*بقلم: ناجي علي امهز*.
لم أتفاجأ بإعادة تفعيل قانون قيصر الذي أعاد سوريا إلى نقطة الصفر بعد أزمة السويداء الدامية، والذي أعده فريق ترامب وأضاف إليه حماية الأقليات ومحاكمة مجرمي الإبادات ووقف جميع الاستثمارات في سوريا لمدة عامين.
ولكني أردت أن أسلط الضوء على أهم نقطة في الإضافات وهي "وقف جميع الاستثمارات في سوريا لمدة عامين"، فهذه هي النقطة الأساسية التي أريد التحدث عنها لأنها كانت العمود الفقري لحراك باراك السياسي المعلن والمبطن باتفاقيات استثمارية.
كان باراك يعتقد أن بقاء أحمد الشرع وتفعيل نفوذه في المنطقة خاصة انه يحظى بدعم بعض الدول العربية المعنية مباشرة باعادة اعمار سوريا وهي على تناقض تاريخي مع تركيا، سيمنحه دورًا أكبر من الدور التركي، وبهذا الفعل يمكن للشرع الوقوف بوجه المطالب التركية التي ترغب في الاستثمار في إعادة إعمار سوريا.
ومن الطبيعي بعد هذا القانون، أن نسمع من باراك ما سمعناه، ليس عبر الإعلام العربي الذي نسب إليه نظريات وروايات تقول إن حكومة الشرع لم تتورط بأحداث السويداء.
ما صرح به المبعوث الأمريكي كان واضحًا للغاية: "يجب محاسبة الحكومة السورية"، ومقولته هذه هي اعتراف علني منه بفشله في مهمته، وهو الذي كان يعتقد أن نفوذ الشرع سيصل إلى طرابلس في لبنان.
اليوم لم يعد لباراك ما يقوم به في لبنان ولا حتى في سوريا، أما بقاؤه سفيرًا لأمريكا لدى تركيا فالأمر مختلف.
كان لباراك من خلال حراكه بين سوريا ولبنان هامش من التأثير وإن كان ممنوعًا عليه الكلام، أما في تركيا فإن مهامه تقتصر على الزيارات وعقد اللقاءات الرسمية فقط، ولا علاقة له بالسياسة الأمريكية التركية التي تُنسق وتُرتب ضمن فريق خاص بالملف التركي، وهو المكلف بمهام إدارة العلاقات العسكرية والأمنية مع تركيا منذ عقود، وربما لا يخضع الملف التركي حتى للرئاسة الأمريكية المباشرة نظرًا لتعقيدات الدور التركي المركزي والكبير في المنطقة.
وأنا اليوم أتمنى وأوجه رسالة إلى توم باراك ذي الأصول اللبنانية، بأن يكون ما قاله عن طرابلس الشام نابعًا من دافع وطني لتحذير لبنان مما هو قادم عليه، وأنه دفع ثمن هذا الوضوح في كلامه، وهكذا وإن خسر الملف الاقتصادي فإنه لم يخسر جذوره اللبنانية، وهو يدرك أن التاريخ يسجل ويحفظ.
ما حصل في السويداء قلب الطاولة على مشروع كبير للغاية كان يُعد للأقليات في المنطقة، وأظهر وحشية في المنطقة في حال تبدلت موازين القوى على ما هو سائد منذ نصف قرن.
نحن نتحدث عن مجزرة موثقة أودت بحياة مئات الضحايا من أبناء السويداء، بينهم نساء وأطفال أُعدموا ميدانياً في بيوتهم، في هجوم وحشي استمر لساعات على أطراف المحافظة. لقد أثبتت هذه الكارثة أنه لو تمكن المهاجمون من السيطرة على المدينة لأيام، لكانت المجازر قد حصدت أرواح الآلاف من أبناء الطائفة الدرزية.
نحن نتحدث عن مدينة منكوبة بكل ما للكلمة من معنى، وخسائر تجاوزت ملايين الدولارات في مناطق فقيرة نسبيًا وبيوت متواضعة وتقليدية، فكيف لو حصل هذا الفعل في مدينة مثل طرابلس أو بيروت والكورة أو زغرتا حتى جونيه.
نحن نتحدث عن هجوم شنته مجموعات إرهابية أظهرت قدرة على إحداث دمار هائل وقتل جماعي في ساعات قليلة، حتى في مناطق يُفترض أنها تمتلك بنية عشائرية قادرة على المواجهة. وإذا كانت مناطق أخرى في سوريا قد شهدت القدرة على حشد عشرات الآلاف من المقاتلين في معارك مختلفة، فهل يمكن أن نتصور ما قد يفعله بعض النازحين السوريين في لبنان لو تم استغلالهم، وهم منتشرون أصلًا بين البيوت ويعرفون الطرق والممرات وعدد سكان الأبنية وربما أوضاع كل شخص المالية وما يتواجد في منزله.
هناك أمور يجب معالجتها بصورة سريعة من قبل الجهات المختصة، لأنه في الختام حتمًا سيقع المحظور، فنحن نعيش بين قنابل موقوتة، وربما هذه الفئات لا تحتاج إلى أوامر مباشرة من جهات خارج لبنان، فربما العوامل النفسية والدينية قد تؤدي إلى انفجار لن يبقي من لبنان أي شيء.
بالختام على اللبنانيين انتظار المبعوث الجديد للإدارة الأمريكية، مع العلم أن لبنان، ولو على سبيل المزاح، قد أصبح مقبرةً للمبعوثين الأمريكيين. وربما تحول إلى لعنة سياسية تلاحق ساسة الإدارتين الأمريكية والفرنسية على حد سواء؛ فهؤلاء المبعوثون يأتون إلى لبنان ويغادرونه دون أن يدركوا حقيقة ما جرى أو ما أنجزوه، ليعود كل واحدٍ منهم إلى بلاده وهو يعتقد أنه يحمل سلةً ممتلئة بالماء.