كتاب واراء

إخراجُ غزةَ من الصراع غايةٌ إسرائيليةٌ ومساعي دوليةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

شاعت في الأيام القليلة الماضية أنباءٌ متضاربة نفتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، حول مساعي التوصل إلى اتفاقية هدنة طويلة الأمد بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، ونشرت وسائلٌ إعلامية عديدة، بصورةٍ مقصودة ومتعمدة، ولغاياتٍ معلومةٍ وأهدافٍ محددة، تفاصيل الحوارات السرية التي تجري خلف الأبواب المغلقة حسب وصفها، وذكرت بأن القاهرة التي استضافت قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي عرضت عليهما اقتراحاً بعقد هدنة طويلة الأمد مع "الجانب" الإسرائيلي، وتباينت التقارير المسربة والمقالات المكتوبة حول مدة الهدنة بدءً من سبع سنواتٍ وصولاً إلى ثلاثين سنة، مقابل تسهيلاتٍ وعطاءاتٍ مختلفة يقدمها العدو الإسرائيلي، وتساهم في كثيرٍ منها الولايات المتحدة الأمريكية ودولٌ أوروبية وعربية بالإضافة إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها.

 

لعلها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن هدنةٍ طويلة الأمد بين الجانبين، أو تهدئةٍ متفاهمٍ عليها بين الطرفين برعايةٍ مصريةٍ ومباركةٍ أمريكيةٍ وإقليمية ودوليةٍ، فقد سبقتها عشرات التوقعات عن قرب التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بمختلف الأشكال وعلى كل الصُعد والجبهات بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، إلا أن الحديث هذه المرة مختلفٌ نسبياً، كون هذه التسريبات لا تأتي خلال حربٍ أو إثر عدوانٍ إسرائيلي على قطاع غزة، وليست خلال موجة تصعيد عنفٍ وإطلاق صواريخ من قطاع غزة على مدن ومستوطنات الغلاف، فالأوضاع الآن شبه هادئة بعد انتهاء حرب الأيام الخمسة، ونجاح مصر في تثبيت وقف إطلاق النار بين العدو وحركة الجهاد الإسلامي.

 

أي أن الحديث عن الهدنة يأتي هذه المرة في ظل أجواء هادئة على الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، بما يشير إلى أن هناك من يفكر ويخطط للاستفادة من فترة الهدوء السائدة في فرض اتفاقٍ "أمني-اقتصادي" بين الجانبين، يطمئن العدو الإسرائيلي من خلاله على أمنه من الناحية الجنوبية، ليتفرغ للعمل على جبهاتٍ أخرى، تتجاوز القدس والضفة الغربية التي ينشط فيها ليل نهارٍ لتهويدها ومصادرة أراضي أهلها وبناء المزيد من المستوطنات فيها وتوسيع القديم منها، ومواصلة العمل على زيادة عدد المستوطنين القاطنين فيها إلى قرابة مليون مستوطنٍ، إضافةً إلى عمليات الاجتياح والمداهمة وقتل واعتقال نشطاء المقاومة فيها.

 

يتطلع العدو الإسرائيلي بتسكين جبهة غزة للعمل على جبهاتٍ أخرى يرى أنها خطرة جداً عليه، وأنها قنابل موقوتة قد تنفجر في وجهه في أي لحظةٍ، ويريد توجيه ضرباتٍ استباقية حاسمة ضدها، ويقصد بها الجبهات الشمالية في سوريا ولبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران، التي يشكل مشروعها النووي وتطورها العسكري وتحالفاتها الإقليمية كابوساً مرعباً له، لهذا فهو يعمل على تنفيذ مخططاته لمواجهة إيران وتدمير مشروعها النووي داخل حدودها، أو التصدي لها واستهداف القوى المتحالفة معها والمنتسبة إليها خارج حدودها كحزب الله في لبنان، ومواصلة توجيه ضربات أمنية ضدها في أكثر من مكانٍ في العالم، أو عسكرية ضد أهدافٍ لها في سوريا. 

 

أمام هذه الأجندة الإسرائيلية الضاغطة، وفي مواجهة الأخطار الداهمة ومعالجة الملفات الساخنة، وحتى يتفرغ لها ويركز عملياته ضدها، يريد العدو أن يُسَكِّنَ المقاومة في قطاع غزة، وأن يهدئ جبهتها، ويخلق حالة من الأمن المؤقت والسلام الكاذب فيها، ليس لأنه مطمئنٌ إليها ولا يريد أن يستهدفها ويقضي عليها، بل إنه يتمنى تقويضها وتفكيك قواها وتدمير قدراتها والقضاء على تهديداتها، والشفاء من الصداع المزمن الذي تسببه له، فهي تشكل عليه خطراً حقيقياً وكبيراً، كونها الأقرب إليه والأقدر على إيلامه وإرباكه، والأكثر استنزافاً له وإشغالاً لجيشه، وقد شن ضدها العديد من الحروب والمعارك، لكنه فشل وعجز عن إخضاعها وتحقيق أهدافه المرجوة بالقوة وبالمزيد من القوة ضدها.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد