سعيد فارس السعيد – كاتب وباحث استراتيجي سوري مستقل
منذ أن وُجدت الحروب، كانت الغنائم أحد أبرز دوافعها ونتائجها. وقد لعبت دورًا مركزيًا في فهم العلاقة بين القتال والثروة، ليس فقط كتحصيل للغنائم بل أيضًا كوسيلة لإعادة توزيعها، أحيانًا بعنف، وأحيانًا باسم القانون أو الدين.
في هذا المقال، نستعرض تطوّر مفهوم الغنائم تاريخيًا، من عصور ما قبل الإسلام، مرورًا بالقوانين الوضعية، وانتهاءً بالتشريع الإسلامي، دون الغرق في متاهات الطائفية أو الخطابات المذهبية.
◉ أولًا: الغنائم في عصور ما قبل الإسلام
في العصر الجاهلي، كانت الغزوات سلوكًا شائعًا بين القبائل العربية، تهدف إلى نهب الماشية والمؤن والنساء. وكانت الغنائم تُوزع بحسب قاعدة "من قاتل غنم"، دون قانون أو معيار أخلاقي، بل كانت القوة وحدها تُحدّد الحقوق.
وقد مجّد شعراء الجاهلية هذا النمط من القتال والغزو، حتى صار مظهرًا من مظاهر الشرف والبطولة القبلية.
◉ ثانيًا: الغنائم في الفكر الإنساني والقوانين الوضعية
في الإمبراطوريات القديمة، مثل الفارسية والرومانية، كانت الغنائم تُعتبر ملكًا للدولة، وتُوزع وفقًا لهرم السلطة. ومع تطوّر القانون الدولي في العصر الحديث، ظهرت اتفاقيات لاهاي وجنيف التي جرّمت النهب، وحدّدت شروط الاستيلاء المشروع على ممتلكات العدو، لكن واقع الحال أن القوى الكبرى ما زالت تمارس "تقاسم الغنائم" تحت مسميات سياسية ناعمة مثل "حماية المصالح" أو "إعادة الإعمار".
✅ ما هي غنائم الحرب؟
غنائم الحرب هي الممتلكات والأموال والأسلحة والأسرى والموارد التي تُستولى عليها من العدو بعد انتصار عسكري. وتشمل:
الأسلحة والمعدات العسكرية.
الأراضي والموارد الطبيعية (في بعض الحروب).
الأموال والممتلكات الخاصة أو العامة.
الأسرى أو العبيد (في الحروب القديمة).
الممتلكات الثقافية والفنية أحيانًا.
✅ من يقرر غنائم الحرب؟
القيادة العسكرية المنتصرة: هي من يقرر الاستيلاء على الغنائم، وتوزيعها أو مصادرتها.
القيادة السياسية: في الدول الحديثة، تكون الحكومة أو القائد الأعلى للقوات المسلحة
(رئيس الدولة أو وزير الدفاع) من يتخذ القرار بناءً على أهداف سياسية.
القانون الدولي: اليوم، تحكم اتفاقيات جنيف ولاهاي هذا الموضوع، وتمنع بشكل صارم نهب الممتلكات أو استعباد الأسرى.
✅ كيف تكون؟ (بأي شكل؟)
الغنائم يمكن أن تكون:
مادية: كالدبابات والطائرات والذخيرة والأموال.
غير مادية:
مثل السيطرة على الموانئ، المطارات، الشركات الكبرى، أو حتى النفوذ السياسي.
رمزية:
أعلام العدو، أو آثار وطنية تعني شيئًا معنوياً.
✅ متى تكون؟
(في أي مرحلة؟)
بعد الحسم العسكري المباشر، حين تتوقف المقاومة الفعلية من العدو.
أثناء الاحتلال المؤقت، حيث يُفرض السيطرة ويُنهب أو تُصادر الممتلكات.
عند توقيع اتفاقية استسلام أو هدنة، حيث يُمكن أن تُقر الغنائم أو يُعاد بعضها.
✅ ممن تؤخذ؟
من الدولة المهزومة: سواء من جيشها أو ممتلكاتها العامة.
أما من المدنيين
(يعد انتهاكًا للقانون الدولي المعاصر).
في الحروب القديمة، كانت تؤخذ من كل ما يقع تحت السيطرة، دون تمييز.
✅ ملاحظات مهمة
(في سياق الحديث):
1. القانون الدولي الإنساني يُدين النهب ويمنع استعباد الأسرى أو مصادرة ممتلكات المدنيين.
2. الغنائم لم تعد قانونية في معظم حروب اليوم، وأي استيلاء يُعد "جريمة حرب".
3. بعض القوى العالمية تغلف الغنائم بغطاء سياسي واقتصادي، مثل السيطرة على موارد النفط أو شركات كبرى بعد غزو.
---
◉ ثالثًا: الغنائم في التشريع الإسلامي
✦ أولًا: تعريف غنائم الحرب شرعًا
الغنيمة في الإسلام هي ما يُؤخذ من أموال العدو الكافر في حرب شرعية أُعلنت من قبل إمامٍ شرعي، وتم خوضها دفاعًا عن الأمة، وبشروط وضوابط صارمة.
قال تعالى:
> "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ..."
[الأنفال: 41]