كتاب واراء

رؤية محمود صادق لصناعة المجمدات

 

 

بقلم: مي عبده - القاهره

 

 في واحد من أكثر أسواق الغذاء تعقيدًا في مصر في سوق لا يعترف إلا بالأرقام، ولا يرحم من يكرر نفسه، يبرز اسم محمود صادق كأحد العقول التجارية التي بنت خبرتها بالوقت والتجربة والتراكم الحقيقي، لا بالشعارات. مدير تجاري لشركة ميزة، ورجل مبيعات يؤمن أن النجاح لا يُورث ولا يُمنح، بل يُصنع بالعلم والانضباط وطهارة النية.

 

"رجل التجاره والصناعه.. محمود صادق خريج كلية الخدمة الاجتماعية عام 1996، لم يكن طريقه تقليديًا" 

 

 بدأ رحلته العملية مبكرًا، وراكم خبرة تمتد إلى 27 عامًا في سوق الصناعات الغذائية، منها 15 عامًا كاملة داخل واحد من أكثر القطاعات حساسية وتعقيدًا: قطاع المجمدات والفريشات، متنقلًا بين ما يقرب من 10 شركات رائدة في صناعة الدواجن واللحوم داخل السوق المصري. ولم يكتفِ بالتجربة وحدها، بل دعمها بالعلم، فحصل على ماجستير إدارة أعمال متخصص في صناعة الدواجن واللحوم، واضعًا نفسه في منطقة نادرة تجمع بين الفهم الأكاديمي والاحتكاك اليومي بالسوق.

 

"سوق ضخم… ونمو متسارع"

 

يتحدث محمود صادق بالأرقام قبل الانطباعات. فوفق قراءته وتحليله، يبلغ حجم سوق المجمدات في منتجات اللحوم والدواجن نحو 25 مليار جنيه سنويًا، بمعدل نمو يقارب 8% سنويًا، مع توقعات بتضخم أكبر خلال السنوات المقبلة. السبب؟

تحولات نمط الحياة، وضيق الوقت، واعتماد شريحة واسعة من المستهلكين على الـFast Food والمنتجات سريعة التحضير، باعتبارها حلًا عمليًا وضروريًا لا رفاهية.

 

ويشير إلى أن خريطة الاستهلاك في مصر ما زالت تميل بقوة للفريش:

65% من المستهلكين يعتمدون على الدواجن الفريش

15% مجمدات مستوردة

21% مجمدات محلية

لكن هذه النسب، برأيه، ليست ثابتة، بل تتحرك مع تغير الأسعار، وسلوك المستهلك، ومستوى الثقة في البراندات المحلية.

 

"منافسة شرسة… وسوق متشبع"

 

يرى محمود صادق أن سوق المجمدات المصري دخل مرحلة التشبع الحاد، واصفًا إياه بـ«المحيط الأحمر»، حيث زادت حدة المنافسة إلى درجة تسببت في خسائر فعلية لبراندات معروفة، ليس بسبب ضعف السوق، بل نتيجة غياب الابتكار وسوء الإدارة.

ومن خلال حصر ميداني جمعه بنفسه خلال سنوات عمله، توصّل إلى أن السوق يضم:

 

"66 شركة مصنعة للحوم والدواجن

تنتج نحو 104 علامة تجارية"

 

تُعرض داخل مساحات تبريد لا تتجاوز أحيانًا مترًا ونصف المتر

ويعمل معها قرابة 500 شركة توزيع ما بين مجمدات ومطهيات وفريش

تخدم حوالي 49,500 منفذ بيع على مستوى الجمهورية

ويؤكد أن هذه الأرقام مرشحة للتضاعف وفقًا لتغيرات السوق ودخول لاعبين جدد.

 

"السياحة والمنصات الإلكترونية… فرص غير تقليدية"

 

لا يغفل محمود صادق أهمية القطاعات الداعمة، مشيرًا إلى أن السوق السياحي وحده يضم:

نحو 13 ألف فندق

338 قرية سياحية

آلاف المطاعم والكافيهات

 

إضافة إلى ذلك، هناك ما يقرب من 200 منصة إلكترونية محلية، و11 منصة عالمية تعمل في توزيع المنتجات الغذائية، ما يفتح آفاقًا جديدة أمام البراندات القادرة على التكيف والتوسع الذكي.

«ميزة»… فلسفة مختلفة في المجمدات

في قلب هذه المنافسة، اختارت شركة ميزة طريقًا مختلفًا.

 

يؤكد محمود صادق أن منتجات «ميزة» تعتمد على مواد فريش 100%، ولهذا السبب فإن مدة صلاحيتها لا تتجاوز 3 أشهر فقط، وهو قرار مقصود، لا عيب تصنيعي.

«إحنا لا بنضخ كميات كبيرة في السوق، ولا بنراهن على التخزين الطويل… هدفنا نوصل إحساس الفريش بجودة الفريش.»

 

تعتمد «ميزة» على سياسة الضخ التدريجي، بكميات محدودة في البداية، لتقليل المخاطرة على الشركة والموزعين، ثم زيادة الكميات وفقًا لحركة الطلب.

 ويعتبر محمود صادق أن قرب تاريخ الإنتاج هو المؤشر الحقيقي لنجاح أي شركة مجمدات.

 

"رجل المبيعات… حجر الأساس"

 

يرى محمود صادق أن قطاع المجمدات من أكثر القطاعات ربحية للموظف الكفء، لكنه في الوقت ذاته من أصعبها.

المنتج شديد الحساسية، وأي خلل في درجة الحرارة قد يحوله من منتج مفيد إلى خطر صحي. ولهذا تُنفق الشركات أرقامًا ضخمة على الحفظ والنقل وخدمة ما بعد البيع عامهَ.

 

ويؤكد أن: أول بيعة هي الأهم"

 

يجب أن تكون مدروسة، بكميات صغيرة

مع اختيار أصناف تناسب طبيعة كل منطقة ومراقبة دقيقة لحركة البيع. 

وعندما يحدث تناغم حقيقي بين إدارة التسويق وإدارة المبيعات، تصل المنتجات إلى الأماكن الصحيحة، بالكميات المناسبة، وتتحقق المعادلة الصعبة: ربحية العميل وثقته في البراند.

 

"إدارة المخاطر… فلسفة توزيع ذكي"

 

يشير محمود صادق إلى أن أخطر ما يواجه السوق هو ارتفاع قيمة الكرتونة الواحدة، ما يضاعف المخاطر إذا غاب الوعي لدى المسؤول أو الموزع بشكل خاص .

 

ولهذا تعتمد «ميزة» على توزيع المخاطرة بدلًا من تركيزها، من خلال التعامل مع 100 أو 200 موزع بكميات صغيرة، مع متابعة دورية وتوجيه مستمر.

«كل ما تقلل الكمية، وتنوع الأصناف، وتتابع بشكل دوري… نسبة النجاح بتزيد.»

 

"أخلاقيات المهنة… الأساس المنسي"

 

يتحدث محمود صادق بنبرة مختلفة عندما يصل إلى أخلاقيات العمل، معتبرًا أن التجارة مهنة شريفة، وهي مهنة الرسول ﷺ، ولا يمكن أن تنجح بدون:

الصدق، الأمانة، الإخلاص في الكلمة. 

 

ويضيف:

«محدش بياخد رزق حد… وعلى نياتكم تُرزقون.»

متى يأتي النجاح… ومتى يحدث الإخفاق؟

النجاح، من وجهة نظره، يبدأ من إخلاص النية، ثم العلم.

أول خطوة هي جمع البيانات التاريخية، وتحليلها بصدق، لتحويل نقاط الضعف إلى مصادر قوة. يلي ذلك اقتناص الفرص، ووضع إجراءات مضادة للتهديدات مبنية على أرقام حقيقية.

 

ثم تأتي الخطوة الأخطر:

توظيف الشخص المناسب في المكان المناسب، دون أهواء أو حسابات خاطئة للتكلفة، لأن الوقت والمجهود المهدورين أغلى من أي راتب.

 

"استنزاف الكوادر… خطيئة إدارية" 

 

ينتقد محمود صادق بشدة ظاهرة استنزاف المديرين والكوادر أو سرقة مجهودهم وأفكارهم، معتبرًا أنها أحد أسباب توقف النمو في شركات كثيرة، خاصة مع وصول تكلفة المواد الخام إلى 65% من رأس المال.

«استثمار البشر أهم من المعدات… واللي حط الخطة هو الوحيد القادر يكملها.»

ويحذر من أن تغيير الإدارات دون وعي يخلق حالة من السلبية تنتقل بين الموظفين، ثم إلى السوق، لتلوث سمعة الشركة بالكامل.

 

"الحوكمة… الغائب الأكبر" 

 

يعتبر محمود صادق أن تدخل أصحاب رؤوس الأموال ورؤساء مجالس الإدارة في التفاصيل التشغيلية هو السبب الأول في إخفاقات شركات عديدة، مؤكدًا أن أغلب الشركات العالمية تعتمد على الحوكمة للوصول لأعلى ربحية ممكنة.

 

"مؤشر النجاح الحقيقي"

 

المدير الناجح، وفق رؤيته، تظهر نتائجه خلال 3 إلى 6 أشهر.. لذا ف البيعة الأولى، هي مجرد تعارف، لكن البيعة الثانية والثالثة هي إثبات النجاح الحقيقي. 

أما تثبيت الوجود في السوق المصري، فلا يقل عن عام كامل، في سوق غير منظم، لكنه مليء بالفرص لمن يعرف كيف يقتنصها بشكل عام.

 

"تحديات الصناعة… ومعركة يومية"

 

يختم محمود صادق حديثه بالتأكيد على أن صناعة المجمدات تعتمد على مدخلات خارجية حساسة:

الأعلاف، الدولار، الشحن، التخزين، البنية التحتية… أي خلل فيها ينعكس فورًا على الإنتاج والتكلفة. ومع ذلك، تعمل الدولة – بحسب قوله – على توفير حلول ودعم لتجاوز هذه التحديات.

في النهاية.. لا يرى محمود صادق النجاح كصدفة، ولا السوق كحظ، فهو معادلة صعبة، قوامها علم و أخلاق و إدارة و طموح.

ومن يملك هذه العناصر، يستطيع – مهما اشتدت المنافسة – أن يصنع مكانه بيده.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد