*اصبحنا كالموسيقى العراقية يسكن الشجن ارواحنا المثقلة بالحب.*
دعونا نكتب الحب في زمن الحرب، ربما تستيقظ الحياة فينا.
*كتب: ناجي علي امهز*
"لم أعد أعرفني بعدكِ... صرتُ ظلاً يبحث عن جسده."
حين يفيض بي الشوق إليكِ، لا أفتّش عن طيفكِ في الصور،
ولا أذهب إلى مقعدٍ يتيمٍ تركته يدكِ على قارعة المقهى،
بل أُغمض عينيّ... وأغوص.
أغوصُ في أغوار نفسي، حيث تسكنينَ أنتِ وحدكِ،
في تلك القِبلة القصيّة من روحي،
التي لم تُدنّسها خيانة الغياب،
ولم تُطفئ وهجها دهورٌ من الصمت.
أراكِ هناك، كما نقشتُكِ في الأزل،
تضحكين لي...
وأنا أبتسم كطفلٍ يتيمٍ وجد أُمَّه،
كأنّ الزمنَ توقّف،
وكأنّ الفراق محض أُسطورةٍ يرويها الغرباء،
وكأننا ما زلنا نُحب، ولا نخشى شيئًا.
**
كان كلّ شيءٍ فيكِ كونًا...
أصابعكِ، حين كانت تُروّض شياطين روحي،
همسكِ، حين كان يُسكِت عويل قلبي،
عيناكِ، اللتان لم تكونا مرآتي فحسب،
بل كانتا سماواتي وأرضي...
وصوتكِ، ذاك النهر السماويّ الذي كان يصبّ في صحراء حلقي، فيُنبِت القصائد.
**
أتذكرين؟
لم نكن نحلم... لأن الحلم كان هو يقظتنا،
لم نكن نُخطّط... لأننا كنا نعيش الدهشة ذاتها،
كما تعيش الزهرة في كنف المطر،
والشجرة في طمأنينة الأرض،
والروح في جسدٍ لم يعرف بعد معنى الفقد.
لم تكن بيننا إجابات أو أسئلة،
لم يكن هناك يقين أو ميعاد،
لكننا كنا نعرف، أننا وُجدنا لنكون معًا.
**
ثم افترقنا...
وصرتُ أحمل ذكراكِ كجرحٍ مُقدّسٍ ومفتوح،
لا أجرؤ على مداواته...
أخشى إن اندمل، أن تندملي أنتِ معه.
صرتُ أبحث عنكِ في أصداء الأصوات،
في هيئة امرأةٍ عابرةٍ تشبهكِ من بعيد،
في عطركِ الذي لم يزل محفورًا محمولًا في ذاكرة الريح،
في الأغاني التي كانت تُحييني بكِ،
وصارت تذبحني حنينًا إليكِ.
**
الكل من حولي استعاد حياتَه بعد قصةِ حبٍّ عاصفة،
إلا أنا...
فقد صرتُ العاصفة ذاتها،
قصةَ حبٍّ ما زالت تكتب فصل الرحيل الأبدي،
وأنا... عاجز عن وضع النقطة في آخر السطر.
أحيانًا، أوهمُ نفسي أني نسيت،
ثم تأتيني لمحة، كلمة، نغمة،
فتهدِم كل قلاع النسيان التي بنيتُها من رماد.
كيف ينسى البحرُ ملوحته؟
كيف ينسى القلبُ خفقته الأولى؟
وكيف ينسى مُتعبّدٌ من كانت قِبلتَه، وقيامته، وحياته؟
**
أشتاقكِ حدّ الغرق،
وأُحبكِ حدّ النزيف،
وأفتقدني فيكِ كما يفتقد الفجرُ شمسه، بصمتٍ ووجل.
أعيش بكِ...
وأموت دونكِ،
وفي كل لحظة بين الحياة والموت،
أسير إليكِ في دربٍ لا ينتهي،
ولا أصل.
**
فإن رأيتِني شاحبًا، منكسِرًا، أو حتى نشيطًا أضِج بالحياة،
فلا تظنّي أني نسيت...
أنا فقط أُنهِكتُ...
تعب قلبي، وجفّ دمعي، من الصراخ في فراغٍ لا يُسمَع فيه الصوت،
من كل يومٍ يبدأ وينتهي، ولم تكوني فيه.
**
وإن سألوكِ عني،
قولي لهم:
"كان يحبني، يعشقني حتى الفناء،
لكنّه وحده...
من دفع ثمن البداية."
أرجو أن تكوني بخير.
وعند المغيب، إن مرّ بكِ طيفُ فراغ، فاذكريني.
أما أنا... فأنتِ الزمن كلّه الذي أعيش فيه.