قادة محور المقاومة

مقابلة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم على قناة المنار

بِسْمِ اللَّـهِ الرحمن الرَّحِيمِ

 

مقابلة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم على قناة المنار 09-03-2025:

 

منار صباغ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم. 130 يوماً انقضت على خطاب الثلاثين من تشرين الأول من العام الماضي، الإطلالة الأولى لسماحته بعد انتخابه أميناً عاماً لحزب الله، الحمل الثقيل كما وصفه برضا وتسليم بعون الله سبحانه وتعالى. وهل يمكن لهذه المهمة أن توصف بغير ذلك؟

إنها المهمة الاستشهادية في الزمن الصعب، في زمن الشدة. مجرد القبول بهذا التكليف في خضم المعركة كان يعني مجازاً وضوء الشهادة المحتومة بفعل واقعية التهديدات والضربات القاسية التي تعرضت لها المقاومة منذ السابع عشر من أيلول. ليس غريباً عن سماحته الشجاعة والتصدي، كل متابع ومتتبع لحركيته منذ بدايات العمل الإسلامي وصولاً إلى شغله منصب نائب الأمين العام لحزب الله، لم يتعجب لتصديه بإقدام للقيادة رغم ألم وصعوبة فراق السيد وصفيه وصحبه من القادة المجاهدين.

عرفناه المُنظّر والمؤلف لعشرات الكتب، والقارئ الاستثنائي في مسيرة حزب الله، الشخصية الممسكة بمفاصل العمل النيابي والحكومي، والمنسق العام للانتخابات النيابية من أول مشاركة للحزب عام 1992، وهو شريك سيد شهداء الأمة لأكثر من 37 عاماً. كل هذه المهام والاستغراق بتفاصيل المعترك السياسي لم تمنع سماحته من إعطاء موعد لاستشارة خاصة، لمتابعة أو مساعدة، لإرشاد أو توجيه. حتى استحق الوصف: إنه الأب الحنون للإخوة والأخوات في هذه المسيرة المباركة. لكنه أيضاً السياسي الذي يقنص الخصم أو العدو بأحد المواقف حيث يجب، والمبلغ الذي يطل في المساجد ومن خلال برامج دينية معمقة عبر الشاشة أو الإذاعة، مساهماً برعاية تفصيلية لمجتمعه وبيئته، جعله دائماً مع الناس وقريباً منهم.

اليوم نطل عليكم مشاهدينا في مقابلة هي الأولى لسماحته بعد أن واكبنا بخطابات بلغ عددها 16 خطاباً بين الثلاثين من أيلول والثالث والعشرين من شباط. الليلة سنتحدث عن كل ما مضى منذ معركة أولي البأس، نسأل وننتظر الإجابة الصريحة والشفافة كما عودنا دوماً.

سنطل على أبرز المحطات وأصعب اللحظات، لاسيما في حضرة شهادة الأمينين العامين لحزب الله. سنقدم أيضاً قراءة تفصيلية للمشهد السياسي الداخلي بفرصه وتحدياته، وسنكون مع إطلالة على قضايا المنطقة وفي مقدمها الصراع المحتدم بين مشروعي التطبيع والتفتيت ومشروع المقاومة. مشاهدينا مع سماحة الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم، حفظه الله. أهلاً بكم ونبدأ حلقة حوار الأمين.

السلام عليكم، مولانا.

 

الشيخ نعيم قاسم: وعليكم السلام ورحمة الله.

 

منار صباغ: شكراً. بداية، أحمل باسمي وباسم كل الأخوات والإخوة بقناة المنار التحيات والشكر لهذه المقابلة التي هي المقابلة الأولى منذ أن أصبحت أميناً عاماً لحزب الله. شكراً جزيلاً لهذا الوقت رغم الظروف والانشغالات والظروف الأمنية الصعبة.

 

الشيخ نعيم قاسم: هذه قناتنا على كل حال، يجب أن تكون لها الأولوية.

 

منار صباغ: بدون شك، هي قناة المقاومة، هذا فخرها وهذا ما يجعلها تشبه الناس. تشبه الناس، ربما هذه الصورة تختصر الكثير وتجعلنا مباشرة ندخل مع حضرتك مع سماحتك بالموضوع، أن نتحدث عن الناس. نبدأ مع الناس.

مشهد التشييع، واسمح لي أن أسأل عن انطباعك، سماحة الشيخ، كان لك كلمة مباشرة في هذا الحشد الكبير، هذا التشييع الكبير، كيف تفاعلت مع هذا الحشد، مع هذا الحضور، مع هذا الوفاء لشعب المقاومة؟

 

الشيخ نعيم قاسم: بسم الله الرحمن الرحيم. من يراجع كيف نحن وصلنا إلى قرار التشييع يستطيع أن يقول إن هذا تشييع إلهي، لأنه بعدما استشهد سماحة الأمين العام السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، سيد شهداء الأمة، كان في تواصل بيني وبين سماحة السيد هاشم. كنا نتفق أي يوم ممكن أن يكون الدفن، على أساس يوم أو يومين بعد الشهادة، لكن الظروف التي كانت موجودة كانت معقدة جداً، فاتفقنا على تأجيل الدفن، لأن هناك خطراً على الناس. وإذ بالأمور تتأجل إلى هذه اللحظة، وتبين أن هذا التأجيل أتاح لنا فرصة من حوالي شهر قبل الدفن أن نجد قطعة أرض على طريق المطار، وأيضاً أن يكون لنا فرصة من أجل أن ندعو الناس إلى المشاركة.

بالحقيقة، مشاركة الناس استثنائية. أنا أقول لك شعرت بأن الناس تقول: نحن مستمرون، إنا على العهد يا نصر الله. الناس تقول المقاومة ليست فكرة، المقاومة ليست مرحلة، المقاومة طعام وشراب ودم يسري في العروق. المقاومة الطفل والمرأة والرجل والكبير والصغير. وبالتالي، هذا التشييع هو بالحقيقة تشييع ليس لشخص رحل أو لشخصين رحلا، هذا التشييع للمستقبل. وهذه صلة بين الأمينين العامين قدس الله روحهما وبين المستقبل الذي سنتابع فيه معاً مع هؤلاء الناس. لست أنا من أقول إن هذا التشييع كان مهيبًا وعظيمًا، لوحدي، كل الناس تقول هكذا، كل الانطباعات، حتى الأعداء لم يستطيعوا أن يتجاوزوا الحشود، وهذا يدل على أن هذه المقاومة متجذّرة ومتأصلة. شعب المقاومة والجمهور المؤيد والمناصر، حتى ولو كان بعيدًا عن البيئة المباشرة. أنا دائمًا أحب أن أستعمل كلمة "جمهور المقاومة"، الجمهور أقصد به البيئة والمناصرين والمؤيدين في مختلف أنحاء العالم، ليس ضروريًا أن يكونوا محازبين أو قريبين أو من نفس العائلات.

جمهور المقاومة بالحقيقة جمهور صلب، صادق، مستعد لأن يقف في الملمّات. انظري إلى العالم أين يذهب، الأمريكي ما الذي يفعله، والإسرائيلي ماذا يفعل، التحديات التي تحدث، وهذا الجمهور يقول: نحن هنا. هذا التشييع يعني "نحن هنا".

أنا أقول لكل هؤلاء الناس: مثلما رفعتم رؤوسكم أثناء التشييع لتقولوا "نحن هنا"، دائمًا أبقوا رؤوسكم مرفوعة. أنتم أبناء السيد حسن، أنتم أبناء هذا الخط، أنتم أبناء المقاومة، أبناء الشهداء، أنتم أبناء هذه المسيرة. ولذلك مع هؤلاء الناس، الانتصار موجود دائمًا، سواء أعجب البعض أو لم يعجبهم. هذا التشييع إعلان للانتصار على شاكلة ما نؤمن به، بأننا استمررنا وثبتنا إلى آخر لحظة حتى جرى الاتفاق.

 

منار صباغ: سنتحدث طبعًا، كان لديك كلام دقيق بما يتعلق بمفهوم النصر والبروباغندا الكبيرة والحرب الكبيرة، ولكن نبقى مع هذه الصورة، مع الناس. واسمح لي، ولو بمحاولة الاقتراب أكثر من مشاعرك الشخصية، سماحة الشيخ؟

 

الشيخ نعيم قاسم: سأسرّ لك، كنت مترددًا إن كنت سأقولها أم لا. كلما أنظر للتلفزيون وأرى مشهدًا أو كلمة أو حركة، بشكل لا شعوري تنزل دمعتي. أنا لم أكن هكذا، لم أكن أعيش هذا الجو، لكن المناخات التي نحن فيها تشعرني بالعزة. كلما تخرج طفلة وتتحدث بكلمتين، أو امرأة تعبر بتعبير، شاب أو رجل... شعرت في هذه الفترة حقيقةً أن هؤلاء الناس يعشقهم الواحد. أنا الآن فهمت أكثر لماذا كان سماحة السيد على علاقة معهم وهم على علاقة معه. الناس تبادل، وهو يشعر بهذا التبادل الموجود. أنا أقول لك: هؤلاء الناس حقيقةً أشرف الناس، أنبل الناس، أعظم الناس، والله لا يقدروا.

 

منار صباغ: وأنت تنتظر كلمتك المباشرة يوم التشييع... بكيت؟

 

الشيخ نعيم قاسم: ماذا أقول عنهم؟ ما يقومون به لا يُصدَّق. معقول امرأة عمرها 60 أو 65 سنة تقول: "أنا قدمت ثلاث شهداء، ولديّ اثنان من أصهرتي، واثنان من الأحفاد، هؤلاء جميعهم استشهدوا، والباقي أنا حاضرة، وإن كان مطلوب مني شيء أنا أنزل إلى الميدان". ماذا نقول؟ من لديها ثلاث شهداء وتقول: "ما زال لديّ ولدين أو ثلاثة أيضًا، نحن حاضرون". من تقول: "ابني وحيد وأنا أفتخر به، أقول لكم لست حزينة، نعم حزينة، لكن لا تتصوروا كم لدي استعداد أن أقدّم بعد، لديّ بنت وأنا وزوجي، نحن حاضرون." هذا نموذج كبير جدًا وعظيم جدًا. هم يظنون أنه يمكنهم هزيمة هذا الشعب! أعوذ بالله، يحلموا، لا يستطيعوا، لن يستطيعوا تخطيه، ولا يستطيعوا تنفيذ مؤامراتهم، لأن هذا الشعب موجود بالميدان وسابق الجميع.

أنا أقول: أنتم يا أشرف الناس، أنا أتوقع أن تبقوا كذلك، وستكونون شوكة في عيون العدو.

 

منار صباغ: رغم الضغوط؟

 

الشيخ نعيم قاسم: الضغوط تزيدهم قوة، تزيدهم معنويات، أتعتقدين أن هؤلاء الناس الضغوطات تخيفهم؟ هم جماعة استشهاديين. أنا شرحت مرة: الاستشهادي هو الذي يقتحم ولا يهاب الموت. هؤلاء الناس جميعهم استشهاديون.

أذكر في بعض المحاضرات مع بعض الأخوات، يرسلون لي سؤالًا يقولون: "هل يُسمح للمرأة بالذهاب إلى الجبهة كي تقاتل وحتى تستشهد؟". الآن، خلاص، يمكنكم أن تفرحوا، أينما كنتم كل الساحة شهادة.

اليوم، في معركة أولي البأس، الطفل استُشهد، والمرأة استُشهدت، والعجوز استُشهد، والمجاهد على الجبهة استُشهد. بالعكس، كل المنطقة كانت جبهة. أنا أعتقد أنه كلما تصاعدت الضغوطات أكثر، كلما ازداد الشعور بالخوف على الوجود، وهذا الخوف على الوجود يولد حافزية أكبر.

 

منار صباغ: ألا يفهم الخصم؟ نحن سنأتي إلى هذه النقاط، ولكنني أحببت أن أبدأ مع الناس، بهذا التشييع المقدس، وبهذه الدموع المقدسة، وبهذا الوفاء، بكل هذه العناوين. لأنه حتى التشييع تم التعامل معه على أنه محطة يجب أن تُحارَب، استُنفرت كل الطاقات للإفشال، للتهويل، للتخويف، وصولًا لمشهد الطائرات الحربية الصهيونية فوق الرؤوس بالشكل الذي حصل؟

 

الشيخ نعيم قاسم: التشييع في داخله 20,000 شخص للتنظيم، والتشييع ملأ الطرقات إلى درجة لم يعد أحد يستطيع أن يسير من المدينة الرياضية إلى المرقد. تشييع حضره أشخاص من مختلف أنحاء العالم. هنا أود أن أحيّي بشكل خاص الشعب العراقي، والمرجعية العراقية، والعلماء، والحشد، والناس، والعتبات المقدسة. غير معقول هذه العاطفة العظيمة! وهم على كل حال لم يقصّروا أبدًا أثناء النزوح، والإمكانات التي أرسلوها، وحتى الآن لديهم مضايف وأماكن معينة في شهر رمضان، مستمرين ويقدّمون مساعدات للفقراء. هذا الشعب العراقي، أنا شعرت أننا وإياهم واحد، ولديهم عاطفة صادقة واستعداد للتقديم.

أيضًا، أود أن أحيّي الشعب الإيراني، الشعب الإيراني، مسؤولين، حوزات، علماء، طائرات جاءت بطريقة غير مباشرة.

 

منار صباغ: سُدّت الطرق في وجههم؟

 

الشيخ نعيم قاسم: مع أنه سُدّت الطرق في وجههم، وكان بارزًا حضورهم، كلمة سماحة الإمام القائد الخامنئي دام ظله التي أرسلها إلى التشييع، ما هذه الحرارة الموجودة؟ لا يتعامل معنا في لبنان على أننا جماعة "مدري وين هي". لا، يتعامل معنا على أننا أبناء هذا الخط، الصادقين، الشرفاء، الذين يستطيعون تغيير المعادلة. شكر كبير طبعًا.

نشكر الفلسطينيين، واليمنيين، والتونسيين، وكل الأفرقاء، لا أستطيع ذكر الجميع، لكن أقول: شعبنا ليس سهلًا. تعرفين، بالبقاع يومها كانت الطرقات صعبة.

 

منار صباغ: صحيح، درجات حرارة منخفضة.

 

الشيخ نعيم قاسم: كل الطريق كانت ممتلئة. الإخوان قالوا لي إنهم قرروا الفتح عند السادسة صباحًا احتياطًا، ربما أحد يأتي باكرًا، عند الثالثة والنصف صباحًا الناس في الخارج تريد الدخول، لم يقبلوا، عند الثامنة صباحًا، المكان يتّسع لحوالي 80,000 تقريبًا، كان ممتلئًا، عند الثامنة صباحًا، الموعد كان بعد الظهر عند الواحدة والنصف. ما هذه الحماسة الاستثنائية؟! 

أنا أعتبر أن ما حصل فيه إعلان انتصار. الناس تقول هكذا، غير فارقة معي ما يقوله الآخرون، يقولون: لم تنتصروا! ستين سنة عليكم تقولون انتصرنا أو لم ننتصر؟! نحن لا ننتظر أن تقولوا لنا انتصرنا أو لم ننتصر، نحن المهم ما الذي نشعر به.

 

منار صباغ: متى قلتم خلاف ذلك؟

 

الشيخ نعيم قاسم: نحن ماذا نشعر، هم يعجبهم أو لا يعجبهم، شو بدي فيهم!

الأمر الثاني، هناك تجديد للبيعة والاستمرار على عهد سيد شهداء الأمة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه. هذه نقطة مهمة.

الأمر الثالث، الحضور، نحن حاضرين بالساحة، هذا ليس تعزية وذاهبين، لا، هذه تعزية وتبريك ونحن مكملين، هذا أمر كبير. 

برأيي، التشييع كان محطة ليستفيد منها الآخرون، ليعرفوا ما هي ساحتنا. وبالنسبة لنا، نحن نعرف هذا المعدن، معدن الناس، ونعرف معدن هذا الاتجاه الذي سنعمل عليه.

 

منار صباغ: هو كان رسالة، أردتم أيضًا، سماحة الشيخ، كمقاومة، كحزب الله، أن تكون من الرسائل، يُحكى عن بعد الستين يومًا، كانت الناس قامت بما يفوق التوقعات، وكانت رسالة أولى قوية شعبية. هذه الرسالة الثانية، كانت مقصودة بهذا الإطار. بالإضافة، نحن نتحدث عن عاطفة، عن تشييع، عن استحقاق كان الجميع ينتظره، لكن كيف تنظرون إلى هذا الموضوع؟

 

الشيخ نعيم قاسم: الآن هم يحسبون التشييع رسالة، فليحسبوه، سيحسبون الكثير من الرسائل، لأنّ كل موقف لدينا رسالة. أثناء معركة "أولي البأس"، كل محطة كانت رسالة: الصمود الأسطوري، التضحيات، النزوح وكيفية التعامل معه من قبل ناسنا، استمرار القتال بوتيرة مرتفعة، هذا كله رسائل. وبعدها الصبر الاستراتيجي الذي تصرّفنا على أساسه عندما تحملت الدولة مسؤولية الاتفاق، حتى نفضح هذا الاتجاه الإسرائيلي والأمريكي، وحتى نقول للناس إن هناك أبعادًا أخرى، أيضًا هذه رسالة. التشييع رسالة، والآن كل ما سيأتي بعد التشييع أيضًا رسائل. في النهاية، هذه الرسائل ولأكون واضحًا معك، نحن نتصرف بشكل طبيعي، سنفعل هذا سواء كان هناك أحد نرسل له رسالة أو لا يوجد. نحن هكذا. مرة أحدهم يقول تعبتم حتى تعملوا، نحن لا نعمل إلا هكذا. لذلك، أنا أعتبر أنهم سيجدون رسائل كثيرة من هذا الشعب المعطاء، ومن هذه المقاومة الأصيلة، ومن هذه الدماء التي زُرعت في الأرض.

 

منار صباغ: سماحة الشيخ، أشرت واستخدمت عبارة "كانوا استشهاديين"، وربما أسهبت في توصيف كل هذه البيئة. سأعود إليك، سماحة الشيخ، وأنت الاستشهادي في هذه المعركة، قبول المهمة في تلك المرحلة. سأحاول العودة إلى الوراء لأن هناك الكثير من الأحداث والظروف الصعبة جدًا. مرحلة تولي هذه المهمة، الإطلالة الأولى كأمين عام. سأعود معك إلى هذه المرحلة الحساسة، وطبعًا حضرتك خصصت بإحدى الخُطب للحديث عن السردية أيضًا. نود أن نستمع أكثر لتفصيل السردية التي شرحت فيها عدة نقاط، والعشرة أيام التي تحدثت عنها أكثر من مرة في خطاباتك الماضية. سأعود لتوليكم لهذه المهمة. حصل 27 أيلول، هذا التاريخ الذي لا يُنسى، دعني أبدأ معك من هنا، سماحة الشيخ، ماذا تذكر عن هذا النهار؟ كيف كان وقعه عليكم؟ كانت الخطوات متسارعة وصولًا إلى تولي سماحة السيد هاشم هذه المسؤولية، لو سمحت أن تشارك قليلاً الناس؟

 

الشيخ نعيم قاسم: في 27 أيلول، حصل هذا الاعتداء الضخم من قبل العدو الإسرائيلي، واستُشهد فيه سيد شهداء الأمة وثُلّة من أصحاب العمل والجهاد والشهادة. أنا مثلي مثل الناس، تفاجأت، لم أكن أتوقع أن يحصل هذا. لكن سرنا أمام واقع، ماذا نفعل؟

 

منار صباغ: كان هناك تواصل بفترة قريبة مع سماحة السيد نتيجة الظروف؟ لأنه قيل إن حتى التواصل الهاتفي لم يكن متاحًا؟

 

الشيخ نعيم قاسم: أنا آخر مرة كنت في لقاء مباشر، وكانت لدينا جلسة كان فيها عدد من أعضاء الشورى، وكان السيد هاشم موجودًا وآخرين. كانت في 18/9. آخر اتصال هاتفي حصل بيني وبين سماحة السيد كان في 21/9، حيث اتصل بي وقال لي: "الحاج إبراهيم عقيل، الشهيد القائد قدس الله روحه، قد استُشهد هو والمجموعة"، طبعًا أنا كنت قد عرفت قبل يوم، فقال لي: "ربما تنزل لتصلي وتُلقي الكلمة". عادةً عندما يكون هناك قيادات تستشهد، الأمين العام يُكلّف بإلقاء الكلمة، فقلت له: حاضر.

وفي اليوم التالي، شيعنا الحاج إبراهيم الله قدس الله روحه، ومجموعة من الإخوان، وبعدها لم يحصل أي حديث بيني وبينه، يعني من 21 حتى 27 أيلول.

في 27 عندما حصلت الشهادة، أول ما تبادر إلى ذهني، أنّ نائب الأمين العام يحلّ مكان الأمين العام بغيابه، ويجب أن نقوم بإجراء. اتصلت بسماحة السيد هاشم قدس الله روحه، وقلت له: ماذا يجب أن نفعل؟ تحدثنا عن موضوع الدفن، لأنّ الشهادة حصلت وصار هناك إجراءات يجب أن نقوم بها، قلت له: "ماذا عن الأمانة العامة؟ قال لي: "ما بها الأمانة العامة"، قلت له: "يجب أن نختار أمينًا عامًا قبل الدفن، إذا استطعنا، فهذا عنصر قوة للحزب"، قال لي: "لا مانع، ماذا لديك؟"، قلت له: "لديّ أن تكون أنت الأمين العام"، قال لي: "لماذا أنا؟" قلت له: "يا سيد، لأكون صريحًا معك، بناءً على تركيبتنا الداخلية وظروفنا الداخلية، هناك اثنان يمكن أن يكونا أمينًا عامًا: أنت وأنا. أنا أرى أنك أنت الأنسب لعدة عوامل وظروف، فضلًا عن الكفاءة التي هي قبل كل شيء، أنت يجب أن تكون الأمين العام، وأنا سأتكفل بالحديث مع الإخوان أعضاء الشورى لنرى ما الذي يمكننا فعله".

 

منار صباغ: خطوة قوة وقدرة للصهيوني أنكم مستمرون؟

 

الشيخ نعيم قاسم: طبعًا، نحن مستمرون، أننا اخترنا أمينًا عامًا، وهذه نعتبرها عنصر قوة. عندما استشهد سماحة السيد عباس، رضوان الله عليه، تم انتخاب سماحة السيد حسن كأمين عام قبل دفن السيد عباس، وهذا عنصر قوة تكون عادة.

الذي حصل، قبل أن يتم الإعلان، كان يمكن أن يحصل الإعلان يوم الجمعة أو السبت، استشهد الخميس في آخر الليل أو وجه الصبح يوم الجمعة.

 

منار صباغ: أنتم وزّعتم المهام؟ قيل إن سماحة السيد هاشم انخرط وانغمس في المعركة وتفاصيلها؟

 

الشيخ نعيم قاسم: عندما تصدّيت كنائب أمين عام بشكل طبيعي لأرى ماذا أفعل، بما أن السيد كان يحضر بالمجلس الجهادي وعنده تواصل مباشر مع الإخوان، اتفقنا أن يتابع هو الموضوع العسكري، وأنا أتابع الموضوع السياسي. لذلك، تحدثت في 30/9 بأول كلمة متلفزة بصفتي نائب أمين عام، وكان هو يتابع المهمة العسكرية.

لكن قبل أن نلحق، وبعد يومين أو ثلاثة بهذه المتابعة، أو أن يحصل إعلان عن الأمين العام حتى يستطيع التصدي بشكل مباشر، استُشهد. لذلك، عندما تحدثت كلمة "طوفان الأقصى" في 8/10، يعني بعد أربعة أيام من استهداف السيد هاشم.

 

منار صباغ: الاستهداف لأنه لم يكن معروفًا؟

 

الشيخ نعيم قاسم: لا، لم يكن معروفًا. كنت أتصرف كنائب أمين عام، وكان يجب التصدي للأمور. فعندما استشهد، بدأت الاتصال بالأخوة في القيادة العسكرية للمقاومة، وتابعنا التنسيق اللازم ونسد الفراغات التي ممكن ما زالت موجودة.

 

منار صباغ: اسمح لي سأعيدك قليلاً للأحداث، أعرف أن هناك صعوبة في الوصول للمعلومات، ولكن حاولت. كان وقع شهادة السيد هاشم له أثر قاسٍ عليك، لماذا؟ ما الذي جعلك مع الإصرار على الاستمرار والقوة والقيام بالعمل والتكليف، لكن كان هناك وقع لهذا الخبر؟

 

الشيخ نعيم قاسم: هناك حادثتان كان لهما وقع استثنائي لديّ، شهادة سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، لأنني أنا واحد من الناس كنت أنتظر كلمات السيد حسن حتى أرتاح، أعتبر أنه هو الرمز وهو الأساس، وأكيد ما لديه يعطينا كما يعطي الناس حالة الطمأنينة. مع شهادته فكرت أنا طالما اخترنا سماحة السيد هاشم قدّس الله روحه، سنكون قد فقدنا سنداً، لكن هناك سند آخر، لن يتغير شيء عليّ سوى الرفيق الحبيب الذي كنا نلتقي بشكل دائم، 37 سنة، ليست قليلة، والتفاعل اليومي والاتصالات اليومية، التكاليف، كنت قربه بشكل أساسي، مثلما كان سماحة السيد هاشم قربه، لكن السيد هاشم باختصاصات وأنا باختصاصات أخرى لها علاقة بالنواب والوزراء والوضع السياسي. عندما استشهد سماحة السيد هاشم، أنا الحقيقة شعرت أن هناك زلزالاً حصل، لماذا؟ لأنه سريعاً فكرت ما الذي سنقوم به الآن. أول فكرة جاءت برأسي قلت: أنا قلبت حياتي فوقاني تحتاني. كان لديّ نمط بحياتي، متابعة الخ... قلت قلبت حياتي فوقاني تحتاني. لكن هناك شيء حصل معي سأقوله لأنه له تأثير، لم أشعر لا بقلق ولا بتوتر، كأن الله عز وجل صبّ على قلبي حالة من السكينة، مرت عندي، أن حياتي قلبت رأساً على عقب. تحدثت مع حالي، نحن اخترنا هذا الطريق، ماذا نفعل؟ سنسير، سنكمل. والحمد لله كنت أشعر بالتسديد الإلهي بكل الخطوات التي كانت. حتى إن بعض المرافقين الذين كانوا معي بالغرفة، قالوا لي: رحنا! قلت لهم: لا، لماذا رحنا؟ قيل: ماذا ينقذنا بعد؟ قلت لهم: نحن موعودين من الله عز وجل بالنصر، "وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين". قال لي: أين نصر المؤمنين؟ ضربة وراء ضربة؟ قلت له: عليك أن تطوّل بالك.

 

منار صباغ: بهذه مرحلة وبهذا الثبات؟

 

الشيخ نعيم قاسم: أنا أقول هكذا، عليك أن تطوّل بالك، عادة عندما تكون الأزمة موجودة لا يعود الشخص يرى أمامه، عليه أن ينتظر قليلاً حتى تنقشع ويزال الغبار. وذكرت له يومها الآية الكريمة: "حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب"، "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا"، كلمة الزلزال استخدمتها من هنا، "مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب"، هذه نزلت بغزوة أحد. إذا أنا كنت أعيش هذه الفكرة. أعرف أنني مررت بحالة زلزلة والقصة صعبة جداً جداً، لكن لدينا ثقة بالله عز وجل، كيف يأتي الفرج وكيف تُفتح، لا نعرف. لكن لا يجوز أن نخوض معركة ونحن نشعر بتوتر أو نعيش أجواء. لكن أنا أقول، إضافة لذلك، على المستوى الشخصي كنت أشعر بالطمأنينة.

 

منار صباغ: وصفوك بأنك كنت شجاعاً بطريقة غير عادية، من كانوا معك، الحرب القاسية، شجاعة غير عادية، سكينة، حتى أنك طلبت كتب، لا يتخيل العقل، يعني طلبت كتب؟

 

الشيخ نعيم قاسم: الحق على من سرّب لك، هو كنا بسبب...

 

منار صباغ: معروف بتنظيمك الشديد سماحة الشيخ؟

 

الشيخ نعيم قاسم: بسبب وجودنا بمكان، أخبار تتكرر، الأوامر أعطيناها، النتائج سنراها، ما في اتصالات مباشرة. أنا معتاد أنني لا يمكن أن أجلس دون أن أقرأ. اتصلت بأحد الإخوان، قلت له: أرسل لي كتابين أريد أن أقرأ. قال لي: شو بدك تقرأ؟ قلت له: هل الواحد يعطل تفكيره؟ هذا له علاقة بأنني كنت أشعر أنه لديّ استراحة معينة، بالاستراحة أفضل أن أقرأ، ليس لديّ أمور ثانية أقوم بها. هكذا كنت معتاد وما زلت على نفس العادة. هذه لها علاقة بنمط الإنسان، نمط حياته. أما موضوع الشجاعة، أريد أن أقول لك شيء، أنا لست أشجع من هؤلاء المجاهدين الذين يقفون ويصمدون على الخطوط الأمامية، ويعلمون أنه في كل لحظة يمكن أن ينزل عليهم ما لا يُحتمل، وعلى قلوبهم أحلى من العسل. من يرى هذه الشجاعة يدرك أن هذه المسيرة كلها إما على هذا النمط، ومن لم يكن كذلك يصبح خارجاً، لا يستطيع أن يبقى.

 

منار صباغ: سماحة الشيخ، أحياناً تُكتب أمور على مواقع التواصل الاجتماعي، الناس تعبّر، وأنت تتحدث لفتني صبية كتبت قصيدة وأرسلتها، وتتمنى أن تصلك. تقول: "حملت على كفيك جمر القضايا، وصنت العهود بعزم الوصايا، وقفت كطود تحاكي السماء، تعانق بالنور درب المنايا." طويلة هي لكنها تلخص الواقع. إحدى الأخوات كتبت هذا الكلام.

نأتي إلى مسار المعركة، سماحة الشيخ. جرى ما جرى، لكن كنت حريصاً، بالرغم من أنه تم اختيارك أميناً عاماً لحزب الله، لم تعلنوا حتى تتثبتوا من شهادة السيد هاشم، مع أنه نتيجة الصهاينة وحصار المكان أو منع أي أحد من الاقتراب إلى المكان؟

 

الشيخ نعيم قاسم: نحن قمنا بإجراء احتياطي. قلنا بما أنه حدثت الضربة كما الضربة التي أصابت سماحة السيد رضوان الله تعالى عليه، يجب أن نعجّل باختيار أمين عام. في 9 تشرين الأول تم الاختيار، أي بعد مرور خمسة أيام على شهادة سماحة السيد الهاشمي، لكن بوقتها لم يكن ببالنا أنه يمكن أن يكون على قيد الحياة، وقت الاختيار، وتبقى الحفريات أنّه ربما كان يمكن أن نفعل شيئاً، لكن الإسرائيلي منع الحفريات. عندما منع الحفريات، لم يعد مناسباً أن نعلن، لأن هناك أحد احتمالين:

الاحتمال الأول، أن يكون قد استشهد. هل من اللياقة بعد عدم انتشال جثمان الشهيد ولم يُدفن، ونحن نقوم ونعلن عن أمين عام آخر؟ ما بصير.

الاحتمال الثاني، ما الذي يعرفنا، ربما بقي على قيد الحياة، لأنه كان يقول بعض الإخوان أن هناك غرفة محصنة وفيها أوكسجين، ويمكن الاستمرار لفترة من الزمن. هذه خبرية كانت موجودة.

 

منار صباغ: حتى الصهاينة وضعوا هذا الاحتمال؟ بمعنى منعوكم من الوصول، بمعنى لم يتثبتوا؟

 

الشيخ نعيم قاسم: هو أحد أسباب المنع عند الصهاينة، توقعوا أنه ربما بقي على قيد الحياة. إذاً، ليس صحيحاً أن نعلن نحن قبل التثبت. ومع ذلك، ورغم أن الاختيار كان في التاسع من تشرين الأول، الشهيد السيد الهاشمي رضوان الله عليه نعيناه في 23، وأجلنا حوالي أسبوع تقريباً حتى تمر فترة، لذلك كان الإعلان في 30. هذا له علاقة بأخلاقية التعاطي وله علاقة بالمتابعة.

ولأنني كنت نائب أمين عام وكنت أتابع منذ البداية، استمريت بالمتابعة. لكن اختلف الوضع بعد شهادة السيد الهاشمي رضوان الله تعالى 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة