في قلب معركة الوجود والمصير، تتجلى الحقيقة واضحة: النصر لا يُقاس بعدد الأبنية المهدمة ولا بحجم الدمار، بل يُقاس بالقدرة على إفشال مخططات العدو وكسر إرادته. في هذا السياق، يعلن النصر من قبل المقاومة المقدسة لا من باب الشعارات، بل من بوابة الإنجاز العسكري والاستراتيجي الحقيقي. لقد كان أحد الأهداف الكبرى للعدو في حربه الأخيرة على لبنان، هو تنفيذ زحف بري واسع النطاق في جنوب البلاد، يشكل مقدمة لمشروع تهويدي استيطاني يرمي إلى تغيير جغرافيا الأرض والديموغرافيا وفرض واقع جديد بالقوة، تماماً كما فعل في أراضٍ أخرى.
لكن ما لم يحسب له العدو حساباً، هو أن جنوب لبنان لم يكن خالياً من الإرادة والرجال. فقوات الرضوان، النخبة التي باتت تمثل كابوساً دائماً للمؤسسة العسكرية الصهيونية، كانت بالمرصاد. فمنذ الساعات الأولى لأي محاولة تقدم بري، تلقت هذه القوات ضربات نوعية أربكت مخططاته وأسقطت عناصر التسلل، وكشفت هشاشة منظومته البرية التي لطالما تغنّى بها. فشلت قوات الاحتلال في تحقيق أي اختراق فعلي، وبدلاً من التقدم، غرقت في مستنقع من الكمائن والضربات المحكمة.
لقد أفشلت المقاومة المشروع قبل أن يولد، وأسقطت فكرة الزحف البري الهادف إلى فرض المستوطنات على أرض الجنوب الطاهر، كما تسقط الأسطورة حين تصطدم بالواقع الصلب. هذا الإخفاق العسكري للعدو لم يكن مجرد تعثر ميداني، بل هزيمة استراتيجية تعني أن مشاريع التوسع التي كانت تُرسم في الغرف المغلقة، سقطت عند أقدام المقاتلين المؤمنين.
وأما الدمار الذي أصاب بعض القرى، والخسائر التي قدمها الشعب والمقاومة، فهي محصلة حتمية في أي مواجهة مع عدو لا يعرف إلا منطق القوة والخراب. لكنها لم تكن عبثاً، بل كانت ثمناً للكرامة، وجسراً لعبور النصر، ودليلاً على أن الأمة ما زالت تنجب من يقول لا في زمن الخضوع.
اليوم، يمكن القول بثقة: إن قوات الرضوان لم تُفشل الزحف فقط، بل دمرت حلم العدو في بناء واقع استيطاني جديد على أرض لبنان، وحطمت غطرسة قادة الاحتلال الذين باتوا يدركون أن جنوب لبنان هو مقبرة المشاريع الصهيونية. فكما أفشلته من قبل، ستبقى المقاومة، برجالها وسواعدها، الحصن الحصين الذي يحطم كل أحلام الشيطان.
جليل هاشم البكاء