صوت الوطن
كتب رياض الفرطوسي
في الحادي عشر من تشرين الثاني 2025، يتهيأ العراق لتجربة انتخابية جديدة، تُعيد فتح أبواب الأمل أمام الشعب ليثبت أن الديمقراطية لا تُمنح، بل تُصنع بإرادة الناس وإصرارهم على التغيير. إن المشاركة الانتخابية ليست مجرّد إجراء روتيني، بل هي إعلان حيّ عن وعي المواطن بقدرته على رسم ملامح المستقبل، وتأكيد على أن صوت الفرد، حين يُدرك قيمته، قادر على أن يغيّر وجه المعادلة السياسية كلها.
لقد أدركت الشعوب التي تسير على نهج الديمقراطية أن نزاهة الانتخابات وعدالتها هي أساس الثقة بين المواطن والدولة، وأن الشعور الحقيقي بالتأثير لا يتأتى إلا من انتخابات تُجرى وفق القانون والدستور، بعيداً عن التزوير أو التهميش. فحين يشعر الناخب بأن صوته يُسمع، وأن إرادته تُحترم، تتجذر الديمقراطية في وعي الأمة وتتحول من شعارات إلى ممارسة واقعية.
أما حين يفقد الناس ثقتهم في وعود ممثليهم، أو يشهدون انحرافهم عن طريق الخدمة العامة، فإن الإحباط يتسلل إلى النفوس، ويبدأ الإيمان بجدوى المشاركة بالتراجع. وهنا تكمن الخطورة، لأن غياب الثقة لا يضعف الانتخابات فحسب، بل يضعف روح الوطن ذاته.
إن عراق اليوم بحاجة إلى مشاركة واسعة وواعية، مشاركة تنطلق من شعور بالمسؤولية لا من رد فعل عابر. فالمشاركة ليست واجباً وطنياً فقط، بل هي موقف فكري وأخلاقي، يُعبّر فيه المواطن عن إيمانه بأن التغيير لا يأتي من الخارج، بل من إرادة الناس أنفسهم.
ولكي تكون هذه الانتخابات نقطة تحوّل حقيقية، لا بد أن يحسن الناخب الاختيار، وأن يقرأ جيداً برامج المترشحين وتاريخهم ومواقفهم. فالتصويت ليس مجاملة، ولا انتقاماً، بل قرار مصيري يحدد شكل الدولة واتجاهها لسنوات قادمة.
الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، بل ثقافة تُبنى بالصبر والمعرفة والوعي. وهي لا تزدهر إلا حين يدرك الناس أن أصواتهم ليست أرقاماً، بل مسؤوليات. في 11 تشرين الثاني، سيكون كل عراقي أمام مرآة ضميره، أمام سؤال بسيط وعميق في آن واحد: أيّ عراق نريد؟
ليكن الحبر الذي يخط به الناخب اسمه على ورقة التصويت، حبرَ التزامٍ ووعيٍ وكرامة. فالأوطان لا تنهض بالخطابات وحدها، بل بأصوات تؤمن أن الغد يمكن أن يكون أجمل إذا شارك الجميع في صنعه.