كتاب واراء

وزير الثقافة السوري الجديد… حين يتحول المنبر الثقافي إلى منبر طائفي

 

بقلم: د.بسام أبو عبد الله

 

لم تكن تصريحات وزير الثقافة السوري الجديد سوى صفعة ثقيلة للكرامة الوطنية ولسلم المجتمع السوري. لم يمضِ وقتٌ طويل على تعيينه، حتى كشف الوزير عن مستوى غير مسبوق من الانحدار الخطابي، مسيئًا لا إلى طائفة بعينها فحسب، بل إلى جوهر الثقافة ومفهوم الدولة.

 

في حديثه الذي أثار موجة من الاستياء والغضب، قسّم الوزير أبناء الطائفة العلوية – في إسقاط طائفي فج – إلى “مجرمين” و”طبقة مسحوقة”، مشيرًا إلى أن من كان “نظيفًا” منهم، فزوجته تعمل في تنظيف البيوت! بهذا المعيار المريض، تصبح المرأة العلوية التي تعمل بإخلاص في بيت أحدهم دليلاً على “شرف” زوجها، بينما تختفي عن بصيرة الوزير آلاف النساء من المعلمات والطبيبات والمهندسات والمثقفات المنحدرات من الساحل السوري.

 

هذا ليس زلّة لسان. بل خطاب ممنهج يحمل في طياته سمومًا طائفية تنذر بالخطر، وتشكل انتكاسة لكل محاولات المصالحة الوطنية وإعادة بناء النسيج المجتمعي. فحين يتحدث مسؤول حكومي بهذه الطريقة، فإن ذلك لا يمثل رأيه الشخصي فقط، بل يُعبّر - ما لم يُحاسب - عن الغطاء السياسي والثقافي الذي يسمح بهذا الخطاب ويشرعنه.

 

أين الدولة؟ أين القانون؟ وأين البند الثاني من المادة السابعة من الإعلان الدستوري الذي يُلزم الدولة “بتحقيق التعايش وحفظ السلم الأهلي ومنع إثارة النعرات والتحريض على العنف”؟

 

الطائفة ليست “وظيفة”

 

تجاهل الوزير، عن عمد أو جهل، أن الطائفة العلوية، كما سائر مكونات المجتمع السوري، ليست كيانًا موحدًا يُختزل بوظيفة أو انتماء سياسي. فهذه الطائفة قدّمت آلاف المدرّسين والكوادر منذ عام 1946 إلى أطراف سوريا، ومن بينها دير الزور، حيث لم يكن أهلها يجدون معلمين يكفون الحاجة. من اختار الانخراط في التعليم آنذاك لم يذهب طمعًا بمنصب أو مال، بل بدافع وطني.

 

تصريحات الوزير تجرّدت من الحد الأدنى من الموضوعية، فلو كان حريصًا حقًا على نقد النظام السابق، لكان من الأجدر أن يتحدث عن آليات الفساد التي طالت جميع الطوائف والمناطق، لا أن يصب تركيزه على طائفة واحدة ويحمّلها نتائج حقبة سياسية بأكملها.

 

النساء لسن سلعة للرمزية

 

أخطر ما في الخطاب الوزاري أنه استخدم المرأة العلوية كأداة رمزية لقياس “الشرف”، وكأن عملها في المنازل هو علامة من علامات الطهارة، لا كدح إنساني شريف. بذلك، يُسقط عن المرأة استقلالها، ويحصرها في إطار الأداة التي تعكس وضع زوجها. هذا النوع من الخطاب ليس فقط مهينًا، بل يتعارض مع كل ما يفترض أن تمثله وزارة الثقافة من قيم المساواة، والعدالة، والارتقاء بالوعي المجتمعي.

 

منبر الثقافة يتحول إلى منبر فتنة

 

حين يصبح وزير الثقافة داعية طائفية، ويشرّع للتصنيف الاجتماعي بناءً على الطائفة والمستوى المادي، نكون قد دخلنا مرحلة جديدة من التدهور. فما الفائدة من “سوريا جديدة” إذا كانت تعيد إنتاج الخطاب الداعشي، ولكن هذه المرة بربطة عنق وبدلة رسمية؟

 

في بلدان تحترم نفسها، يُحاسب المسؤول على كل كلمة تثير الفتنة. أما في “الجمهورية الثقافية الجديدة” التي يديرها الوزير، يبدو أن الإثارة الطائفية أصبحت بطاقة عبور إلى الإعلام وصفحات التواصل، بدل أن تكون جرمًا قانونيًا يعاقَب عليه.

 

الرسالة الأخيرة

 

نعم، من حق أي مسؤول أن يُجري مراجعة نقدية للماضي، ولكن من واجبه ألا يجعل من هذه المراجعة سيفًا يطعن به أبناء شعبه، أو وسيلة لتصفية حسابات فكرية على الهواء مباشرة.

 

إذا لم تُحاسب الحكومة هذا الوزير على ما بدر منه، فإنها بذلك تشاركه في مسؤوليته، وتُرسل رسالة مفادها: “الطائفية مقبولة… ما دامت على ألسنة مسؤولينا”.

 

فمن كان الوزير يتحدث باسمه؟ ومن فوّضه أن يصنّف الناس بين “مجرمين” و”خدَم”؟

 

إنها ليست مجرد “خبصة” كما يقول البعض. بل إهانة موصوفة، يجب أن تُقابل بإقالة عاجلة، واعتذار علني، ومراجعة حقيقية لمعايير اختيار من يمثلون ثقافة البلاد في زمن الخراب.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة