كتاب واراء

زيارة قداسة البابا إلى لبنان… شرق يبحث عن استقرار وعدالة جديدة

_سعيد فارس السعيد:

 

تمثّل شخصية القديس مار مارون أحد أبرز الجسور الروحية التي تربط سوريا بلبنان، وتؤكد أن تاريخ المشرق لم يكن يومًا ساحة حدودٍ تفصل بين الشعوب، بل فضاءً إنسانيًا واحدًا تتقاطع فيه الرسالات، وتتشابه فيه آمال الإنسان على جانبي الجبل. فمولد مار مارون في شمال حلب، وانتشار تلاميذه نحو لبنان، أسّسا لخط روحي وثقافي ظلّ حاضرًا في تكوين الشرق ومعناه.

 

من هنا تبرز أهمية زيارة قداسة البابا إلى لبنان، ليس باعتبارها حدثًا دينيًا فحسب، بل كرسالة سياسية كبرى في زمنٍ يتصدّع فيه الإقليم، وتبحث فيه المنطقة عن نقطة ارتكاز جديدة تُعيد هندسة الاستقرار.

 

لبنان… 

وإشارة البابا إلى الجميع

 

لبنان اليوم يقف على حافة تحوّل تاريخي. فالدولة التي حملت عبر عقود رسالة العيش المشترك، تحوّلت إلى مختبر لصراعات الآخرين. ومن هنا تحمل زيارة البابا معنىً يتجاوز الحدود:

إنها دعوة لإعادة تثبيت لبنان كمساحة توازن لا كساحة صراع، وكجسر تواصل بين الشرق والغرب، لا كواجهة للانهيار أو لتصفية الحسابات الإقليمية.

 

رسائل إقليمية عميقة

 

زيارة البابا تأتي في لحظة تعاد فيها صياغة خرائط النفوذ والتحالفات في الشرق الأوسط. وهي تحمل ثلاث رسائل أساسية:

 

1. لا استقرار إقليمي دون حماية التنوع

 

المشرق الذي وُلدت فيه الرسالات لا يمكن أن يُدار بعقل الإقصاء أو منطق الغلبة.

فكل مشروع يُقصي طائفة أو جماعة أو قومية، يعيد إنتاج بيئة الانفجارات.

رسالة البابا هنا واضحة:

حماية التعدد والتنوع ليست خيارًا أخلاقيًا فقط… بل هي شرط للأمن الإقليمي.

 

2. لبنان المستقر هو ضرورة دولية وليست ترفًا محليًا

 

فالحدود الجنوبية، ومستقبل الغاز والطاقة، وممرّات التجارة، والتوازن بين القوى الإقليمية…

كلها ملفات تجعل من انهيار لبنان تهديدًا مباشرًا للمنطقة بكاملها، من سوريا إلى الأردن وفلسطين وصولًا إلى أوروبا.

 

3. الشرق بحاجة إلى عقد روحي واجتماعي – سياسي جديد

 

زيارة البابا تذكير بأن الشرق يتغيّر، وأنّ المرحلة المقبلة تتطلب انتقالًا من سياسة إدارة الأزمات إلى صناعة السلام.

سلام يقوم على:

احترام الهويات الدينية والقومية

حماية المكوّنات الصغيرة

إنهاء ثقافة التكفير والتحريض

ومنع تحويل الدين إلى سلاح سياسي

 

البعد السوري – اللبناني

القديس مار مارون هو الرابط الأوضح بين الشعبين السوري واللبناني، والزيارة تُعيد التذكير بأن الاستقرار في لبنان يبدأ من استقرار سوريا، وأن انهيار أيٍّ منهما يفتح الباب أمام اضطرابات طويلة لا يمكن ضبطها.

 

خاتمة القول :

 

إن زيارة قداسة البابا ليست "زيارة بروتوكولية" إلى بلدٍ مثقل بالأزمات، بل هي إعلانٌ صريح بأن الشرق ما زال قادرًا على النهوض من تحت الرماد، وأنَّ حماية لبنان ليست حماية لطائفة أو حدود… 

بل حماية لميزان المنطقة كله.

 

لبنان إذا استعاد دوره، سيعود مركز رسالته الأولى:

جسر سلام… 

لا جسر حرب.

 

سعيد فارس السعيد

"صوت من أجل شرق يولد من تحت الرماد، لا من تحت الركام."


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة