هل التمييز بين أسر الشهداء السوريين واللبنانيين قانوني وأخلاقي؟
في لحظةٍ تاريخية يختلط فيها الدم السوري واللبناني في خندقٍ واحد، يصبح السؤال عن العدالة في معاملة أسر الشهداء والجرحى سؤالًا أخلاقيًا وقانونيًا في آنٍ معًا.
فقد دفعت عائلات سورية كثيرة، ومن بينها عائلات شيعية نزحت إلى لبنان قسرًا، ثمنًا باهظًا من دم أبنائها الذين قاتلوا في صفوف المقاومة. ومع ذلك، تفيد شهادات عديدة أن المخصصات المالية والرعاية الاجتماعية الممنوحة لهم لا تتجاوز 250 دولارًا شهريًا، بينما تحظى عائلات الشهداء اللبنانيين بمعاملة أكثر سخاءً وانتظامًا في الرعاية والمتابعة.
البعد القانوني والحقوقي
1. مبدأ المساواة وعدم التمييز
تنص المواثيق الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 26)، على أن جميع الأفراد متساوون أمام القانون ويستحقون حماية متكافئة دون أي تمييز على أساس الجنسية أو الأصل.
هذا المبدأ يجد صداه أيضًا في القانون الدولي الإنساني الذي يحظر التمييز بين المقاتلين وعائلاتهم بعد انتهاء النزاع.
2. الحق في الكرامة
الأسرة التي قدّمت شهيدًا أو جريحًا، أياً كانت جنسيتها، تتمتع بحقوق أصيلة في العيش بكرامة.
تجاهل هذه الحقوق أو تقليصها إلى مجرد إعانة رمزية، يُعدّ انتقاصًا من قيمة التضحيات، بل وإساءة إلى مفهوم الشراكة في المقاومة.
3. المسؤولية الأخلاقية للمؤسسات
حين ترفع أي جهة راية المقاومة، فهي لا تمثل شعبًا واحدًا بل تمثل قضية جامعة. وعليه، فإن الوفاء لدماء السوريين واللبنانيين سواء يجب أن يكون معيارًا ثابتًا.
التمييز يهدد النسيج الاجتماعي والبيئة الحاضنة، ويزرع شعورًا بالغبن والخذلان.
البعد الاجتماعي والسياسي
البيئة السورية الشيعية التي هجرت إلى لبنان لم تكن خيارًا حرًا، بل جاءت تحت ضغط الحرب والاضطرار. هذه البيئة قدّمت أبناءها صفًا واحدًا مع أبناء لبنان، ما يجعل المساواة في الرعاية شرطًا لبقاء الثقة.
إهمال هذا الجانب يفتح الباب أمام فقدان الحاضنة الشعبية، ويمنح خصوم المقاومة مادة جاهزة للطعن في صدقيتها.
سؤال أعلى من كل الأصوات
هل يجوز أن يُختزل دم الشهيد السوري إلى ٢٥٠ دولارًا، بينما يُعامل الشهيد اللبناني بمعايير مختلفة؟
وهل ينسجم هذا مع شعارات الوحدة والمقاومة والكرامة التي ترفعها المؤسسات؟
نحو مقاربة عادلة
المطلوب وضع آلية شفافة وموحّدة لرعاية أسر الشهداء والجرحى، بغض النظر عن جنسية الشهيد.
إشراك لجان مستقلة من القانونيين والحقوقيين للإشراف على هذه الملفات.
إعلان تقارير دورية حول أوجه الدعم المقدم، كي لا تبقى هذه القضايا في دائرة الغموض.
خاتمة
إنّ التضحيات التي قدمها السوريون واللبنانيون معًا لا يجوز أن تُجزأ أو تُصنّف بحسب الجنسية. فالمقاومة التي تبنى على التضحية المشتركة، يجب أن تصان بالعدالة المشتركة. وأيّ تمييز أو إهمال في هذا السياق، لا يطعن فقط بكرامة الأسر، بل يضعف صدقية الخطاب المقاوم بأسره.
---
✍️ بقلم: [ خولة جعفر علي / سورية لبنانية ]