مقالات خاصة

 مقاربة شاملة لكيفية معالجةالأزمات الناجمة ، عن الحرب على سورية ومعها وفيها   بقلم : د . بهجت سليمان 

                           [  الحلقة الأولى " 1 من 3 "  ] 

                                                                             

                        عناصر البحث : 

     ١▪ الأزمات هي هدف الحرب ..
     ٢▪ وعلاجها هو مواجهة لنتائج الحرب !
     ٣▪ ما هي المعضلات التي تدخل في طبيعة " المسألة " ؟ 
     ٤▪ ما هو السبيل الأفضل لاختراق المواطن ، لصيغة المعضلات ؟ 

      ●  لا يحتاج العلاج الحيّ للمشاكل و الأزمات المهلكة ، أيّ ضرب من الألوهة و النّبوءات ، بقدر ما يحتاج إلى عمل جادّ ، يبدأ ب : 

       ○  اختيار رجال أهل لتحمل المسؤولية الوطنية والمهنية والأخلاقية ، في الميادين الحكومية والحزبية والإدارية ، وبما يقطع الطريق على المحاولات المسعورة لتحويل نتائج الحرب الكونية على سورية ، أمراً مشكوكاً بعدالته النّهائيّة الضّروريّة و الممكنة .

       ○  وتفعيل سيف المحاسبة ، بما يوقف مزاريب الهدر المجاني الذي يزيد الطين بلة .. وبما يمنع إمكانية وقوع بازارات هدر جديدة ، لم تعد الدولة ولا الشعب ، قادرين على تحملها .● 

• • • • • • • • • • • 

     الحرب في النّتائج الاجتماعيّة و السّياسيّة و الاقتصاديّة ، الدّاخليّة ، هي مصيرٌ تاريخيّ لأجيال يجتاحها الزّمن الذي هو الحرب ، و يخترق الإنسان و الدّولة و المجتمع ، لينتشر كَوَبَاءٍ أو جائحة مزمنة تؤثّر في الّلحظة لتمتدّ تأثيراتها إلى أجيال و أجيال ، لا يختصر منها سوى منظومة من الرّصد و الملاحظة و التّحليل و المواجهةالمصيريّة ، حيث يواجِهُ المصيرُ المصير ..

1▪ يعترف الجميع ، اليومَ ، طوعاً أو جبراً ، بقساوة و فجور ما كان مدبّراً لسورية من خلال هذه الحرب البذيئة التي اختارها "العالم" لنا ، لنكون حقلاً عالميّاً تجريبيّاً نموذجيّاً لتجربة الإمبرياليّة العالميّة ، المتقدّمة ، في خلق و صناعة أقدار الآخرين .
     ليست أزمة ما نعيشها في سورية ، و إنّما فوج هائل من الأزمات التي أنتجتها الحرب . و من الواجب ، أوّلاً ، أن نعمل على رصد شجاع و جريء لتلك النّتائج ، و ما أنجزته من أزمات متداخلة و متشابكة موعودة ، بالإمكان تأطيرها نظريّاً بهدف الدّراسة و التّحليل ، و تمنّي و رغبة المتضرّرين منها - و هم الغالبيّة المجتمعيّة - بعلاجها بشجاعة و شرف و إقدام ، من قبل هيئات و مؤسّسات فاعلة و بديلة عن هذا الرّهط المتهدّل المسترخي من المؤسّسات الحكوميّة والإدارية ، الذي أصبح بحكم الواقع و التّاريخ جزءاً من الأزمات ، لا يمكنه و لا يستطيع و لايُريد أن يكون جزءاً من الحلّ أو أداة للحلّ . 

2▪ واضحة و صارخة هي الأزمات التي تضجّ ، اليومَ ، بالمجتمع السّوريّ ، إذ تركّزت جملة من الأزمات الموصوفة ، المستقلّة و المتداخلة بتعقيد و تركيب كبيرين يوازيان المرارة التي تلقّاها و عاشها المجتمع ، بخاصّة ، فيما كانت تأثيراتها متفاوتة بحيث أنّ جزءا من المجتمع و الدّولة لم تمرَّ عليه هذه الحرب و لم يعش أيّاً من آثارها ، و هوبالطّبع جزء ضئيلٌ ، و لكنه ينفصلُ يوماً بعد يومٍ بوضوح علني و استفزاز شديد ، عن المجتمع ، ليهجع في قمراتها المعقّمة من أصوات و ضجيج آلام الآخرين .

3▪ لقد انجلى غبار الوطيس عن الأصوات التي تستغيث اليوم و التي تشكّل مجتمعاً كاملاً دخل في نفق العوز و المعاناة و القنوط بكلّ ثقل و أوجاع و آلام هذه الحرب العبثيّة التي باتت لا تُطاق .
     و لكي يكون ممكناً الإسهام الفكريّ في معالجة هذا الواقع المتردّي لأوضاع البلد ، بوصفات مباشرة و غير ذلك ، فإنّه لابدّ أوّلاً من رسم الخطوط العريضة للأزمات المختلفة التي خلقتها الحرب ، لنتمكّن من إدراك مواقعنا ، و كلّ بحسب مسؤوليّته التّاريخيّة التي ستكون ، يوماً ، محلّ تفنيد و تقويم ؛ و هذا في الرّؤية المتفائلة الصّادرة عند واقع العدالة . 

               ●  أوّلاً - مقاربة للأزمات بوصفها نتائج للحرب :

4▪ تكون نتائج هذا النّوع من الحروب ، عادة ، أكثر ضراوة و فتكاً و هتكاً للبشر و استباحة للحدود و الموارد ، مطّردة مع الحصارات و العقوبات السّياسيّة و الاقتصاديّة التي سوّرت سورية بلهيبٍ من الجوع و الفاقة و الموت المادّيّ و الموت الرّوحيّ ، الذي يغذّيه الدّمار . و تظهر نتائج ذلك على هيئة انجرافات مأساويّة أمام مدحلة هذه الحرب التي لم يستطع أحد إيقافها ، إن صحّ و أراد ..
     و هذا إن لم يكن قد تشارك في اندحالها الكثيرون في الدّاخل و الخارج ، لتبرئة السّوريين من وجودهم الرّوحيّ ، بعد كلّ أصناف الموت و القتل و السّبي المعاصر الممنهج ، غير المسبوقة في ذاكرة البشريّة حتّى اليوم .
[٨:٠١ ص، ٢٠٢٠/٥/٢٤] اللواء بهجت سليمان: 5▪ ظهرت "الأزمة السّياسيّة" على شكل ثأر تاريخيّ و مزمن ، مارسته قوى الحرب الخارجيّة و الدّاخليّة ، وهي لا تزال تتفنّن في تطويره و تنظيمه لكي يشكّل هذا الثّأر نظاماً سياسيّاً ، في الظّلّ ، معادياً للمستقبل السّياسيّ للدّولة السّوريّة التي تأهّلت لذلك بفعل التحديات المختلفة ، التي جعلت جزءاً من ذلك "النّظام" السّياسيّ العدو ، الذي تغوّل و يتغوّل في الظّل ، يتسرّب إلى داخل الدّولة و نظامها السّياسيّ ، الذي تسللت إليه تلك القوى بصفاقة مشهودة ، و مارست و تمارس فيه العداء المنظّم و المستفيد من كلّ تَقنيّات العصر ، للدّولة والمجتمع بواسطة بعض مؤسّسات الدّولة نفسها ، و من خلالها ، و هذا ما كنّا قد عرّجنا عليه كثيراً و في أكثر من مناسبة ، هنا ، في أحاديثنا المتوالية.
     نالت هذه التّوليفة السّياسيّة الرّماديّة الظّليلة من جسد الدّولة قبل جسد المجتمع ، فعانى الوطن تمزيقاً مادّيّاً ورمزيّاً ، و هو ما جعلت بها ، وبواسطتها ، الوطن و الدّولة ساحة للمفاهيم و المصطلحات و الاجتهادات المتعثرة ، بما فيها المقاصد الدّوليّة التي تبحث لها فيها عن استمراريّة لضمان العمل السّياسيّ للدّول و القوى العالميّة ، التي تخشى أن تدخلَ في طور الفراغ ! 
     و لكن ، أليسَت الحروب و الكوارث و الأزمات صناعة بشريّة ماهرة باستِثناء و امتياز ؟!
     لقد أخذت "الأزمة السّياسيّة" ، إذاً ، شكلاً متفاقماً منذ بدايات هذه الحرب ، بما فيها تلك الاستعدادات المبرمجة ، و التي ما كان للحرب من دونها أن تبدأ و تستمرّ ، حتّى شملت بذلك الأفراد و المؤسّسات ، لتتجاوز ذلك إلى مشاريع تعمل عليها قوى متعدّدة من سلطات اجتماعيّة و سياسيّة محلّيّة ، من الصّعب إحصاء علاقتها بأوساط خارجيّة و إقليميّة و دوليّة ، و لو أنّ ما يُشير إليها ، و إلى حقيقة وجودها ، أوضح من أن يُصنّفَ في التّردّد السّياسيّ و المراوحة المدوّخة لآفاق مختلف الحلول السّياسيّة ، التي انتظمت حوار الخطابات السّياسيّة ، التي تنتظر أن تُفضي إلى حالة من الانسجام الفكريّ السّياسيّ ، بين القوى و البؤر السّياسيّة المحلّيّة التي ليس من الواضح أنّها ستتفوّق على ذاتها ، في سبيل وطن واحد يستقطب الجميع .

6▪أمّا من النّاحية السّياسيّة السّياديّة ، فقد تظاهرت "الأزمة السّياسيّة" على نحو من التّداخل التّأثيريّ لجملة من العوامل الإقليميّة و الدّوليّة ، التي ليس من المرجّح أن تُفصحَ عن نفسها ، نهائيّاً ، في غضون السّنوات القليلة القادمة ، من جهة أنّ ما تعمل عليه بعض دول الإقليم و دول العالم ، من أهداف لها في سورية ، إنّما هو أخفى وميضاً ، و لكنّ تمظهراته العمليّة المشهودة ، هي على درجة حرارة عالية و شديدة السّخونة ، و هو مايُظهره انزياح مؤشّر المقياس السّياسيّ الكاشف ، نحو "الّلون الأحمر" .. بجلاء و وضوح كافيين لاستبعاد كلّ شكّ في حقيقة واقع السّياسة المقبل بحنكة عالميّة عالية ، و حرفانيّة معاصرة ، تبزّ كلّ ما قد سطّره تاريخ الهدير السّياسيّ العمليّ منذ الحرب العالميّة الثّانية و حتّى اليوم .
     ثمّة بعد من الأبعاد التي لا تُحصى في "الأزمة السّياسيّة" ، هو ما يشكّل منعطفاً تاريخيّاً "حداثيّاً" ، معاصراً و مشوّهاً ، لتطوّرات الظّواهر السّياسيّة التي أفرزتها "الحرب" ، مما يجعله ، بذاته ، محطة لا يمكن تجاوزها قبل الإضاءة المركّزة عليها ، و لو الحذرة ، و لكنْ الضّروريّة جدّاً ، كذلك ، في ما ستبدو أنّها ممّا يستوجب ذلك أو أكثر من ذلك ، على الأقلّ !
     تأكّدت في غمار هول هذا "الحدث" السّياسيّ التّاريخيّ السّوريّ المتمثّل بالحرب ، ظهورات متعدّدة لأحلاف وولاءات و مشاريع استثماريّة خاصّة و شخصيّة ، في السّياق العامّ للحرب نفسها ، تمثّلت في ظهور "أمراء" للحرب ، إذ ، و في أقصى شدّة هذه الحرب ، ظهر أشخاص " سياسيّون " و " عسكريّون " وإداريون سوريّون ، جعلوا من الحرب نفسها ، و هم في غمارها في التّأثير ، مناسبة لبناء الأمجاد الشّخصيّة ، و بدعم "خارجيّ"(!) ..
     بالإضافة إلى ما عملوا عليه من تحويل مناسبات الموت و الدّمار إلى مناسباتٍ من أجل فرص شخصيّة للثّراء والإثراء ، بحيث أنّ اجتماع أمجاد الشّهرة و التّفوّق و الإثراء غير المحدود ، بالنّسبة إلى هؤلاء الأشخاص ، و مارافقه من ارتباطات سرّيّة مع دول خارجيّة هي بحكم الصّديقة أو الشّريكة إلى جانبنا في هذه الحرب .. كان أن شكّل ظاهرة غير مألوفة في تاريخ الحروب ، و هو الأمر الذي تركَ أثره المشكوك في طبيعته و مراميه ، و الذي أدت آثاره المباشرة إلى تحوّل "الحرب" ، بكلّ مآسيها و ويلاتها بالنّسبة إلى الفقراء ، إلى لعبة سياسيّة و استثماريّة و ماليّة ، تناسبت حدّتها طرداً مع تخلّف هؤلاء الأمراء - المستثمرين ، عسكريّاً و ماليّاً ، وبدائيّتهم و محدوديّتهم و سهولة جعلهم مطيّة تخدم أهداف "الغرباء" في استثمار هذه الحرب ، في تناقض مباشر مع مصالح و أهداف السّوريين ، و بخاصّة منهم جماهير هذه الحرب من الفقراء و الشّهداء و المدمَّرين .
     و يفهم القارئ المسؤول مسؤوليّة تاريخيّة تجعله مراقباً و ملاحظاً دقيقاً ، بوصفه مواطناً سياسيّاً معاصراً ، ما نرمي إليه ، هنا ، من دون الخوض في تفاهات و بذاءات و بدائيّات و عفونات التّفاصيل !

7▪ لم تنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر - كما يُقال - فكان الجانب المظلم من "القمَر" أكثر سوداويّة ، ممّا ظنّ و اعتقد و قرّر الاتّجاه السّياسيّ الوطنيّ في بنائه التّحالفات و الصّداقات في بعض المفاصل الهامّةمن المحور المقاوم ، فظهر أنّ لروسيا حساباتها المنظومية الكونية - وهذا حقها - التي لا تتناسب دائما مع الطّموحات و الضّرورات السّياسيّة ، بكافة مشتملاتها ، إذ اصطدمت حاجات السّوريين ، في الحدّ المتوسّط والأعلى و النّهائيّ ، بمصلحة روسيّة إقليميّة و دوليّة و عالميّة ، تجلّت في عدم إرادة روسيا المواجهة المباشرة للأطراف الإقليميين و الدّوليين ، فيما كانت سورية ، موضوعيّاً ، في قلب هذه المواجهة ، فإذا بالسّوريين يُفاجؤون ببعض "التّصوّرات الرّوسيّة" حول "النّهايات" و الخواتيم العسكريّة ، بخاصّة ، و هو ما انعكس سياسيّاً من جهة تفاعل الاقتصاد و السّياسة ، و بشكلّ تركَ أثره الأكبر عندما عملت القوّى العالميّة ، الأميركيّة - الصّهيونيّة .. على تحييد إيران من فاعليّتها المباشرة و غير المباشرة ، العسكريّة والسّياسيّة و الاقتصاديّة ، في "محور المقاومة" ، و هذا ماشكّل تحدّياً موضوعيّاً إقليميّاً ، بخاصّة ، لسورية ..
     و هو ما تظهر أيضاً تبعاته الاقتصاديّة في السّيطرة الجغرافيّة الأميركيّة - التّركيّة ( و ليس الكرديّة ) ، على القرار العسكريّ ، الموضوعيّ ؛ ما جعل إحراز النّهايات السّوريّة الضّروريّة ، عسكريّاً و سياسيّاً واقتصاديّاً ، قد لا يتناغم دائما مع المصالح الرّوسيّة المنظومة الكونية ، و هو الأمر الذي كان - ربّما - مفاجئاً للتّصوّرات السّوريّة حول طبيعة و حاضر و مستقبل التّحديات الجاثمة .

8▪ رافق ذلك ، كلّه ، "أزمة إعلاميّة" خانقة ، تظاهرت في انخفاض الحرفيّة الوطنيّة للسّياسات الإعلاميّة الدّاخليّة و الخارجيّة ، و هو ما تزامن ، مباشرة ، مع النّشاط الحرفانيّ المفرِط لوسائل و منهجيّات الإعلام العربيّ الرّجعيّ المتصهين ، و ما رافق ذلك ، أيضاً ، مباشرة ، من استغلال وظيفيّ مارسته مؤسّسات إعلاميّة"صديقة"(!) ، لبناء أمجاد إمبراطوريّة إعلاميّة لها ، و ذلك بالاستثمار المباشر في الواقع الدّاخليّ في الحرب الكونية السّورية ، ضاربة بعرض كلّ ضيّق و عريض .. المصلحة العليا السّوريّة ، و التي كان من المتوقّع أن تكون أحد أهداف "الإعلام الصّديق" ؛ فإذا بنا أمام تعميات و ضبابيّات إعلاميّة صادرة عن قصفٍ صديق ، و ربّما شريك سياسيّ ، جعل من المفاهيم الأكثر بساطة لواقع هذه الحرب ، مفاهيم أكثر إشكاليّة ممّا كان متوقّعاً لها ، بكثير .
     و كان من أخطر نتائج هذه الحرب ، على صعيد "الأزمة الإعلاميّة" ، أن دفعت هذه "الأزمة" ، و على مسؤوليّتها الحصريّة ، الكثيرين من جماهير الحرب و مواطنيها المؤمنين بعدالة مواجهتها ، كحقّ من الحقوق التّاريخيّةالوطنيّة ، إلى ما يُشبه القنوط من جدّيّتها التّاريخيّة و عدالتها الوطنيّة و حسن ختامها ، على ما ينبغي له أن يكون من التفاف جماهير الشّعب حول القرار السّياسيّ الوطنيّ ، و هو ما جعل من الحرب نفسها أمراً مشكوكاً لدى البعض ، بعدالته النّهائيّة الضّروريّة و الممكنة .

                                                                         ● الحلقة الثانية ( 2 من 3 غدا )


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد