بقلم إسماعيل النجار،
تعيش واشنطن حالة ارتباك واضحة في ترتيب أولوياتها الإقليمية، في وقتٍ يبدو فيه أن حكومة بنيامين نتنياهو تحاول ملء هذا الفراغ عبر إعادة وضع لبنان في صدارة أجندتها الأمنية والعسكرية. هذا التحول لا ينفصل عن قلقٍ متنامٍ داخل دوائر القرار الصهيوأميركية من تعافي المقاومة الإسلامية في لبنان،
قلقٌ لم تنجح سياسة الصمت المدروس التي ينتهجها حزب الله إزاء الخروقات الجوية الإسرائيلية المتواصلة في تبديده.
في هذا السياق، كشفت القناة 13 الإسرائيلية عن تصنيفٍ أمني شمل ثماني دول عربية وإسلامية اعتبرتها “مصادر تهديد” للكيان، وسمّت بالاسم إيران، العراق، اليمن، غزة، لبنان، إضافة إلى تركيا ومصر والسعودية. اللافت في هذا التصنيف ليس فقط اتساع دائرته، بل الصمت الرسمي للدول الثلاث الأخيرة، رغم ما يحمله من دلالات سياسية وأمنية، ويخفي في طياته رسائل ضغط ونوايا تتجاوز الإعلام إلى حسابات استراتيجية بعيدة المدى.
أما الولايات المتحدة، التي تتعثر في إدارة ملفاتها الخارجية على وقع إخفاقات داخلية وخارجية، فتواصل تقديم الغطاء السياسي الكامل لإسرائيل. هذا الغطاء يتجلى في موقفٍ عملي مفاده امضِ في خياراتك، ونحن من خلفك. هكذا تُدار العلاقة، حيث تتقدم إسرائيل ميدانياً وإعلامياً، فيما تكتفي واشنطن بدور المساند الذي يضمن التفوق الإسرائيلي ويؤجل كلفة المحاسبة.
في المقابل، تتصاعد في إسرائيل لهجة التهديد تجاه لبنان، مع تسريبات عن نوايا لعمل عسكري واسع بعد مواسم الأعياد. غير أن تكرار التهديدات لم ينجح في تحقيق هدفه الردعي. فالمقاومة، التي خبرت هذا النوع من الضغوط، لم تُبدِ ارتباكاً ولا انفعالاً، بل واصلت استعداداتها على قاعدة واضحة القتال إذا فُرض، وعدم الاستسلام كخيارٍ مطروح.
هنا يكمن جوهر المشهد إسرائيل تراهن على الحسم وعلى كسر إرادة المقاومة، فيما تعمل الأخيرة على إعادة ترتيب أوراقها استعداداً لمرحلة قد تشهد إعادة صياغة لقواعد الاشتباك. لا مجال في هذه اللحظة لتكهناتٍ حاسمة حول الرابح والخاسر، إذ إن ميزان النتائج لا يُحسم بالتصريحات ولا بالتصنيفات الإعلامية، بل بما ستكشفه الوقائع إذا ما انتقل الصراع من دائرة التهديد إلى اختبار الميدان.
بين رغبة إسرائيل في فرض معادلاتها بالقوة، وقرار المقاومة الثابت بعدم القبول بالإملاءات، يقف لبنان على مفترق حساس. وما بين الحسابات الدولية المترددة والإقليمية المتشابكة، يبقى السؤال مفتوحاً على تطورات الأيام، حيث وحدها الوقائع سترسم الاتجاه النهائي للصراع.