مقالات خاصة

في الدّين ، و السّياسة .. عرض نقديّ في ثقافة السّلطة و الدّين

كتب .  د . بهجت سليمان

                            《 الحلقة الأولى " 1 من 3 " 》


                                                                                    


1 ▪︎ تُذكّرنا بدايةُ القرن الواحد و العشرين في ما يسمى " الشّرق الأوسط " بالواقع الذي كان سائداً في ( أوربّا ) في القرن السّادس عشر ، ذلك القرن الذي انحلّتْ فيه الرّوابط العائليّة و الاجتماعيّة ، و انتُهِكَتْ فيه الأفكار القوميّة ، و نشبَتْ فيه الحروب الدّينيّة و السّياسيّة و استبيح فيه كلُّ مُحرّمٍ من أجلِ حفنةٍ من الأمراء و الملوك .


     و لأنّ "الإنسان" كائنٌ واحدٌ في كلّ زمان و مكان ، له الطّبيعة المتشابهة و التّصوّرات المتقاربة و الاهتمامات و الحالات الفطريّة المتطابقة في الأمل و الألم و النّزوع إلى الحريّة و السّعادة و التّطلّع إلى تحقيق أهداف أساسيّة واحدة تتعلّق بالوجود و الدّيمومة النّسبيّة و الدّفاع عن الحياة و الحقوق ، ... ، إلخ ..


     فإنّ علينا أن ندخل إلى واقعنا مدخلاً تاريخيّاً يُقارب لنا ظروف الإنسان الغربيّ في التّاريخ ، في الفكر و الفلسفة و السّياسة ، لنكون على دراية مقارنَة و نقديّة لظروفنا الرّاهنة ، من جهة أنّنا محكومون ببعض "الحتميّات التّاريخيّة" المتعلّقة بالوعي الإنسانيّ و ظروف تغيير الواقع ، نحو ما يُقرّره العقل و المنطق البسيط أنّه الأفضلُ و الأكثر ضرورة و مستقبليّة ، بدلاً من أن نتردّد في وعينا القاصر الذي أدّى إلى ما نحن فيه ، اليوم ، من جحيم هذه الحرب الشّعواء ؛

2▪︎ هذا و لا نرمي ، أكيداً ، إلى استنساخ تجارب الآخرين ، و هذا ما أكدناه مراراً ، و لا داعي للخوض ، فيه .


     وتاريخ العالم لا ينفصلُ . . ذلك أنّ أيّ حدثٍ في الزّمان الإنسانيّ ، أينما كان ، و متى كان ، إنّما هو ، في المحصّلة ، حدثٌ يعمّ العالم بطريقة أو بأخرى ؛
     و من هنا كان علينا ، عندما نريد تفسير محيطنا و واقعنا و حاضرنا ، بما في ذلك مشكلاتنا و معاناتنا المعاصرة ، أن نعود دوماً إلى التّاريخ لاستنطاقه ، باعتبار أنّ المؤثّرات المتواترة و المتراكمة في الواقع الذي نعيشه ، هي مؤثّرات عالميّة ، بالدّرجة الأولى ، لأنّ كلّ ما نعيشه اليومَ من أحداث هو نتاجٌ تاريخيّ للقوّة العالميّة و العنف الإنسانيّ .

3 - يُجمع مؤرّخو الأحداث و العالَم على أنّ تاريخ الاحتلال التّركيّ للقسطنطينيّة في عام ( 1453م ) ، كان بداية الانتقال من "العصر الوسيط" ( القرون الوسطى ) إلى "العصر الحديث" ، حيث انهارت "الإمبراطوريّة البيزنطيّة" ، و هاجر مشاهيرها و فنّانوها و أدباؤها و علماؤها إلى ( إيطاليا ) ليبدأ ، هناك ، في مدن ( إيطاليا ) المجزّأة ، "عصر النّهضة" الأوربّيّ ، عصر الأحاسيس و الرّومانسيّات و الفنون البصريّة التّقليديّة كالرّسم و النّحت و الأدب و العلم و السّياسة ..
     مع ما رافق ذلك من "انفلات شخصيّ" و رفض للقيود الموضوعيّة في العالم ، الأمر الذي جعله عصراً "متهتّكاً" و "مُجُونيّاً" إلى حدّ كبير بالنّسبة إلى القيم الأخلاقيّة المسيحيّة بخاصّة و مطاليبها "الأخلاقيّة" المتشدّدة ..

4▪︎ و الذي انتهى ، إلى "الإصلاح الدّينيّ" في ( أوربّا ) في أوائل القرن السّادس عشر الذي جاء به ( مارتن لوثر ) ( 1483- 1546م ) ، في عام ( 1517م ) و أعلن عنه في رسالته الشّهيرة التي تضمّنت ، بشكل خاصّ ، نقد الكنيسة الكاثوليكيّة و "لاهوت التّحرير" ..
     هذا على رغم أنّ "الانقلاب" على "القديم" بدأ منذ القرن الرّابع عشر ، فلم ينقضِ هذا "القرن" حتّى كانت "الفلسفة الإسميّة" قد ظهرت لتواجه "الفلسفة السكولائيّة " (السّكولاستيكيّة) ، المدرسيّة ، التي كانت تمثّل "علم الكلام" الكنسيّ الكاثوليكيّ و تعاليمه النّقليّة التّلقينيّة ، و تحطيم "العلم" الطّبيعيّ "الأرسطيّ" ، و تمرّد "الأمراء" على السّلطة "البابويّة" ، و ظهور "الإقطاعات" الأولى التي أسّست للعصر الإقطاعيّ الأوروبيّ . 

