للكاتب الباحث
سعيد فارس سعيد
القديس مار مارون يُعدّ من أبرز الشخصيات الروحية في تاريخ المسيحية الشرقية، وقد عاش في القرن الرابع الميلادي متنسكًا في براري شمال سورية،
أسّس نهجًا روحيًا زاهدًا كان نواةً للمدرسة المارونية التي تطوّرت لاحقًا إلى الكنيسة المارونية.
وتُجمع الدراسات التاريخية على أن ضريحه يقع في قرية براد، شمال غرب مدينة نبل، في محافظة حلب – سورية، حيث لا يزال الموقع يُعد مزارًا هامًا ذا رمزية دينية وروحية كبيرة.
وقد سطّر التاريخ الحديث بمدادٍ محبة وتقدير، لسابقة فكرية فريدة من نوعها، تمثّلت بقيام الكاتب والباحث سعيد فارس سعيد، الذي وُلد وعاش في مدينة نبل وهي بيئة إسلامية شيعية،
بإعداد دراسة موثقة وموسّعة عن بدايات تأسيس الكنيسة المارونية، انطلاقًا من نشأة وجذور القديس مار مارون. وقد تُوّج هذا الجهد بصدور كتابه المرجعي:
"أضواء على الكنيسة المارونية – مار مارون: النشأة والجذور"
(الطبعة الأولى – بداية العام 2000)
هذا العمل لا يُمثّل فقط مساهمة بحثية رصينة في تاريخ الكنيسة المارونية،
بل يُشكّل جسرًا روحيًا وثقافيًا بين مكونات الشرق المتعددة، ويطرح في الوقت ذاته تساؤلاً مشروعًا:
> هل كان اهتمام الكاتب سعيد فارس سعيد نابعًا من جذور أسرته المارونية؟
أم أنه سعى لتسجيل سابقة ثقافية متميزة من داخل بيئة إسلامية تُقرّ بحرية المعتقد وتحترم الإرث الديني للآخر؟
السؤال يبقى مفتوحًا...
لكن الجواب الأعمق قد لا يُستخلص من التحليل وحده، بل من شخصية الكاتب ذاته، المعروف بصدقه وشجاعته ونزاهته الفكرية، وبدوره الريادي في الدعوة إلى التعايش والمصالحة الثقافية والدينية في مشرق تتقاذفه التمزقات والانقسامات.
---
إنّ القديس مار مارون لم يكن مجرد راهبٍ ناسكٍ في القرن الرابع الميلادي، بل كان محورَ تحوّلٍ روحيّ وثقافيّ في المشرق كله ،وقد شكّل تأثيره العميق، ومن تبعه من تلامذة،
الأساس الأول لتكوُّن الهوية المارونية، التي تحوّلت لاحقًا إلى كنيسةٍ فاعلةٍ في الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية في الشرق.
وإنّ الكاتب والباحث
سعيد فارس سعيد،
الذي وُلِدَ وعاش وترعرع في بيئةٍ إسلامية شيعية، قد قام بإعداد دراسة موسّعة وموثقة حول بدايات تأسيس الكنيسة المارونية، متتبعًا فيها نشأة وجذور القديس مار مارون، وسيرته الروحية المؤثرة، ومدرسته النسكية، والدور الذي لعبه تلامذته في ترسيخ دعائم الكنيسة الأولى، لا سيما في محيط نهر العاصي وشماليّ بلاد الشام.
وتأتي هذه الدراسة انطلاقًا من رؤية مشرقية وحدوية،
لا تنظر إلى التاريخ من زاوية طائفية أو دينية ضيقة، بل من منطلق حضاري وإنساني، يُعيد قراءة الجذور المشتركة لأبناء هذا الشرق، ويدعو إلى الاعتراف المتبادل، والحوار الثقافي، والانتماء إلى هوية مشرقية تتجاوز الانقسامات.
وقد سبق للكاتب
سعيد فارس سعيد
أن ألقى عدة محاضرات حول هذا البحث قبل طباعة الكتاب وإصداره، في عدد من المراكز الثقافية العربية في سورية، حيث عرض محتوى الكتاب أمام جمهور من المفكرين ورجال الدين والباحثين، ولاقى تفاعلًا واسعًا وتقديرًا لجرأته في الطرح وانفتاحه على المكونات الدينية المختلفة.
كما قام الكاتب بزيارة إلى لبنان بعد وفاة البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير،
حيث قدّم واجب العزاء للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي،
وأهداه النسخة الأصلية الأولى من كتابه قبل الطباعة وقبل الإصدار الرسمي،
في خطوةٍ حملت دلالات عميقة على احترامه للمرجعية الروحية المارونية،
وعلى إيمانه العميق بضرورة التلاقي الثقافي والروحي بين المسلمين والمسيحيين في هذا المشرق الجريح.
إنّ هذا الكتاب لم يكن محاولةً لتفسيرٍ دينيّ لاهوتيّ، بل مشروع فكري وتوثيقي يستند إلى مصادر تاريخية وسير قديمة، ويهدف إلى تقريب وجهات النظر، وتفكيك الصور النمطية، وإعادة اكتشاف الروابط العميقة التي تجمع بين أبناء المشرق رغم اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم.
---