*بقلم: ناجي علي أمهز*
ليس لأن الحل غامضًا يسألون، بل لأنهم يرفضون رؤيته. وليس لأن الطريق مجهول، بل لأنهم أضاعوا البوصلة عمدًا، ثم تظاهروا بالضياع.
منذ سنوات ونحن نحذّر؛ نكتب، نصرخ، نحلّل، وننبّه. واليوم، بعدما وقعت الكارثة، عادوا ليسألوا السؤال ذاته: "ما الحل؟" كأن التحذير لم يكن، وكأن الزمن كان يمزح.
بعدما أتعبونا؛ شكّكونا بأنفسنا، بعقولنا، وبصدق نياتنا، وبمحبتنا لهم وخوفنا عليهم، وان نجنبهم الهاوية.
يريدونك مثل غالبية هؤلاء المهرجين على الإعلام: أن تكذب على الله، وعلى الإنسان، وعلى الطبيعة. أن تتحدّث خارج المنطق والمعقول كي يقبلوا بك، وإلّا انهالوا عليك بلعناتهم، وخرج عفنهم ليقول لك: “إنت شو بتفهم أكتر من غيرك؟”
حتى فكرة انك شاهدت وعرفت شيء لم يعرفونه، يلعنونك.
الإعلام اليوم هو المصنع الذي يعيد تدوير الجهل، وهكذا هم الجهلاء عبر التاريخ: يصفّقون لمن يخدعهم، ويرجمون من يصارحهم بالحقيقة؛ لأنهم يقدّسون الوهم، ويعبدون المال والسلطة، وينتشون بالفراغ، كما يهلوس من يتعاطى عقاقير تغيّب العقل.
إن كنتم، حتى بعد محنتكم، لم تشاهدوا من باعكم الوهم، فأنتم أموات. هم أمامكم، انظروا إليهم: تعرفونهم من منازلهم الفخمة، وسيارتهم الفارهة، ورغد حياتهم، بينما أنتم غارقون في الفقر، والجوع، والقلق، والألم، والخوف من الغد.
لا تعتقدوا لحظةً أن من استُشهد هو من باعكم الوهم. هو استُشهد من أجل عزّتكم وفخركم، ومن محبته الصادقة لكم. هؤلاء الذين قدّموا أرواحهم وجراحهم هم الوحيدون الذين أحبوكم بصدق، وصدقوكم بصدق، واستشهدوا لأجلكم بصدق.
وأيضاً، من استشهد كان أذكى منكم وأوعى منكم، لكنه استشهد لأنكم لم تتركوا له خياراً سوى الموت ليحميكم، لأنه عاجز عن تغيير عقولكم، بسبب عنادكم وفوقيتكم التي ليس لها حدود. هذه الدماء التي قدمها الشهداء لا تصنع وطناً فقط، بل تصنع أمة لا تموت. لكن جهل غالبيتكم كان اقوى واقسى حتى من الموت، فقتل الطائفة.
هؤلاء، وأبناؤهم، لهم حقّ علينا: أن نحمي تاريخهم، ونصون دماءهم، ونعالج جرحاهم، وننهض بالطائفة. لكن كيف؟
اذا نحن ابنائكم الذين وقفنا بوجه الجميع لاجلكم، قهرنا وظلمنا، حولتمونا الى احياء اموات، غيبتمونا، واقصيتمونا، من اجل حفنة من الاغراب بنوا انفسهم على حسابكم.
فيكم قوة، ولو فُعّلت، لغيّرت وجه التاريخ. لكنكم لم تبحثوا عن المعرفة، بل عن تجميل الجهل. لم تسألوا ابناء جلدتكم، فالكنيسة القريبة لا تشفي، تعترفون لاحمق من خارج طائفتكم، اما ابناء طائفتكم العارفون، فانكم تنكرونهم، لان انانيتكم تمنعكم من الاعتراف، ولو عمكم الموت وسكنكم الخراب.
تعرفون كيف تلمّعون الوجوه، وتمسحون الجوخ، وتنفخون أشخاصاً من هواء وتوهمونهم بأنهم قامات، بينما هم مجرّد عناوين فارغة. تعرفون كيف تتكبّرون على بعضكم، كيف تتتفاخرون بالمال والبناء، وكأن الإسمنت يصنع حضارة، وكأن الأرصدة تعوّض غياب العقل.
المأساة أنكم تعرفون لكنكم لا تعترفون، ومع ذلك تريدون كل شيء: المناصب، المال، الوجاهة، والقرار. وحين يقود الجهل كل شيء، تأتي الكارثة أكبر من الجميع.
هذا ليس عناداً فقط، هذا جنون جماعي؛ جنون يكرّر الأخطاء ذاتها، وينتظر نتائج مختلفة. الحل أن ننسحب من هذا العبث المنظّم، من هذه البدائية المرعبة التي تلبس ثياب الإعلام والتحليل، ومن جماعات مدعية أثبتت أنها عاجزة عن بناء وعي، فكيف لها أن تبني مستقبلاً؟
الأزمة اليوم ليست سياسية ولا عسكرية فقط، بل أزمة عقل ومعرفة. وأي جماعة ترفض الاعتراف بذلك، محكوم عليها أن تعيد السقوط… مرة بعد مرة، حتى تنكسر الأرض من تحتها، وتُدفن وهي حية إلى الأبد.
أعرف أن هذا النص مؤلم، لكنه ضروري؛ فالله عندما أراد أن يمنع التخلف ويحارب الكذب والجهل والظلم، أخبر الناس عن حساب يوم عظيم.