كتاب واراء

*الحسيني ومسلسل ترامب، الشرع واستراتيجية "الوحش" في مواجهة "الضبع"*

 

*بقلم: ناجي علي أمهز*

أثار لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام المنبثقة من داعش، موجة من التحليلات بين مهلل ومنتقد. ولكن لو تمعن الجميع في عمق المشهد ورمزيته، لربما ساد الصمت. إن هذا اللقاء ليس مجرد صورة عابرة، بل هو تجسيد لاستراتيجية قديمة جديدة، تعيد إلى الأذهان حقيقة أن التاريخ في عالمنا العربي والإسلامي لا يتغير، بل يكرر نفسه في حلقة مفرغة من الصراعات التي لا يعلم مبتغاها إلا إبليس.

 

المشهد بحد ذاته يحمل دلالات عميقة. ترامب يجلس خلف مكتبه، رمزاً للسلطة والتحكم، بينما يقف أحمد الشرع لالتقاط صورة تاريخية. يحيط بترامب تمثالان للآباء المؤسسين لأمريكا: جورج واشنطن، الذي انتمى للماسونية عام 1752 في محفل فريدريكسبرغ بفيرجينيا، وبنجامين فرانكلين، الذي انضم لمحفل سانت جون الماسوني عام 1731. هذه الرمزية تطرح سؤالاً ساخراً: هل يمكن لرئيس سوري مثل الشرع أن يجلس يوماً وخلفه تماثيل لمؤسسي سوريا أو من سبقوه في الحكم؟

 

بالطبع لا. ففي بلادنا، تُعتبر التماثيل "حراماً"، بينما هي "حلال" في البيت الأبيض. والأهم من ذلك، أن أنظمتنا غالباً ما تُبنى على أنقاض بعضها البعض، حيث يصل الحاكم إلى السلطة عبر دماء سلفه، فلا مجال لتكريم التاريخ أو استمراريته.

 

اما سبب اللقاء: فقد وصلت الإدارة الأمريكية والغرب إلى قناعة راسخة بأن المجتمعات في العالم العربي والإسلامي، التي لم تغيرها التكنولوجيا ولا التطور العلمي، لن يغيرها خطاب سياسي أو نظرية فلسفية. من هذا المنطلق، فكر ترامب في إيجاد حل لمشكلة تنظيم "داعش" وأخواته.

وقد أدرك أن أي حل تقليدي سيزيد الطين بلة:

1. التحالف مع الأقليات: إذا تحالف الغرب مع الأقليات لمحاربة داعش، فإن ذلك سيؤجج العصبية الطائفية ويمنح التنظيم زخماً أكبر وقاعدة أوسع.

2. التدخل العسكري المباشر: أثبتت التجربة أن قتال الغرب المباشر لتنظيمات مثل القاعدة أدى إلى ولادة تنظيمات أشد إرهاباً وأوسع انتشاراً مثل داعش وجبهة النصرة.

 

إذاً، ما هو الحل؟ الحل الوحيد هو تطبيق مبدأ "اترك الوحش يقتل الضبع". أي أن تأتي بجماعة من نفس بيئة داعش الفكرية والعقائدية، وتدفعها لقتاله. وبهذا، تصبح المعركة داخلية، بين أبناء الجلدة الواحدة.

كما يحصل الان حيث باكستان الاسلامية تقاتل افغانستان الاسلامية.

وهنا يأتي دور أحمد الشرع. إذا أراد أن يحكم سوريا، فعليه أولاً أن يتخلص من داعش. لكن هل يعني هذا أن سوريا ستنعم بالسلام والرخاء؟ أم أن الكأس المرة التي ذاقها المدنيون على يد داعش والنصرة ستُقدَّم لهم مجدداً، ولكن بصراع مختلف؟ هذا بالضبط ما يريده ترامب وإسرائيل، وهو ما يفسر ابتسامته العريضة، بينما يقف بجانبه "وحش" يتعهد بقتل "الضبع". إنها استراتيجية تضمن استمرار الفوضى، وتمنع استقرار أي كيان قد يشكل تهديداً في المستقبل.

 

هذه الاستراتيجية تخدم أيضاً هدفاً أوروبياً ملحاً، وهو منع وصول الإرهاب إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. فوجود كيان إرهابي على هذه السواحل يعني أن أوروبا بأكملها ستتحول إلى جحيم، ويكفي وصول بضعة إرهابيين لقتل الآلاف من النخب في مدنها الراقية. الأولوية اليوم هي لمن يقاتل داعش، ولا يوجد أفضل من أبناء داعش لقتال داعش، ظناً منهم أنهم سيرثون مكانها، ليبقى التاريخ العربي والإسلامي يراوح في مكانه: صحابي يقتل صحابياً، وكلاهما رضي الله عنه.

 

هذا المنطق لا يقتصر على الساحة الدولية، بل نجد له أصداءً محلية. وهنا يبرز اسم المعمم محمد علي الحسيني، الذي لا يختلف في دوره التحريضي عن الصحابي الذي قتل صحابياً. لكن الفارق أن الحسيني، وبحسب أفعاله، يبدو وكأنه يريد قتل كل الشيعة لأنهم لم ينالوا رضا "أمة الصحابي الذي قتل الصحابي "رضي الله عنهما"".

 

الحسيني، الذي يرفع شعار "نسمع ونرى"، هو في الحقيقة لا يسمع ولا يرى ولا يفهم. حقده على الطائفة الشيعية يدفعه إلى تحوير أي حدث ليصب في اتجاه إشعال الفتنة. فعندما استقبل ترامب الشرع، تخيل الحسيني بعقله المريض أن هذا اللقاء هو مقدمة لغزو لبنان والقضاء على حزب الله. ورسم سيناريو كاملاً: الشرع يدخل من طرابلس والبقاع، وإسرائيل تدخل من الجنوب، ويتم القضاء على الشيعة.

 

وبناءً على لقاء ترامب الشرع مع ان الشيعة ليسوا المستهدفين اقله الان، فالاولية لامريكا والشرع هو التخلص من داعش الضبع، الا ان الحسيني هكذا توهم فخرج بتغريدة ليورط الشيعة، بان "تحذير سماحة الشيخ نعيم قاسم، وهو يمثل قيادة المقاومة، بقوله: "لا يمكن أن يستمر الوضع كما هو، فلكل شيءٍ نهاية، ولكل صبرٍ حدود". هو الأهم، ولأننا نسمع ونرى ونستشرف رد المقاومة على احتلال الجنوب والاعتداءات المستمرة على لبنان، قد يحصل في أي لحظة. نعم، صدر تكليف بتفعيل العمليات نحو التصعيد العسكري المحدود نحو النقاط اللبنانية المحتلة والمدروس بعناية عالية لذا لا داعي للقلق والهلع. نكرر نصيحتنا الى اهالي الهرمل وبعلبك وجبيل والضاحية بالتوجه نحو جبل عامل.

 

ما يريده الحسيني هو أن تُطلق المقاومة رصاصة واحدة على إسرائيل، لتكون ذريعة لحرب مدمرة جديدة تطال المدن الشيعية. حينها، سيعود الحسيني ليظهر على الشاشات شامتاً ليتحفنا بمقولة " اعهد عهدك وإجمع شملك و اكتب وصيتك".

إن سلوك الحسيني هذا يكشف عن شخصية مضطربة، فمن ينسى كيف كان بالأمس سبباً في التحريض على قتل الشيعة، ليظهر اليوم بمظهر المدافع عنهم، هو حتماً يعاني من أمراض نفسية وانفصام خطير.

 

وهنا نصل إلى الخلاصة: ما الفرق بين أن يستقيل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أو يبقى؟ هناك مليون "أدرعي" بيننا، ينشرون الكراهية والحقد والطائفية ليلاً ونهاراً ويرعبون المواطنين الابرياء. إن هؤلاء المحرضين في الداخل هم أخطر بألف مرة من أي ناطق رسمي باسم العدو. فبينما يحدد أدرعي الهدف وينذر، يقوم هؤلاء بدفع مجتمعاتهم نحو الهاوية دون سابق إنذار.

 

نحن الشيعة بخير وعافية، فرغم قلة عددنا ومحدودية إمكانياتنا، إلا أننا نملك ثروة حقيقية: إنسانيتنا. إن المذهب الشيعي، الموروث من فكر الإمام علي وعدالته، يقدم للعالم نموذجاً في الحوار يلامس في جوهره الإنساني تعاليم المسيح.

ولعل هذا التشابه يبلغ ذروته في مشهد التضحية الكبرى؛ فبعد مقتل أهله وأطفاله، وقطع رأسه الشريف، لم يكن ينقص الإمام الحسين سوى أن يُصلب، ليكتمل المشهد وتصبح صورة تضحيته وصورة السيد المسيح واحدة.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة