكل كلام عن قدرة العدو قلب المعادلة الميدانية، لا يعبّر عن فهم لحقيقة ما تغير على الأرض في السنوات العشر الأخيرة، وتعمل على تظهيره المقاومة الباسلة في غزة، ما يعني عملياً، أنّ العدو لم يكن أمامه سوى استراتيجية العقاب الجماعي، والابادة والتظهير العرقي، وهذا ما يجري الان في غزّة واتباع سياسة تدفيع الثمن الباهظ للمقاومة نفسها، وللشعب الفلسطيني في كل مناطق انتشاره، من غزة التي ضُربت وتضرب بقسوة، ولكن ايضا بطريقة تعكس حالة ردع ما، موجودة في العقل القيادي الاسرائيلي، إلى الضفة الغربية حيث ضُرب المتظاهرون بقسوة قادت الى قتلهم، بجانب قنص الأطفال والشيوخ، الى جانب حملة الاعتقالات العشوائية الواسعة، أمّا في مناطق الشمال الفلسطيني المحتل "إسرائيل" ، فقد عمد العدو الى محاولة خلق توازن رعب، من خلال ترك المستوطنين يتصرفون وفق منطق العصابات، بالتوازي مع عمليات اعتقال واسعة شملت كل الناشطين والمشاركين في الاحتجاجات.

ومنذ اليوم الثالث، لاندلاع المواجهات العسكرية – العدوان الحالي على غزّة، بدت اسرائيل أمام معضلة توجيه ضربات استثنائية لكوادر المقاومة في القطاع، حيث عنصر المباغتة الذي جاء هذه المرة من جانب القطاع، جعل بنك الأهداف العسكري والأمني لدى العدو خاليا من غالبية نقاطه، وأظهرت المقاومة، رغم الخسائر التي أصابت قيادتي القسام وسرايا القدس، فقد أظهرت المقاومة، قدرة على تنظيم عملية اخلاء صامتة، واعادة تنظيم عمليات التواصل بين المجموعات المقاتلة، ونجح الفريق التقني للمقاومة، في وصل كل من انقطع من خطوط التواصل السلكي وغيرها، وفي تنظيم عمليات تحشيد المقاتلين في نقاط، استعداداً للمواجهات البرية المتوسعة التي استأنفها العدو الى حد ما، وتنظيم عملية اطلاق الصواريخ بطريقة، تحاكي توفير المخزون في مواقع قابلة للتحرك السريع، واستخدام ما كان قد نُصب قبل وقت طويل من اندلاع العدوان والحرب الحالية على القطاع، وما فشل العدو في وقف العمليات العسكرية الصاروخية الهجومية – خاصة بعد انهيار الهدنة - الاّ اشارة الى خلل كبير، سينعكس أزمةً في العقل القيادي، العسكري والامني، لقوات الاحتلال، ولن ينفع هنا كل التعنيف الذي وجهه الاسرائيليون الى المصريين، بحجة أنهم لم يبذلوا جهوداً كافية، لمنع تهريب المواد، التي ساعدت المقاومة على بناء قوة غير مسبوقة، علماً أن العدو يعرف، أنّ قدرات المقاومة المتنوعة، لم تخرج كلها الى المعركة، وهي بقيت وتبقى رهن مسار ميداني، يفرض نفسه على الجميع.

عملياً: لم يبق لدى العدو الصهيوني، سوى التصعيد في معركة تدفيع الثمن، وهي عملياً: سياسة من دون طائل، لأنها لم تحقق هدفها في كبح جماح المقاومة وردعها ومنعها من مواصلة اطلاق الصواريخ، كما أنّها ليست ذات فعالية على صعيد تأليب القاعدة الاجتماعية للمقاومة ضدها، رغم ارتقاء 16 ألف شهيد، وأكثر من خمسين جريح حتّى اللحظة، بجانب دمار البنى التحتية المختلفة، بل على العكس، فكما في كل مرة، وربما أكثر من المرات السابقة، ظهرت نتائج عكسية، إذ تفاعل الجمهور داخل فلسطين وخارجها، وفي العالم كله، مع مظاهر الاجرام الإسرائيلي النازي الفاشي البربري، وهو ما ستكشف الايام المقبلة، عن حجم تأثيره في قرارات حكومات وقوى وجهات كثيرة في العالم، بما في ذلك تلك التي ترفض منطق المقاومة أصلاً وفصلاً.

نحن الآن على عتبة مرحلة جديدة: من الحرب والعدوان والمواجهة، سيخرج العدو معلنا انتصاره، كما في كل مرة، لكننا سنسمع سريعاً، الصراخ السياسي وغير السياسي، في كل مواقع الكيان ومؤسساته، وسيضطر قادة العدو، العسكريون والأمنيون، للجلوس أسابيع طويلة، في محاولة لفهم ما حصل، واستشراف كيفية التصرف في المرحلة المقبلة، أمّا المستوى السياسي، فلن تنفع كل مناوراته، إذ باتت أزماته الداخلية والخارجية متفاقمة، وأصبح كيان تحت التحقيق، ان لجهة الداخل، وان لجهة الخارج في لاهاي وغيرها، الحكومة الحالية الفاشية ستسقط، وبنيامين نتنياهو الى السجن وزوجه وولديه، وثلّة من البيادق من حوله، ولمن لا يعلم، فان "إسرائيل" دولة تهتم كثيراً بالموقف الغربي من تصرفاتها، ويعرف قادة العدو، أنّ الغرب لم يكن معجباً، على الاطلاق بأداء العدو العسكري والسياسي والاعلامي، فتدخل الأمريكي على عجل، وصار هو القاتل والمقاتل، وفرض شكلاً من أشكال الانتداب على إسرائيل، لغايات ادارته للمعركة في غزة، فهي معركته بالدرجة الأولى، أمّا الحلفاء من بعض العرب، الذين كرروا فعلتهم خلال حرب تموز العام 2006 م بتحريض العدو على مواصلة الحرب، فسيشعرون بالنتائج الكارثية، ورغم انه لا يُتوقع تبدلات نوعية في مواقفهم، لكنهم سيتصرفون، كرهاً لا طوعاً، بطريقة مختلفة.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد