مقالات خاصة

عبادة البقر ... طقوس هندوسية ام سياسات عربية ! الكاتبة : الاعلامية رهف مصطفى

حديثي في هذا المقال سيكون مقتضبا نوعا ما , يعتمد على القارئ و فهمه لماا اردته لكني لن اقوله ! اتمنى ان يجد احدهم غايتي المخبأة في هذه السطور . اتمنى ان ينفع هذا المقال احدهم .. و لو كان رجلا تسعينيا على حافة الموت , سأكون شاكرة جدا لله .. اما لمن لن يجد الغاية , فلا بأس يا صديقي ! فلا انت تسكن عقلي و لا انا اسكن في وجدانك , يمكنك الاستفادة من هذا المقال كمعلومات ثقافية بحتة يمكنك ان تناقش فيها فتاة هندية اعجبتك خلال رحلة سياحية الى الهند ,  فتتودد اليها , و تجعل هذا الموضوع حجة للنظر في عينيها او يمكنك ان تتسلى بقراءة هذا المقال ريثما يجهز ابريق الشاي الخاص بك . بعيدا عن هاتين الفائدتين , ان لن تجد قطعا ما يلهمك او ينفعك ! كالعادة يمكنك تغيير الصفحة متى اردت ! 


ماذا تعرف عن الهندوسية ؟

تعد الديانة الهندوسية ثالث اكبر ديانة في العالم انتشارا بعد الديانتين الاسلامية و المسيحية . و هي ديانة لا كتابية , لا تعترف بالوحي ولا بالانبياء  او المعجزات انما قائمة على مجموعة من افكار الفلاسفة و المتنورين الذين تميزوا بزهدهم الكبير و تفكٌرهم الطويل و عقلهم النيٌر . 
اشتُقّت كلمة هندوسيّة من الاسم هِندُو الذي يعود لأصلٍ فارسيّ،  اعتمد عليه الفُرس في وصف القبائل التي تعيش خلف نهر السند،  ممّا أدّى إلى تسمية ديانة الهندوس باسم الهندوسيّة، ولكن اسمها الأصلي هو آريا دهرم أو ويدِك دهرم، كما أُطلِقَ عليها اسم الهندوكية .


تنتشر الهندوسية (الهندوكية) في الهند و النيبال بشكل كبير . يعتنق الهندوسية حوالي المليار شخص حول العالم كما شهدت انتشارا واسعا في القرنين الماضيين . 
واقع الحال ان الديانة الهندوسية ليست ديانة بالمعنى المشبع و الحقيقي لمصطلح "ديانة " فهي لا نظام فيها او اي فروض وواجبات ولم يكن هناك وحي ما او تنزيل من الرب او معجزة ما اتت على يد نبي مرسل . لا يمكن للهندوسية ان تحل محل الدولة في اي شكل من الاشكال و بالتالي لا يحلم او يطمح الهندوس الى بناء دولة بقوانين ذات مرجعية هندوسية على عكس الاسلام الذي يحتوي نظاما حياتيا و رؤى واضحة و محددة حول مواضيع معيشية اقتصادية اجتماعية تربوية
. يؤمن الهندوس ان "الهندوسية " تعتبر مذهبا فكريا و اقرب الى ذهنية مفكر او اسلوب حياة لمتنور او رياضة روحية لزاهد . 

للحق , ان الهندوسية ضمت عددا من المبادئ المهمة التي تحث المجتمع البشري على التعاضد و التكاتف و نشر القيم الصحيحة و السليمة في المجتمع . كذلك تعبر عن المذهب الفلسفي المؤمن بانفصال الروح عن المادة (الجسد ) فيرى الهندوس ان الارواح مستقلة تماما عن الاجساد لكنها مصبوبة فيها . 

ستسألني الان كيف لهندوسي يتبع مذهبا قائما على التفكر ان ينقلب على عقبيه فيعبد "البقر " !  غالبا ما يكون المتنورون رواد المجتمع و اعمدته و حبل خلاص لكل المآسي حيث يقدسون المعنى والانسان والفكر . في الحقيقة عبادة البقرة لم تتوقف على الطبقة العامة من الشعب , بل هناك المثقفون والرواد و المصلحون  الذين انتهجوا و تأثروا بهذا الطريق ايضا على سبيل النكتة او المضحك المبكي " غاندي " ! 
 

يتفق الجميع بأن عادة تقديس البقر هي عادة متأخرة عن المذهب الهندوسي , كذلك هي امر طارق عليها و غير مذكور في الكتب و في البدايات لم يكن مذكورا حتى  . فلماذا يقدس الهندوس البقر !؟ 

يؤمن الهندوس ان الانسان هو فرد من المجموعة الحيوانية , كذلك هم يؤمنون بحرمة ايذاء الحيوان و يجدون ان الروح بعد موت الجسد قد تعود الى الحياة فتتجسد على هيئة انسان ما او حتى حيوان . لم يكن الحيوان يوما بهذا العار للهندوس , فهو زميل الانسان في حياته على الارض و هذا ينطبق على كل الحيوانات , فلماذا البقرة تحديدا !؟

بعد التفكر في دورة الحياة , و كيف يتغذى كل حيوان على حيوان آخر . بعد التأمل في حياة النحل و الذئاب و المخلوقات الاخرى نجد انها حياة كاملة متكاملة تعين بعضها البعض للاستمرار . قائمة على الاخذ و العطاء فالنحل يتغذى من رحيق الزهر ليجني العسل و الزهر يتغذى من التراب ليؤمن الرحيق . الذئب يأكل الضباع و الضباع تأكل الارانب والارانب تأكل حشائش الارض . اذن الحيوان النباتي هو الافضل و الاقل خطرا لأنه لم يعتدي على غيره ليعيش . لكن الارنب , النعجة , الغزال ..الخ كل هذه الحيوانات النباتية لا تعطينا شيئا . هي فقط مسالمة . من بين عالم الحيوان الواسع كانت البقرة هي وحدها رمز العطاء الاكبر , فهي مسالمة لا تأكل الا الحشائش , رغم ذلك هي تدر الحليب الطازج كذلك يمكن الاستفادة من لحمها . البقرة الاشد عطاءا من غير منازع ! اذن قدست البقرة لأنها تعطي المأكل و المشرب معا في حين هي لا تتغذى على اكل احد . قدست البقرة للدلالة على اهمية العطاء و التضحية في المجتمع و للتذكير انه يمكننا ان نعيش معا بسلام و نحيا و نكبر دون الاعتداء على احد . اذن هم لا يقدسون البقرة تحديدا بل يقدسون المعنى المرتبط فيها تلقائيا . 


 

بعد عدة عقود متلاحقة من الزمن ... 


يرى الهندوسة انهم تشبعوا من المعرفة , التفكر , التأمل , و السؤال . اغلقوا منهج التفكر الى غير رجعة و اكتفوا بمن حوتهم الكتب . ساروا مسيرهم حتى اصبحت خطواتهم مدرسة مطلوبة و منطقا سائدا ستكون هجينا ان تخلفت عنه !   حتى قال "غاندي " «حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هدية الهند للعالم، فالبقرة أم الإنسان الحقيقية.. وأمي البقرة أفضل من أمي الحقيقية لأكثر من سبب، أولها إنها تمنحنا اللبن دائمًا وليس سنتين فقط قبل الفطام، وعندما تموت الأم الحقيقية تتكلَّف جنازتها مبالغ ضخمة.. بينما عندما تموت البقرة نستفيد من جلدها وقرونها وعظامها».  

بعد عدة سنوات خلت تناسى المجتمع اصل القداسة و سادت الضبابية على التاريخ و الجذور و اسباب التقديس . الابن يرى اباه يهتم بالبقرة , و الحفيد يرى مجسما لبقرة في غرفة جده , و الطفل الصغير يرى صورة البقرة ملازمة بجوار الالهة . اذن فالبقر مقدس جدا جدا . مما زاد الطين بلة , سياسة اقتصادية تنتفع بامتناع الناس عن اكل لحوم البقر بعدما تهافت المواطنون على شراء لحم الابقار بكثافة بحيث تخوف البعض بحسب الدراسات المستقبلية من نفاذ لحم البقر و بالتالي احتكاره و من ثم غلاؤه . لجأ البعض الى الترويج لفكرة تقديس البقرة لكي يعود المجتمع الى حياته الزراعية و الى اكل الخضار و الحشيش . 

و هكذا يا عزيزي , تحول الهندوس من امة منشؤها التفكر و التأمل و التحليل المعمق الى امة مقلدة وارثة لمعتقداتها على دين اباؤهم . وجدوا تشبعا في الروئ الفلسفية فأغلقوا باب التجديد و الاجتهاد و مسيرة التفكر في وجه كل مفكر ( كما فعل الكثير ) , ثبتوا مفكريهم كرؤساء دائمين لا بديل لهم , اراحوا البال , ناموا على الفراش الحرير , قوم لم يتعبوا فكرهم يوما ب "لماذا " و "كيف " و "من قال " و "ما الدليل " لابد ان يحصدوا نتاج فكرهم الصدأ  " تقديس روث الابقار " ! 


فيا عزيزي العربي , لابد انك تشاركني الهموم كلها فبلادي بلادك و مشاكلها منشؤها واحد ... منشوري لن يعيد لبلادك الاقتصاد و لن يحرر المجتمع من ظلم اجتماعي قيده زمنا طويلا ... لكنه لعله سيسلط الضوء على مركز السرطان و منشؤه ... واقع الحال اننا جميعا " هندوسيو التفكير " ... بالله عليك , عد ادراجك و راجع حساباتك و آمن ايمانا ابراهيميا حقيقيا ... السؤال لم يكن يوما محرما  تقديس الاشخاص لطالما كان محل اجرام ! 

ختاما عزيزي القارئ ,انا و لسبب ما لازلت اشعر بالامل رغم انني موقنة ان ما نعيشه اليوم نتيجة صارخة لسياسة اتبعناها تنص على اغلاق ابواب الفكر وتقديس الاسماء و الموروث , زعماء , ايديولوجيات وحتى عادات ما !

اتمنى ان يكون مقالي هذا شمعة في دربك ! 
كما اتمنى لك حياة جميلة لا تنتهي بتقديس " روث الابقار " ! 

 للقارئ النبيه فهم المعنى وما لم يكتب و السلام

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد