*بعد قتل الاقليات .. تجريف الطبقة التجارية السنية .. تمهيدا للانتقام التركي من السنة العرب … فصل النصل عن مقبض السيف ..*
كتب نارام سرجون
ماذا ينفع نصل السيف الفولاذي من غير مقبضه؟ وماذا أنت فاعل بمقبض سيف لانصل له ؟؟ في أي مجتمع تكون هناك قوى تلعب دور النصل الفولاذي وقوى تلعب دور المقبض .. وانفصال النصل عن المقبض يعني أنك بلا سلاح .. مهما كان نوع فولاذك ..
والصيادون المحترفون يضعون في الفخ مايسيل له لعاب الطريدة .. أو يطلقون عليها الكلاب .. والصيادون الذين طاردوا الشعب السوري وأرهقوه بالحرب والفقر خلال 14 سنة وضعوا له في الفخ مالذ وطاب من الأحلام الوردية .. الحلم السني الجميل والتخلص من ايران وفكرة التشيع الوهمية وانهاء الفقر وانهاء الحصار والعودة الى الانفتاح على العالم والتمتع بالاحزاب الديمقراطية والتعددية وكأن المواطن السوري مواطن امريكي او سويدي أو كأن المواطن السويدي يدق على الطناجر في الحملات الانتخابية لأن لديهم عرعورا سويديا وأبو عمشة دنماركيا .. وكان منظر الاحتفالات غريبا ومناقضا للمنطق .. لانه في نظر العارفين رقص الأغبياء .. ورقص الطرائد التي دخلت القفص .. كل من شاهد السوريين يرقصون في الطرقات ويرحبون بالاحتلال لبلادهم على انه تحرير كانوا لايصدقون عيونهم .. العراقيون رقصوا للدبابات الامريكية التي حررتهم والسوريون رقصوا لسيارات الدوشكا التي دخلت دمشق برعاية سلاح الجو الامريكي والاسرائيلي اللذين تابعا كل سيارة دوشكا تحمل مقاتلي القاعدة وتحرير الشام وقدم لها الغطاء الجوي .. وكان الجيش السوري الذي يواجه هذه السيارات يتعرض هو للقصف .. وكان بعض المراقبين ممن يفهمون اللعبة الدولية يفتحون عيونهم دهشة وتتدلى فكوكهم أمام هذا الرقص الغريب والابرنشاق الجماهيري (السني) والترحيب بما يحدث .. كان يشبه كثيرا صياح الديك وخفقه لأجنحته ابتهاجا وهو يرى من يسن له السكين .. بل ان جورج غالاوي بعد عقود من الانخراط في الشأن العربي قرر أن ينسحب أمام هذا الغباء الذي لم يسبقه غباء .. حتى أعداء الشعب السوري أصابهم نوع من الاستغراب .. وأدركوا ان مافعله الاعلام بالعقل السني يستحق الاعجاب .. حتى أحال قسما كبيرا من أهل السنة الى أصدقاء لمن يريد ببلادهم شرا ..
الغريب ان ماكان يخشاه العدو هو أهل السنة في الشرق لأنهم الكتلة التي قادت المواجهة العسكرية مع الغرب منذ لحظة اعدام جمال باشا السفاح لمناضلي العرب يوم 6 ايار ورفع السنة لشعار (طاب الموت ياعرب) .. فمنذ تلك اللحظة قاد السنة العرب كل المواجهات مع الاستعمار العثماني والغربي .. وخاض السنة العرب كل حروب فلسطين .. وكان السنة العرب هم الكتلة الرئيسية التي نشأت منها الاحزاب القومية والوطنية الكبرى .. فالحزب القومي السوري رغم أن مؤسسه مسيحي الا معظم قادته ومنتسبيه كانوا من أهل السنة .. ورغم ان حزب البعث أسسه فكريا علوي ونظمه مسيحي فان القوة الحقيقية الفاعلة والضاربة فيه كانت من السنة العرب ..
القوى الاستعمارية أدركت ان عدوها الخطير هو التحالف بين أهل السنة وبقية المكونات في الشرق .. فالقوى التنويرية كانت تقودها المكونات غير السنية فيما تقدم الكتلة السنية الكتل الوطنية الضخمة الفاعلة و الاقتصاد المؤازر .. فالثورة السورية الكبرى قادها عسكريا درزي من الجنوب فيما كانت الكتل السنية الدمشقية الاقتصادية هي التي تمد الثورة بالمال والعتاد .. وفي ثورة الشيخ صالح العلي كان الفرنسيون يعرفون ان العلويين فقراء ولايقدرون على تمويل هذه الثورة وشراء السلاح لها بسبب الفقر المدقع في تلك الجبال .. ولكنهم اكتشفوا أن تمويل صالح العلي كان عن طريق ابراهيم هنانو السني الكردي وبعض برجوازية السنة في الشمال السوري ..
اليوم فصل المخططون والصيادون الذين اوقعوا بالطريدة بين أهم تحالف في الشرق وهو تحالف القوة السنية مع القوى غير السنية عبر لعبة مظلومية أهل السنة .. فكل الحديث عن مايسمى الثورة السورية رغم كل محاولات اضفاء الشعبية الشاملة عليها والباسها لجميع السوريين فان التحريض فيها والكلام كان يعمل على تصويرها على انها ثورة أهل السنة .. وهدفها اعادة أهل السنة للحكم واعادة الحكم لأهل السنة المظلومين المحرومين المقموعين .. وبذلك ولد وهم غريب لدى شريحة سنية كبيرة أنها معنية بالتخلص من حالة الحرمان والقمع وأن همها الوطني ليس في فلسطين او في الصراع مع الغرب بل في استرداد الهوية السنية عبر استرداد رمز الحكم في رئاسة الجمهورية .. رغم ان رئيس الجمهورية كان يصلي خلفهم في الجامع الأموي .. ونشيده الوطني أوي .. ورمم قبر معاوية عام 1972 مؤسس الدولة الاموية بعد ان كان مهملا من قبل العثمانيين لمدة 400 سنة .. وكان الرئيس الأسد يعتبر ان أموية دمشق هي بقوتها وسيطرتها على قرارها .. ورغم ان أولاده تزوجوا من أهل السنة .. ورغم انه رفض التطبيع مع اعداء الاسلام عموما (والسني خصوصا) وساند كل من يعمل على تحرير فلسطين واستقبل كل من أراد دعم فلسطين .. ففلسطين في الحقيقة هي اهانة للجميع ولكنها اهانة في منتهى القسوة لأهل السنة .. فالفلسطينيون سنة في معظمهم والمسجد العمري رمز للسنة ودخول القدس أثناء الفتح الاسلامي واثناء التحرير من الصليبيين كان بقوى سنية .. ومع هذا تم تحويل انتباه السنة العرب من فلسطين الى شيء واحد هو من يحكم دمشق سني ام غير سني لا من يحرر فلسطين؟
اليوم تمكن المخططون من فصل أهل السنة عن غير السنة .. فالدرزي الذي حارب الفرنسيين وكان أهل السنة يقاتلون خلفه وتحت رايته ويقدمون له كل الدعم صار عدوا ويقتل في الطرقات ويهان .. والعلوي الذي قاتل في الساحل الفرنسيين ثم حمل شعلة النضال لتحرير فلسطين وقدم لتاريخ سورية (كلها) أينع فترة بالنهوض والسمو والرفعة تحول الى هدف للمذابح والاضطهاد .. ولم يخرج اي احتجاج سني على تلك المذابح لأن عملية الفصل بين المكونات السورية نجحت في ذلك الامتحان الرهيب والصعب .. وكما ان غولدا مائير لم تنم ليلة احراق المسجد الاقصى من شدة خوفها من ردة فعل العالم الاسلامي فان كثيرين من المخططين للحرب السورية كانوا يترقبون ردة فعل الشارع السني على المذابح .. وكانت ردة الفعل باردة مثل ردة فعل المسلمين على احراق المسجد الاقصى .. حيث نامت عيون غولدا مائير مطمئنة ان رد الفعل البارد هو دليل ان الأمة مخدرة ..
بعد فصل مكونات الشعب السوري وتجريد السنة من أهم الأسلحة التي تحملها وهي المكونات والاقليات التي شكلت القوة الاضافية التي يمكن ان تبقيها قوية .. سيخوض الاستعمار حربا شرسة جدا لتجريف السنة السوريين والعرب عموما من كل قوتهم الباقية .. فبدأ الأمر مع تجريف الطبقة الاقتصادية والتجارية .. وهناك قوانين مدمرة ومجحفة جاهزة في الأدراج بحق التجار السنة بدأت تدريجيا ومانراه ماهو الا البداية .. فافقار أهل السنة عبر تجريدهم من قوتهم الاقتصادية التي مولت كل الثورات السورية ضد الاستعمار شيء حيوي .. والنتيجة هي سنة من غير أقليات .. واقليات من غير سنة .. وهذه الأطراف لايمكن ان تنتج حركة متكاملة لأن الاقتصاد السني سيبقى غير قادر على تطوير مجتمعه في غياب العقل التنويري والتثويري الذي قدمته له الاقليات .. فيما لن تقدر الاقليات على تقديم مبادرات مؤثرة من غير القوة الكبيرة السنية والتأثير الاقتصادي لها ..
في دمشق يتم احلال طبقة محل طبقة .. فالطبقة التجارية ورغم ترحيب بعضها بالتغيير بسبب ضغط الشعور بالمظلومية السنية فان هذا الموقف لن يغفر لها انها طبقة لاتنتمي للطبقة الاقتصادية الجديدة التي يجب تشكيلها وهي جاهزة الان للحلول محلها .. وهذه الطبقة الجديدة ستكون البرجوازية الدمشقية المرتبطة بخارج دمشق .. فالمخابرات التركية اعدت قائمتها التي ستربطها بتركيا حصرا ويكون نشاطها محصورا بالاقتصاد التركي ولاتقدر على الانفصال عنه في كل من دمشق وحلب .. والاتراك في مراجعتهم لما تسبب في خروج دمشق عن سيطرتهم يعتقدون في ادبياتهم ودراسات التاريخ في جامعة استانبول ان الطبقة التجارية والاقتصادية التي كانت في دمشق هي التي دعمت الحركات الوطنية والتنويرية ولولاها لما نهضت تلك الحركات بقوة وكانت تحتاج دعما بشريا وماليا وفره لها تجار دمشق .. ويجب على تجار دمشق ان يعودوا للارتباط باستنابول أو للاسطبل .. وهذا لايكون الا عبر اعادة صناعة وتركيب الطبقة التجارية في كل من دمشق وحلب بالتدريج .. ورغم اجتماع حقان فيدان في الايام الاولى ببعض من تجار دمشق لطمأنتهم فان الحقيقة هي انه جاء لتخديرهم بالوعود من أن مالهم ومستقبلهم في أمان .. لكن جيشه التجاري والاقتصادي الذي سيحل محل تجار دمشق كان جاهزا ويضع الخطط وتوريع الحصص من السوق السورية والدمشقية ..
وهناك أيضا طبقة تجارية خليجية ستدير عملية التخلص من تجار دمشق عبر عقود تحصل عليها من حكام دمشق الجدد وبغض نظر تركي .. فيما تتأهب وحدة اقتحام اقتصادي اسرائيلية لنيل حصتها ايضا لخلق طبقة مستفيدة من الارتباط بالكتل الاقتصادية الاسرائيلية وتقوم باستملاك واسع للنشاطات الاقتصادية .. ويجب ان ينتبه كل صاحب رأس مال او نشاط تجاري على انه اما ان يرحل عن دمشق ويترك الساحة للوافدين الجدد واما ان ينتظر دوره في التجريف ..
الملفت للنظر ان المكونات السورية تتبادل التشفي ببعضها او حالة اللامبالاة لأن هموم كل مكون صارت تمنعه عن التعاطف مع هموم المكون الأخر .. فبرود ردة فعل اهل السنة على مذابح العلويين والدروز وعدم ظهور رد فعل شعبي قوي او بيانات لكتل وشخصيات سنية وازنة اعطى العلويين والدروز والمسيحيين ان أهل السنة لايهمهم الا دم أهل السنة وأظهر نشاط السوشيال ميديا عمدا حالة التشفي السني بدم العلوينن والدروز مما زاد الفجوة بين المكونات .. فيما كانت ردة فعل المكونات الاخرى على البدء بتجريف الطبقة التجارية والاقتصادية الشامية مثلا باردة أيضا وفيها لامبالاة وكأن افقار اهل الشام لن ينعكس على الجميع .. ونزيف المال الدمشقي ليس نويفا للجميع ..
وبهذه العملية نحجت عملية فصل القوى التي تؤازر بعضها والتي شكلت القوة الرئيسية لسورية التي نعرفها .. وهذا ماسيؤسس لفصل البلاد واعادة تقسيمها في سايكس بيكو جديد قائم على المكونات العنصرية المتنافرة والتي لم تعد تحس الا بألمها الخاص .. ونسيت الألم الوطني الذي كان يجعل العلويين يتألمون لدمار اقتصاد الشام وحلب ويجعل السنة يحسون بأن دم هذه الاقليات الذي دفع ثمنا لاستقلال سورية هو دمهم ..
السوريون في سباق مع الزمن .. اما ان يستيقظوا ويعيدوا لم شملهم ويستعيدوا تلك المعادلة السحرية التي صنعت سورية العظيمة التي نعرفها واما أن يستعدوا لعصور الظلام والذل .. معادلة سورية العظيمة والقوية ليست في أن يحكمها أهل السنة او غيرهم بل في أن يعرف أهل السنة أن قوتهم ليت في عددهم وليت في اقتصادهم بل قوتهم مكنت في القوة المضافة الفاعلة في الاقليات التي أعطت الكتلة السنية الدرع والسيف .. السنة كانوا نصل السيف الدمشقي .. وغير السنة شكلوا مقبض السيف .. وفصل السيف عن المقبض يعني أنك لست سيفا بل قطعة فولاذ بلا قيمة تباع في تجارة الخردة .. مقبض بلا نصل او نصل بلا مقبض .. سنة من غير أقليات .. واقليات من غير سنة .. ومايحدث هو فصل النصل عن المقبض ..
واعيد سؤالك: ماذا ينفع نصل السيف الفولاذي من غير مقبضه؟ وماذا أنت فاعل بمقبض سيف لانصل له ؟؟ في أي مجتمع تكون هناك قوى تلعب دور النصل الفولاذي وقوى تلعب دور المقبض .. وانفصال النصل عن المقبض يعني أنك بلا سلاح .. مهما كان نوع فولاذك ..