كتب إسماعيل النجار
في خضم الأزمة اللبنانية الشاملة، المتعددة الوجوه والطبقات، يبرز الوجود الشيعي كعنصر مركزي في المعادلة الداخلية اللبنانية والإقليميه كقوة لا يُمكن القفز فوقها أو تجاوزها، سواء في السياسة أو الأمن أو حتى الاجتماع اللبناني. غير أن هذا الوجود بعد الذي جرى في حرب أل ٦٦ يوم بات محاطاً بأسئلة كبرى هي،، هل ما زال الشيعة يمتلكون إرادة القتال؟ ما مصيرهم إذا أخطأوا وسلّموا سلاحهم؟ هل سيتحولون إلى ضحايا جديدة لمذابح متجددة على يد التكفيريين كما حصل في محطات تاريخية قريبة وبعيدة؟
أمر يعيشه شيعة لبنان ممزوج بالثقه والقلق حسب المزاج النفسي الشيعي،
الطائفة في لبنان تعيش اليوم بين ضفّتين: الأولى، هي الثقة الراسخة التي منحها حزب الله لجمهوره، بفعل قوته العسكرية، وبنيته العقائدية، وانتصاراته في الداخل والخارج، لا سيما في مواجهة إسرائيل وتنظيمات إرهابية كداعش والنصرة.وضفة ثانية، هي هاجس وجودي يتجدد كل مرَّة فيه شعور بالتآمر الإقليمي والدولي ضد بيئة "المقاومة"، وخوف من حصار مالي وعقوبات أشد مما يحصل اليوم، وقلق من حملة داخلية هدفها نزع السلاح، ليس لمصلحة الدولة وحصرية السلاح، بل تمهيدًا لعزل الطائفة أو تصفيتها ضمن معادلات قادمة مرسومة مسبقاً.
هذا التوتر النفسي ليس وهماً. بل هو نتاج ذاكرة جَمَعِيَّة محمّلة بالتهميش والتنكيل والمجازر، من صبرا وشاتيلا، إلى تفجيرات الثمانينات، إلى حرب تموز، وصولاً إلى تجارب جيران الطائفة الذين ألقوا سلاحهم فدُفعوا نحو الذبح والتشريد. لذلك يعيش حزب الله بين بقاء السلاح الضامن والضمانة المفقودة؟ إذ لا يمكن فهم وضع الشيعة الأمني والعسكري من دون المرور بحزب الله، هذه القوة المنظمة التي تتجاوز الجيش اللبناني من حيث الجهوزية والتجربة والإيمان العقائدي. الذي تحوّل في نظر بيئته، من تنظيم مقاوم إلى ضمانة وجود. فمن وجهة نظر الشيعة، السلاح ليس عبئاً، بل صمام أمان ضد أي مشروع إقليمي أو داخلي يُريد إلغاءهم أو تحجيمهم. فكل الدعوات التي تُطلق لنزع سلاح الحزب، دون وجود مشروع وطني جامع، يُقرأ داخل الطائفة بفهم هادئ يعتبر كإعادة إنتاج لنكبات التاريخ، لا كبوابة لبناء دولة وأكثر من ذلك، يتساءل كُثر في الجنوب والبقاع هل المطلوب نزع سلاح حزب الله لإقامة دولة عادلة؟ أم تمهيداً لمذبحة مذهبية إذا ما وقع الانهيار الكامل؟
أسئلة شرعيه ماذا لو أخطأ الشيعة وتخلّوا عن سلاحهم؟ هذا هو السؤال الأخطر. ويكمن الجواب في تجارب حيّة ما زالت تنزف، في العراق، حين تم نزع السلاح من فصائل شيعية في مناطق سنّية وقعت مجازر متتالية بحقهم، من تلعفر إلى الموصل. في سوريا، حين وقعت مناطق درزية تحت سيطرة "جبهة النصرة" في ريف إدلب ارتُكبت مجازر بحقهم يندى لها جبين الإنسانيه، وذُبحت النساء أمام أطفالهن. من يقود تلك المجازر حينها هو نفسه أبو محمد الجولاني الذي أصبح أحمد الشرع، الذي تحوّل من زعيم إرهابي إلى نجم إعلامي برعاية أميركية، يعلن صراحةً أن مشروعه القادم هو "تحرير لبنان من هيمنة الشيعة". بالأمس مجزرة العلويين من بانياس الى طرطوس الى غرب حماه.ومجازر السويداء التي لا تزال حاضرة وتتزايد كل يوم؟، ألم تكن تلك المذابح درساً قاطعاً بأن مَن يسلّم سلاحه في هذا الشرق وكأنه يُسلّم رقبته؟ فما جرى للدروز في إدلب والسويداء هو جرس إنذار للشيعة في لبنان، أن لا مصير محمود لمن لا يملك قوة الردع، وأن الوجود لا يُصان بالحياد وحده، بل بالتوازن الرادع.
البعض يسأل ما هو مصير الشيعة بعد إلقاء السلاح.. هل يُذبحون؟ للوهلة الأولى قد يبدو الطرح صادمًا، لكن التاريخ اللبناني ليس بريئًا فحارة الغوارنة وبياقوت ومخيم الضبيه والكرنتينا والنبعه وتل الزعتر مليئة بالحكايات الدموية.وإذا افترضنا، جدلاً، أن حزب الله سلّم سلاحه،، هل ستكون هناك ضمانة دستورية للطائفة الشيعيه؟ أم سنعود إلى عصر "التهميش النيابي والسياسي" كما قبل الطائف؟ ناهيك عن المذابح التي ستفتك بها من الجولاني وغيره؟ أيضاً هل سيتم دمج شبان الحزب في الجيش؟ أم تصفية البنية التنظيمية وتجفيف المؤسسات؟
هل ستتحول الضاحية والجنوب والبقاع إلى مناطق منكوبة أمنيًا بفعل تصفيات داخلية وعمليات انتقام، تحت غطاء "محاربة الميليشيات"؟
أيها الإخوة نحن لا نتحدث عن خيال، بل عن مخاوف عقلانية تعكسها تطورات الإقليم: من اليمن إلى غزة، ومن العراق إلى سوريا. حيثما ضَعُف الحليف الإيراني، وقعت الطوائف المرتبطة به في مجازر وتصفية دموية. العقلاء يُحذّرون.. لا حلول بلا عقد وطني جديد
وإن أي تفكير جدي في نزع السلاح لا يمكن أن يتم إلا ضمن مشروع وطني شامل، يقوم على بناء جيش قوي قادر أن يحمي الحدود ويضبط الوضع الداخلي وهذا ممنوع عليه! والحصول على ضمانات دولية ومحلية ومع ذلك غزة أكبر شاهد على ضماناتهم!
ismail najjar:
بناء قضاء مستقل يضمن عدالة المحاسبة لا استنسابها.وصياغة عقد اجتماعي جديد يضمن الشراكة لا الخضوع. وإن لم يتحقق ذلك ولن يتحقق، فإن أي خطوة نحو نزع السلاح تعني ببساطة دفع الطائفة الشيعية إلى حافة الخطر، وربما حافة الانفجار.
في خلاصة الأمر أيها الأحِبه السلاح ليس قداسة لكنه ضرورة وجود لنقلها بصراحة، لا أحد يريد حمل السلاح إلى الأبد. ولا طائفة تحبّ أن تعيش تحت هاجس الاستهداف الدائم. لكن في بلد كلبنان، وفي إقليم مشتعل، فإن السلاح ليس شعارًا طائفيًا، بل ضرورة بقاء.
ومنع يتجاهل هذه الحقيقة، إما جاهل بالتاريخ، أو جزء من مشروع تدمير متكرر بأقنعة جديدة.
لن نترك السلاح...