كتاب واراء

الحرب على غزة هي نهاية مرحلة وهزيمة مشروع صهيوني لا معركة عابرة؟

 

كتب إسماعيل النجار،،

 

الحرب على غزة هي نهاية مرحلة وهزيمة مشروع صهيوني لا معركة عابرة؟

لم تكن الحرب الصهيونية على غزة مجرّد مواجهة عسكرية محدودة، بل كانت معركة وجود بين إرادةٍ فلسطينية متجذّرة في الأرض والحقّ، وبين آلة عسكرية غاشمة فقدت البوصلة والقدرة على تحقيق أهدافها رغم تفوّقها التكنولوجي والاستخباري.

بعد عامٍ تقريباً من القتال الوحشي، يمكن القول إنّ الحرب تحوّلت إلى عبءٍ إستراتيجي على الكيان الصهيوني، بعدما فشلت في تحقيق الغاية المنشودة منها: كسر المقاومة الفلسطينية وإجبارها على رفع الراية البيضاء.

صندوق الخسائر الصهيونية المغلق

تحت الرقابة العسكرية الصهيونية التي فرضت تعتيماً تامّاً على الخسائر في غزة، فكل ما يجري داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية حول الحرب ونتائجها بات في «صندوق مظلم مقفل بإحكام»، لا يُسمح بتسرّب الحقائق منه إلى الخارج. إسرائيل التي كانت تفاخر بتفوّقها الأمني والتكنولوجي، لكنها وجدت نفسها أمام كارثة عسكرية وأمنية وإنسانية داخلية، فالمجتمع الصهيوني يعيش انقساماً حادّاً بين حكومة نتنياهو المتطرّفة والمؤسسة العسكرية التي تتّهم القيادة السياسية بالفشل في تحديد أهداف الحرب ووسائلها. ففي تقريرٍ داخلي مسرّب في تل أبيب تحدّث عن أكثر من 2000 جندي قتيل ومفقود منذ بداية الحرب، فضلاً عن آلاف الجرحى والمعاقين، وهو رقم تتكتّم عليه القيادة خوفاً من الانهيار المعنوي. هذا إلى جانب الخسائر الاقتصادية التي تجاوزت الـ150 مليار دولار، وتراجع النمو بنسبة غير مسبوقة منذ حرب 1973.

في مفهوم المستوطنين الصهاينه نتنياهو خسر الحرب لكنه لا يريد الاعتراف بذلك!. رغم محاولاتهِ تصوير قرار وقف الحرب على أنه «نصر تكتيكي» مؤقت، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى أن الجيش الصهيوني انسحب من غزة بعدما فقد الأمل في تحقيق الهدف الأساس وهو القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى.

ورقة الأسرى تحوّلت اليوم إلى نقطة قوة بيد المقاومة الفلسطينية، فهي الورقة الوحيدة القادرة على إجبار تل أبيب على التفاوض بشروط المقاومة لا بشروط الاحتلال. لكن الأخطر من ذلك، أنّ المجتمع الصهيوني بدأ يفقد الثقة بجيشه وبقيادته السياسية، وبدأت أصوات الاحتجاج ترتفع في الشارع ضد استمرار الحرب، وضد الأكاذيب التي تبثّها حكومة نتنياهو لإخفاء الهزيمة.

لأن إرادة المقاومة الفلسطينية أقوى من الحديد والنار، ففي ميزان القوى المادية، لا مجال للمقارنة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يملك أحدث الطائرات والمدرّعات والأنظمة الصاروخية، وبين المقاومة الفلسطينية التي تعتمد على السلاح المحلي الصنع والأنفاق والعمليات المفاجئة. لكن الفرق الحقيقي يكمن في الإرادة فبينما يقاتل الفلسطيني دفاعاً عن أرضه وكرامته ووجوده، يقاتل الجندي الصهيوني من أجل أجندة استعمارية فقدت معناها أمام الواقع. لقد صمدت غزة تحت القصف المتواصل لأشهر، من دون كهرباء ولا وقود ولا ماء كافٍ، ومع ذلك واصلت مستشفياتها العمل بإعجاز إنساني، حيث أجرى الأطباء مئات العمليات الجراحية بأدوات بدائية وموارد شبه معدومة، بينما كانت الطائرات الصهيونية تستهدف المستشفيات وسيارات الإسعاف في خرق واضح لكل الأعراف الدولية.

السؤال المشروع الذي يطرحه العالم اليوم كيف صمدت غزة؟

الجواب ببساطة صمدت لأنها تملك الإيمان والعقيدة والإصرار، ولأن شعبها بات يرى في المقاومة جزءاً من وجوده اليومي وليس خياراً سياسياً مؤقتاً.

غزة بعد الحرب تنتظر المأساة القادمة

رغم وقف القتال، إلا أنها تُقبِل على كارثة إنسانية جديدة، إذ تشير تقارير طبية إلى أنّ القصف الصهيوني استخدم موادّ سامة ومشعّة ستتسبب بأمراض خطيرة في السنوات المقبلة، منها السرطانات والتشوّهات والأوبئة الجلدية. القطاع يعيش اليوم حالة صحية حرجة نقص حاد في الأدوية والمحاليل الطبية والمضادات الحيوية، فيما البنية التحتية للمياه والصرف الصحي مدمّرة بالكامل.

وإذا لم يتدخّل المجتمع الدولي بشكل جاد وسريع، فإن غزة ستتحوّل إلى مأساة إنسانية مفتوحة على كل الاحتمالات.

أما بالنسبة لترامب الذي يعتبر أن الصراع "منتهي" نحن نعتبر ما قال أكذوبة سياسية؟.

عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن "الصراع بين إسرائيل وحماس انتهى"، كان يتحدث بلغة المصالح الأميركية لا بلغة الواقع.

فالحقيقة أن الصراع لم ينتهِ ولن ينتهي، لأن جوهره ليس عسكرياً فقط، بل وجوديّاً وعقائدياً. إسرائيل لا تستطيع التعايش مع فكرة وجود مقاومة مسلّحة على بعد كيلومترات من تل أبيب، والمقاومة لا يمكنها القبول بوجود احتلالٍ يغتصب أرضها وحقها.

لذلك، من المرجّح أن نتنياهو سينكث بوعوده ويستأنف الحرب عاجلاً أم آجلاً، إما تحت ذريعة أمنية جديدة، أو بتحريضٍ أميركي صهيوني مشترك هدفه إعادة خلط الأوراق في المنطقة، خصوصاً مع تمدّد محور المقاومة من غزة إلى لبنان واليمن والعراق وإيران.

ختاماً أيها الإخوة البحر لم يبتلع غزة، بل ابتلع الاحتلال،

لقد قالها ذات مرة أحد المقاومين الفلسطينيين إن"البحر لم يبتلع غزة، لكنه ابتلع الاحتلال". هذه العبارة تختصر كل المشهد: فغزة لم تمُت رغم الركام، بل وُلدت من جديد، بينما الكيان الصهيوني يغرق في أزماته الوجودية والسياسية والاقتصادية. غزة اليوم ليست رقعة جغرافية محاصَرة، بل رمز عالمي للصمود والإرادة والكرامة الإنسانية.

وإذا كانت الحرب قد كشفت عجز الآلة العسكرية الصهيونية، فإنّ ما هو قادم سيكشف عجز المشروع الصهيوني برمّته أمام شعوب المنطقة التي باتت تدرك أن المقاومة ليست خياراً، بل قدر الشعوب الحرّة في مواجهة الاستعمار الحديث بثوبٍ صهيوني.

 

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد