كتاب واراء

الانتخابات النيابية اللبنانيّة وعود رسمية بـ«الاستحقاق في موعده» وحراك سياسي داخلي يدفع باتّجاه تأجيله!.

كتب إسماعيل النجار،،

 

الانتخابات النيابية اللبنانيّة وعود رسمية بـ«الاستحقاق في موعده» وحراك سياسي داخلي يدفع باتّجاه تأجيله!.

تتصاعد الخلافات السياسية حول مصير الانتخابات النيابية المقررة ربيع 2026. على المنابر الرسمية والجماهيرية ويتكرّر التأكيد على وجوب إجرائها في موعدها الدستوري، لكن في «الستوديوهات الخلفية» وفي أروقة البرلمان ثمة مناورات ومهادنات سياسية قد تُفضي عملياً إلى تأجيل الاستحقاق أو عرقلته. في هذا التقرير نرصد المواقف الرسمية والوقائع البرلمانية، ونقّيم قدرات الأطراف المتنازعة انتخابياً في مختلف المناطق، مع التركيز على التناقضات بين ما يُصرّح به «السياديون» وبين ما تُنقله الوقائع الميدانية والسياسية، حيثُ الأمور معلنة... والوقائع مختلفة!.

الحكومة اللبنانية ومراجع رسمية تؤكد أن الانتخابات مقرّرة في ربيع 2026، وأن إجراءات تسجيل المغتربين والآليات اللوجستية تُعدّ لهذه الغاية وهو ما أكدت عليه إدارات الوزارات المعنية وإعلانات التسجيل للمغتربين. هذه المواعيد الرسمية تُستخدم تبريراً لخطاب «الالتزام بالدستور» من قبل العديد من الأحزاب. 

لكن الخلاف القانوني حول قانون الانتخاب وبنود مثل اقتراع المغتربين أثار موجات توتّر برلمانية أدّت إلى طيّ جلسات أو سقوط نصابها، وسحب جلسات كانت مقررة لعرض قوانين أو إجراءات تحضيرية لعملية الاقتراع، ما فتح باب التكهنات بشأن إمكانية تعطيل المسار الانتخابي بحجّة «إصلاح القانون» أو «عدم وجود توافق على آليات التصويت». هذا الخلاف البرلماني بات ممكناً أن يتحوّل من نقاش تقني إلى وسيلة لتعطيل التحضيرات. 

من الذي يقول إنه ضد التأجيل ومن يُتهم بالسعي إليه؟.

القوات اللبنانية وغيرُها من قوى تعتبر نفسها «سيادية» أعلنوا مراراً رفضهم لأي تأجيل؛ وحملاتهم الإعلامية تتحدث بأنهم يتمسّكوا بخوض المعركة في موعدها وضمناً يناقشون الحاجه لتأجيلها؟.

في المقابل وبعكس الاتهامات المتبادلة بين الطرفين ثمة تقارير وتحليلات تشير إلى أن جهات عدة (من ضمنها أحزاب تقليدية ومنتمون إلى محور «التيار الثنائيّ الشيعي» أو مستقلون يخشون خسارة مقعد في جبيل) تُقيم حسابات سياسية قد تفضي إلى الدعوة لتأجيل أو تجميد بعض الإجراءات انتخابياً. بين هذه الاتهامات تصريحات متبادلة ونفيّات رسمية من جهات مثل «القوات» التي نفت أنها تسعى للتأجيل واعتبرت أن من يروّج لذلك هم خصوم سياسيون. 

بعبارة أخرى الموقف العلني يُطالب بإجراء الانتخابات، ولكن سلوك بعض الكتل والنزاعات حول قانون الانتخاب وأجندة جلسات البرلمان يُنتج نتيجة عملية قد تُبطئ أو تعرقل الاستحقاق إن استمرّت هذه المراوحة. 

على الأرض من يملك أكثرية التأثير وكم من المرجح أن يخوض المعركة بقوة؟

حزب الله وحركة أمل: يظهران استعداداً عملياً لخوض المعركة الانتخابية، مع قدرة تعبئة قويّة في مناطق الجنوب، البقاع وبعض ضواحي بيروت. مؤشرات الاستحقاقات المحلية والبلدية الأخيرة ووجود شبكات خدماتية واجتماعية يوفّران قاعدة انتخابية متماسكة نسبيّاً، ما يضعهما في موقع ثقة تجاه خوض الاستحقاق إن أقيم في موعده. كما تواكب الجهات المحيطة بهما تحضيرات ميدانية وإعلانية مبكرة. 

التيار الوطني الحرّ والكتائب والقوات اللبنانية: القوى المسيحية الرئيسية في المشهد تظهر منقسمة التحالفات داخلها وخارجها. «والقوات» تصرّ على المضيّ في الانتخابات علناً، لكن سجالاً داخلياً وإقليميّاً (خاصةً مع سُنّة لا تتطابق مواقفهم الخارجية بشأن حرب غزة) يجعل التحالفات الإقليمية والمحلية أقل ثباتاً مقارنةً بالبيئة الداعمة للثنائي الشيعي. أما تقاطعات المصالح مع «التيار» والكتائب وبعض القوى السُنيّة قد تصعّب تشكيل قوائم متجانسة في دوائر حسّاسة، وهذا ما ينعكس على احتمالات الفوز الضئيله. 

الخصوم المستقلّون واللوائح المدنية سجّلت حظوظ متباينة. بعض القوائم المدنية تبرز في مدن بعينها، لكن غياب بنية حزبية وخدماتية قوية يقوّض فرصها في دوائر تقليدية يخترقها الناخبون الطائفيون أو الشبكات المحلية. وأن خريطة الإمكانيات حسب المناطق (بتقدير عام) مثل منطقة الجنوب والنبطية والضواحي الجنوبية الأفضلية فيها لمرشّحي الثنائي (حزب الله أمل) بفضل البنية الاجتماعية والخدماتية. في البقاع الغربي والشرقي منافسة قوية بين حلفاء الثنائي ومرشّحين محليين عائليين ستكون النتيجة مرهونة بقوّة التحالفات المحلية. 

في جبل لبنان وبيروت ساحة صراع معقدة المسيحيون السياديون يسعون لحجز حصّة أكبر، لكن النفوذ الطائفي والتحوّلات المحلية قد تمنع تحقيق اختراقات كبيرة دون تحالفات محسوبة. 

أما في الشمال (طرابلس والقضاء الشمالي): تتشابك قوى محلية مع مرشّحين عائليين؛ ووجود أسماء سنية متباينة يمكن أن يؤثر على إمكانية تشكيل قوائم موحّدة ضد حلفاء المقاومة أو قوى أخرى.

من المشاهد المتكرّرة في المشهد اللبناني أن خطابات التمسّك بالمواعيد الدستورية تصدر علناً من جهات تُعارض سياسياً أطرافاً أخرى، بينما تُمارَس ضدّها سياسات من شأنها أن تُعرقل التحضير العملي للانتخابات (مثل تعليق جلسات مناقشة قوانين ضرورية، أو التحفّظ على آليات التصويت التي تراها بعض الكتل مهدِّدة لمصالحها). بعض المصادر الموثوقه رصدت محاولات لتسييس بند اقتراع المغتربين واحتمال أن يتحوّل إلى ذريعة لتعطيل جدول أعمال البرلمان أو عرقلته، وهو ما يتنافى مع ما يُعلَن من حبّ الاختبار الديمقراطي في العلن. هذا التباين بين الخطاب والممارسة هو ما يمكن أن يُسمّيَه البعض «ازدواجية الموقف» أو "كذب سيادي" إذا ما كان الهدف السياسي الحقيقي هو الاحتفاظ بمواقع عبر تأجيل الاستحقاق بدل خوضه. 

الوقائع السياسية تبيّن وجود خطر حقيقي لتعطيل أو تأجيل الانتخابات، وإن بقوا الجميع يظهرون «حنجرة التصريح» بأن الانتخابات ستُجرى. الاعتماد على النصوص الدستورية وحدها لا يكفي؛ العملية السياسية اليومية (جلسات البرلمان، التوافق على قانون الانتخاب، آليات تصويت المغتربين) هي التي ستحدد النتيجة العملية. 

حزب الله وحلفاؤه يملكون قدرة تعبئة ميدانية واضحة، ما يمنحهم ثقة في خوض الاستحقاق إن أُجريت، بينما تكافح القوى «السيادية» لتشكيل قوائم متماسكة أمام واقع تحالفات هجينة ومصالح متضاربة. 

الاعلام والمراقبة البرلمانية والمدنية يجب أن تتابع جلسات إقرار القوانين والآليات، لأن تعطيلها هو أقصر طريق عملي لتأجيل الاستحقاق، وحتى لو بقيت التصريحات الرسمية تؤكد موعده.

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد