كتب رياض الفرطوسي
في المشهد السياسي العراقي، تبرز أصوات عراقية في المهجر تتفاخر بانتمائها إلى لوبيات سياسية غربية، خاصة تلك المرتبطة بمراكز النفوذ في واشنطن، مثل البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية. تدّعي هذه الشخصيات امتلاكها القدرة على التأثير في القرار الأمريكي تجاه العراق، لكن ما يُثير التساؤل هو: هل يعمل هؤلاء لمصلحة العراق، أم أنهم أدوات تُحركها أجندات أجنبية لا علاقة لها بالسيادة العراقية؟
لقد أصبح الارتباط باللوبيات الأمريكية وساماً يتفاخر به البعض، وكأن النفوذ الأمريكي في العراق كان نعمة يجب ترسيخها لا لعنة يجب التخلص منها. يتحدث هؤلاء عن دورهم في "تقوية العراق" من خلال التأثير على صناع القرار الأمريكي، لكن الواقع يكشف أن دورهم لم يكن إلا تعزيزاً للهيمنة الأمريكية وليس تعزيزاً لمصالح العراق. إنهم يسوّقون لتدخلات واشنطن على أنها ضرورة استراتيجية، متناسين أن سيادة العراق واستقلال قراره الوطني لا يمكن أن يكونا رهينة أجندات خارجية، حتى لو كانت مغلّفة بشعارات براقة.
التباهي بالعلاقة مع الآخر: استقواءٌ أم خضوع؟
إحدى الظواهر الغريبة التي بدأت تتجذر في الساحة السياسية العراقية مؤخراً، هي التفاخر بالعلاقة مع الأطراف الأجنبية، وإعطاؤها تسميات متعددة تحمل إيحاءات بالقوة والتأثير. الهدف من هذا السلوك هو إرسال رسائل استقواء على الخصوم، والترويج لأنفسهم باعتبارهم القناة التي يمكن من خلالها تحقيق مكاسب سياسية. بل وصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار نقل المعلومات والتخابر مع الأطراف الأجنبية ميزة وليس خيانة، بل ويتفاخرون بذلك علناً دون أي تحفظ.
على النخب السياسية والمثقفين أن يعوا خطورة هذه الظاهرة، وأن يتناولوا هذا الموضوع بالنقد والتحليل، لتوضيح الفرق بين العلاقات الدولية المبنية على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، وبين التباهي بالعلاقة مع الأجنبي الذي يصل إلى حد التخابر والعمل لتحقيق مصالح شخصية ضيقة على حساب الوطن ومصالحه الكبرى.
تحليل الدور السياسي: ولاءٌ مشكوك به
إن منطق التفاخر بالانتماء إلى اللوبيات الأمريكية يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن بناء لوبي عراقي مستقل في واشنطن يكون معبّراً عن المصالح الوطنية الحقيقية؟ الواقع أن الكثير من هؤلاء الذين يدّعون التأثير في واشنطن يعملون لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، أو يخدمون مشاريع غربية لا تتقاطع بالضرورة مع احتياجات العراق. بدلاً من تشكيل قوة ضغط وطنية، تحولوا إلى وكلاء لمشاريع لا تعترف بالعراق إلا كأداة لتحقيق أهدافها.
الاستقلال السياسي لأي بلد لا يتحقق بالارتماء في أحضان قوى أجنبية، بل عبر بناء إرادة سياسية وطنية تستطيع التفاوض مع الجميع من موقع الندّية، لا من موقع التبعية. العراق بحاجة إلى لوبي عراقي حقيقي في واشنطن، لا يعمل لصالح هذه الجهة أو تلك، بل يكون صوته امتداداً لمطالب العراقيين بالسيادة والتنمية والاستقرار.
تفكيك الخطاب: هل اللوبيات الأجنبية تعزّز دور العراق أم تضعفه؟
إن الخطاب الذي يروّجه هؤلاء يقوم على فرضية خاطئة مفادها أن التواجد ضمن لوبيات أمريكية يمنح العراق "وزناً سياسياً" في واشنطن. لكن الحقيقة أن هذا التواجد غالبًا ما يأتي على حساب المصالح الوطنية، إذ يتم تحويل العراق إلى مجرد ساحة نفوذ وليس لاعباً مستقلاً في المعادلة الدولية. هؤلاء لا يقوّون دور العراق، بل يُضعفونه، عبر تقديم صورة مشوّهة مفادها أن العراق لا يستطيع إدارة نفسه إلا بوصاية خارجية.
نحو لوبي عراقي مستقل: استعادة السيادة بجهود وطنية
إذا كان للعراق أن يكون له تأثير في واشنطن، فلابد أن يكون عبر لوبي وطني حقيقي لا يتغذى من مصالح شخصية ولا يعمل وفق إملاءات خارجية. يجب أن يتأسس هذا اللوبي على قواعد من الشفافية والاستقلالية، وأن يمثّل مصالح العراق الحقيقية لا مشاريع الآخرين.
إن السيادة ليست مجرد شعار، بل ممارسة فعلية تتطلب بناء قوى ضغط وطنية قادرة على الدفاع عن المصالح العراقية، وليس تقديم العراق كسلعة في سوق المصالح الدولية. العراق بحاجة إلى من يدافع عنه بكرامة، لا من يساوم عليه في دهاليز السياسة الخارجية.
إن الانتماء إلى اللوبيات الأجنبية ليس مدعاة للفخر، بل ناقوس خطر يدق في صميم السيادة الوطنية. فالتباهي بالارتهان للأجنبي يكشف عن أزمة هوية سياسية، حيث يصبح بعض السياسيين أدوات لتنفيذ مشاريع خارجية بدلًا من أن يكونوا ممثلين حقيقيين لمصالح بلادهم. إن العراق لن يستعيد قراره المستقل إلا عبر بناء قوى وطنية تمتلك رؤية واضحة وقدرة على حماية مصالحه في الداخل والخارج.
لقد آن الأوان لأن يدرك الجميع أن قوة العراق لا تُبنى في دهاليز اللوبيات الأجنبية، بل عبر عمل وطني مشترك يضع سيادة العراق فوق كل اعتبار. وحده العراق المستقل بسياساته وخياراته قادر على استعادة مكانته، وأما أولئك الذين يراهنون على الدعم الخارجي، فلن يكونوا سوى بيادق تحركها أجندات لا ترى في العراق إلا ساحة لتنفيذ مخططاتها.