ممر داوود: السر الذي يهدد بتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة حرب عالمية ثالثة!”
يتناول الإعلام الحديث عن ممر داوود وهو حلم نتنياهو بإنشاء هذا الممر.. افتراضياً يُشير إلى ممر بري أو منطقة نفوذ استراتيجية تربط بين سوريا والعراق، ويرتكز على مخططات إسرائيلية وغربية تهدف إلى تحقيق أهداف جيوسياسية في الشرق الأوسط.
هذه الفكرة مشروعاً يستخدمه نتنياهو في التحليلات الإستراتيجية أو الخطابات السياسية لوصف سيناريوهات محتملة لتغيير خريطة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة ولإشباع نهمه في السيطرة، وخاصة بعد سقوط نظام الأسد .
فكرة ممر داوود ليست مجرد مشروع جغرافي بل قنبلة موقوتة جيوسياسية قد تعيد رسم تحالفات المنطقة وتشعل صراعات لاتحمد عقباها، لتتجاوز الحدود الإقليمية وتمس الأمن العالمي خاصة في ظل تداخل مصاعب القوى وتنافسها على النفوذ.
ينجم عن هذا المشروع مجموعة من المخاطر الإقليمية والدولية بناءً على طبيعة هذا المشروع وأهدافه المزعومة والتحديات المحتملة ، أول المخاطر الإقليمية :
تصعيد صراع إيراني-إسرائيلي مفتوح فسوريا ما بعد الأسد قد تصبح ساحة لصراع مباشر بين إسرائيل وإيران، خاصة إذا استخدمت إسرائيل توظيف “الممر” لقطع خطوط إمداد حزب الله والفصائل العراقية، حيث تسعى إسرائيل إلى تقويض نفوذ إيران في سوريا والعراق، خاصة عبر خطوط الإمداد التي تربط طهران بدمشق وبيروت (حزب الله)، كانتهاكاتها في سورياوفرضها السيطرة على جنوب سوريا، فلايستبعد أن ترد إيران بهجمات صاروخية أو عبر وكلائها، مما يُعمق الفوضى ويُهدد أمن دول الجوار مثل لبنان والأردن.
مشروع الممر سيسفر عن تدخل تركي مضاعف، فتركيا، التي تعتبر شمال سوريا منطقة نفوذ حيوية، ستزيد تدخلها العسكري لمنع أي كيان كردي أو إسرائيلي من السيطرة على الممر، خاصة إذا ارتبط بدعم للأكراد، وسيواجه رفضاً قوياً من أيران وتركيا وحتى العراق التي تعارض أساساً أي تدخل اسرائيلي في أراضيها .
هذا قديُشعل صراعاًثلاثياًبين(تركيا-إسرائيل-إيران) مع تداعيات على الناتو وحلفاء الولايات المتحدة،وتتعارض مع المصالح الأمريكية رغم دعمها لإسرائيل لكنها ليست مستعدة لمثل هذه المشاريع التوسعية التي تُعَقِّد تحالفاتها في المنطقة.
مانراه الآن بعد انهيار نظام الأسد، قد تنقسم سوريا إلى مناطق نفوذ (نظام جديد ضعيف، إمارات كردية، مناطق سيطرة ربما تركية) وربما يثير ردود فعل عنيفة من تركيا التي تحارب حزب العمال الكردستاني ، أو إيران التي تواجه معارضة كردية، و تقسم سوريا إلى كانتونات، فيصبح الممر جزءاً من هذه التقسيمات، مما يُعزز انهيار الدولة السورية الجديدة التي يرأسها الشرع حالياً ويُشعل حروباً أهلية جديدة، وتتحول إلى دولة فاشلة ويصبح الممر مصدر تمويل للجماعات المسلحة عبر تهريب النفط والأسلحة.
أي تحالف بين القيادة السورية الجديدة (حكومة أحمد الشرع) وإسرائيل يُنظر إليه على أنه “خيانة” من قبل فصائل عربيةوأقليات سورية مما يُغذي العنف الطائفي في سوريا والعراق ويذهب باتجاه تأجيج التوترات الطائفية وإقامة الممر دون موافقة حكومة سورية الجديدة قد يعتبر انتهاكاً لسيادة الدولة ويفضي لفرض عقوبات أممية ومقاطعة دولية، وربط المشروع بالتوسع الإسرائيلي يزيد التوتر مع الحلفاء الأوروبيين والصين ويضعف شرعية الولايات المتحدة الدولية ويخلق تصادم القوى العظمى.
وهذا يؤكد على تفكك سيادة الدول فسوريا والعراق تعانيان أصلاً من ضعف السلطة المركزية خاصة إذا تحكمت قوى خارجية في هذا الممر فسيزيد من انهيار الدولة وترسيخ التقسيمات الداخلية مثل إقليم كردي منفصل أو مناطق نفوذ طائفية فتصبح المنطقة دائرة للحروب الهجينة ومختبراً لأسلحة متطوة وحروب إلكترونية .
بالمقابل نرى توتر العلاقات العربية-الإسرائيلية فالدول التي سعت للتطبيع مع إسرائيل مثل (الإمارات والسعودية)قد تواجه ضغوطاً شعبية وسياسية إذا ارتبط المشروع بتوسع اسرائيلي استعماري مما يعرض اتفاقية التطبيع للخطر،ويخلق فوضى قد تعيد إحياء جماعات كتنظيم (داعش) أو فصائل جهادية أخرى التي تزدهر في المناطق غير المستقرة .
في سيناريوهات أخرى، قد يُستخدم الممر لربط إسرائيل بدول الخليج (مثل الإمارات) عبر شبكة طرق أو أنابيب نفط، مما يساهم في تسهيل التبادل التجاري والاستخباراتي فيحتمل مخاطر دولية وتصادم القوى العظمى،والصين التي لها مصالح اقتصادية في العراق وسوريا مثل( مشروع الحزام والطريق) قد تعارض أي تغيير جيوسياسية يهدد استثماراتها.
وبحكم قرب الممر من حقول النفط في شرق سورياوغرب العراق فأي اضطراب فيها يعطل إمدادات النفط إلى أوروبا وآسيا ويرفع الأسعار العالمية فيهدد أمن الطاقة العالمي ويُصعّب الأزمات الاقتصادية .
من مخاطر الممر الأمنية تصاعد العنف قد يجبر الملايين على النزوح مما يزيد الضغط على دول الجوار ( مثل لبنان والأردن ) وأوروبا، ويغذي موجات كراهية ضد إسرائيل أو الغرب، ويعمل على انهيار الجهود الدبلوماسية بإفشال محاولات التسوية السياسية في سوريا مثل ( أستانا )ويعيد المنطقة إلى مربع الصراع المفتوح .
ستواجه إسرائيل عزلة دولية وانتقام أقليمي واستنزاف اقتصادي وعسكري
فهذا المشروع ليس مجرد مشروع جغرافي بل قنبلة موقوتة جيوسياسية تعيد رسم تحالفات المنطقة وتشعل صراعات لاتحمد عقباها وحلم نتنياهو سيبقى فرضية مبالغ فيها من الناحية العملية في الواقع الجيوسياسي المعقد مما يجعله ضرباً من التكهنات غير القابلة للتحقيق في المدى المنظور وتكاليفه الباهظة على جميع الأطراف .
بقلم نداء حرب
كاتبة سورية