5▪︎ توجّه القرن السّابع عشر الأوربّي نحو الاتّجاه العقليّ و "نقد التّراث" و تحرير العقلانيّة من كوابحها و قيودها الدّينيّة . و لقد رافق ذلك ظهور "الفلسفة الطّبيعيّة" أو ما سمّي "الفلسفة الإنسانيّة" التي تطوّرت بسرعة كبيرة إلى "المذهب الإنسانيّ" الذي سارع بالقطيعة مع "الدّين" و الهجوم على "السّكولائيّة" و طريقة فهمها للعالَم ، و تقويض جميع مرتكزات "ثقافة" العصر الوسيط .
     و عندما استقلّت الفلسفة عن الدّين صار بالإمكان أن تتطوّر الفلسفة باتّجاه مشكلات الواقع و الإنسان ؛ و من هنا انتقلت ( أوربّا ) إلى "عصر الأنوار" مع ( لوك ) و ( هوبز ) و ( مونتسكيو ) و ( روسّو ) و آخرين ؛

6▪︎ و ظهرت النّزعة "الإنسانيّة" ( الحداثة ) في الأدب و الفنّ و السّياسة ، و تجلّى ذلك كلّه في "الثّورة" البورجوازيّة الفرنسيّة ( 1789م ) ، في قطيعة تاريخيّة عزّزت معطيات "الثّورة الصّناعيّة" في ( إنكلترا ) التي فجّرها اكتشاف و صناعة "الآلة البخاريّة" ( 1784م ) ..
     ثمّ "الثّورة الصّناعيّة الثّانية" في ( أوربّا الغربيّة ) عندما تم استخدام الطّاقة الكهربائيّة في "الإتّصال" و "المواصلات" و "الإنتاج" عام ( 1870م ) .
     في هذا الغمار بدأت "الفلسفة" تُعنى ، أكثرَ فأكثر ، بالمشكلات الإنسانيّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة ، و بشكل أقلّ بالمشكلات الأخلاقيّة المتّصلة ، على الأغلب ، بالميتافيزياء .. 
     غير أنّ "الميتافيزياء" توجّهتْ إلى طرح "مشكلات أساسيّة" هي من صلب جوهر "الإبستمولوجيا" من مثل "معرفة ما هو كائن" ، إذ لا تنفصل "الإبستمولوجيا" عن "الميتافيزياء" .

                         [ انظر : ريتشارد شاخت . رواد الفلسفة الحديثة . ترجمة د. أحمد حمدي محمود . الهيئة المصريّة العامّة للكتاب" ]

7▪︎ في هذه الفترة التي بدأ معها ما يُسمّى في ( أوربّا ) "العصر الحديث" ظهرت أفكار و مؤلّفات مباينة للماضي ، بدأت مع ( ديكارت ) ( 1596- 1650م ) الذي بحث في طبيعة الله و العالم و الأشياء و الكائن و الامتداد و المادّة و العقل و الجسم .
     كانت هذه البحوث و الاهتمامات ، بطبيعتها ، ذات طابع "ثوريّ" في الفكر الإنسانيّ الحديث .
     بعده ، بحث ( ليبنتز ) ( 1646- 1716م ) الذي يُعتبر "واحداً من الأفذاذ بالعقل الفلسفيّ في تاريخ الفلسفة برمّته" ، في أمور مستقبليّة و غريبة عن عصره ، فأفاض في "منطقه" حتّى وصل إلى "نظريّة الكومبيوتر" و "إنشاء لغة مثاليّة" للتّفاهم العالميّ ، و انشغل ببحوث "تطوّر العلوم" ، و ببحوث في "الحقائق" ، و في "الله" و "العالَم" .

                           [ المصدر : ص ( 55- 56 ) و ( 64 ) ] .

8▪︎ من المعاصرين لزمن المقدّمات الحداثيّة الكبيرة كان ( سبينوزا ) ( 1632- 1677م ) ، عملاق الجرأة في التّفكير ، و الذي اكتسب شهرته ، كيهوديّ ، في أنّه واحد من "الهراطقة" و "الملحدين" ..
     حيث كان له تأليفه كتاب "الأخلاق" "الذي يُعتبر من أبرز الأنساق الميتافيزيقيّة في تاريخ الفلسفة على بكرة أبيه" ، مع أنّه كان صاحب "نزعة وجوديّة" تجنح نحو الكآبة الفلسفيّة المعروفة عند الوجوديين .

                      [ المصدر : ص( 85 ) ] .

9▪︎ عاصر ذلك الزّمن ( لوك ) ( 1632- 1704م ) الذي لم يكن لوذعيّاً أمام أفكار ( ليبنتز ) و ( اسبينوزا ) ، حيث بالغ ( لوك ) بتواضعه ، و لكنّه ادّعى ، في مواجهة هؤلاء "العقلانيين" بأنّ جميع أفكارنا ليست سوى انطباعات بسيطة للإحساسات الخارجيّة و الدّاخليّة على السّواء ، ممهّداً لِ ( بركلي ) الطّريق .
     توجّه ( لوك ) ، أساساً ، إلى "الإبستمولوجيا" ، حيث قال في مؤلّفه الأشهر " المقال" ، " إنّ غرضي [ هو ] البحث في أصل المعرفة الإنسانيّة و يقينها و مداها ، إلى جانب مسائل كالاعتقاد و الظّنّ و التّصديق ، و درجاتها " .

                         [  المصدر : ص( 123 ) ] .

                                                                       ● يتبع في  الحلقة الثانية ( 2 من 3 )


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة