مقالات خاصة

عبد الجليل ضاهر - رحّالة الكتب / إعداد الإعلامية مروة صعب

يفترش أعوامه الشائبة على الرصيف الجامعي ،مرتدياً قبعة عسكرية،ويترأس جيشاً من الكتب ، تمر بجانبه تبصر الأدب و العلم والسياسة و الفلسفة و الروايات  لأهم أقلام مرت عبر التاريخ.  أمين مكتبة عابرة للأرصفة ، اينما حلّ "حلّت الثقافة"،يداوم تارة قرب الجامعة و تارة أخرى في السوق القديم. عبد الجليل ضاهر ابن الجنوب "المقاوم" هكذا يصفه الجميع و تحديداً  عبد الجليل. و إن سألته عن عمره  يختصر الأعوام ب "بتسأليني عن حياتي؟ كانت حلوة و مرة."  و يتجاهلك كلما رددت السؤال نفسه. لم يتوقف يوماً عن القراءة، يقرأ الكتاب ثم يبيعه، هو نفسه لا يعلم كم كتاب  قد قرأ منذ أن بدأ بجمع الكتب عام ١٩٥٧. ربما توقف فقط حين اعتقله جيش الإحتلال الصهيوني في الثمانينات،  بتهمة إنتمائه لحزب البعث العراقي، يتفاخر بتلك الحقبة ، و يروي للمارة بطولاته هو و الرفقاء،  وكيف " شيّب العدو" إلى أن اعتقل لمدة عامين، و عاد بعدها مجدداً  أسيراً لمكتبةٍ باتت اليوم تحتضن خمسين ألف كتاب، ناهيك عن المخطوطات الكبيرة من مخطوطة النكبة، إلى الإنجيل، إلى مصحف يقول انه قد ناهز الثلاثمائة عام. يحب بسطته و هو زبون نفسه اليومي،  يتحدث عن مكتبته والكتب التي يبيعها بمبالغ زهيدة جداً،  وعن أهمية المطالعة  التي لم يعد يأبه لها "جيل الأيباد" و يلومهم بحسرة وطنٍ هُجرت أدمغته، فبين جيلٍ يقرأ و جيل الألعاب الإلكترونية و وسائل التواصل، قلة منهم يزورون العم عبد الجليل.  تسأله إحداهن عن رواية لميخائيل نعيمة، فيشير بعكازه القديم إلى "" مذكرات الأرقش" ثم ينصحها بخيار بعيد جداً عن ما طلبت و لكنه يفضله، كتاب" لطارق حمزة و أدهم خنجر " يحكي عنه متفاخراً  ، تظنه طائفياً متعصباً، ثم يعرب أنه أحب فتاة مسيحية و تزوجها، يصمت لبرهة و يعلن حداد قلبه على رحيلها منذ أشهر. لدى عبد الجليل  ضاهر الكثير ليتفاخر به، فهو أنجب محامية و مختصة بالشؤون السياسية وشاباً يتاجر بالأنتيكا  وكاتباً. يعرض كتاب ابنه "محمد" إلى جانب كتب الأدباء الكبار و يريه لكل من يزوره على ذلك الرصيف المفعم بالفكر و الأدب. "المطالعة شفاء للعقول المريضة"  يقول العم عبد الجليل ناصحاً الجميع بالقراءة و "تغذية عقولهم"و يقطع طريق الطلاب المارة ليسمعهم خاطرة أعجبته لمظفر النواب، او ربما  يستفيد من المعلومات التي كدسها عبر السنين و يطرح عليهم "الحذورة" ، و الرابح منهم قد يحصل على خمسة كتب من إختياره. لا يكتفي ولا يكل و هو يحاول جذب الشباب ليعيدهم إلى قعر الكلمة. يمر على جميع الكتب و كأنه سيقدم إمتحاناً قريباً، لا يمل وجودها، يقرأ و يقرأ، ، ولا أعرف اذ كان يتعلم من الكتب او أن الكتب تتعلم منه حين يلامس أطرافها..تلك الأرصفة تحمل الكثير، ولا أحد سواها يعلم كم من عظيم كان هناك و مرّ و سيرحل يوماً ما، تاركاً إرثاً لن تنصفه الملايين. عبد الجليل ضاهر الفدائي سابقاً و رحّالة الكتب ، لن ينصفه أحد كما أنصفته الكتب، حين أصبحت خليله الوحيد.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد