*تحليل بقلم: ناجي علي أمّهز*
غدًا، أو في وقتٍ قريب، سينكشف للبنانيين ما خفي من حقيقة الطرح الأميركي، وسيتّضح أن كل ما أُثير في الإعلام من ضجيج حول "نزع سلاح حزب الله"، وما رافقه من تهويل بحروب وكوارث، لم يكن سوى صدى مفتعل بلا مضمون، تحرّكه قوى في الداخل أكثر مما يعكس موقفًا أميركيًا صلبًا.
فواشنطن، كما عبّر المبعوث الامريكي باراك بوضوح، لا تنظر إلى سلاح "حزب الله" كملف منفصل، بل تضعه ضمن سلّة متكاملة من الإجراءات، تراها مدخلًا استراتيجيًا لإنقاذ لبنان، لا لمحاصرته أو تفجيره.
السلة الأميركية: شقّان واضحان
1. معالجة السلاح، ليس بنزعه الكلّي، من خلال تطبيق 1701 واتفاقية وقف النار، مما يمنح تطمينات أمنية لإسرائيل،.
2. الإصلاح المالي والإداري، كشرط جوهري لإعادة إنعاش الاقتصاد اللبناني وإخراج ما تبقّى من الدولة من غرفة العناية الفائقة.
الموفد الأميركي لم يخفِ وضوح هذا الموقف. بل أشار صراحة إلى أن ملف السلاح لا يمكن حله بمواجهة مباشرة مع الطائفة الشيعية، بل عبر خلق مصالح اقتصادية مباشرة في بيئتها. وقد أبلغ واشنطن أنها تعمل للحصول على تمويل من السعودية وقطر لمشاريع إعادة إعمار في الجنوب، قائلاً: "إذا حصل الشيعة في لبنان على شيء من هذا، فسوف يتعاونون معه".
"يعني بصراحة وعلانية ووضوح: الأمريكي عم يقول اذا ما قدمنا شي يرضي الحزب ما رح يتغير شيء"
بالمقابل بعض اللبنانيين يقولون للامريكي، ما في داعي تقدموا اي شي، لان هؤلاء يعلمون ان اي تسوية، او بدائل وتطمينات سيقدمها الامريكي للحزب ستكون على حسابهم هم.
لذلك، كما في كل فرصة تاريخية، سارع الداخل السياسي اللبناني لتحويل المبادرة إلى أزمة وجودية، لا لشيء سوى لأن الإصلاح المالي الحقيقي يهدّد بنية الفساد، ويفكك شبكات الزبائنية والمحاصصة التي راكمت ثروات على أنقاض الدولة.
فإذا كانت واشنطن تسعى إلى ترتيب جديد يوازن بين أمن إسرائيل واستقرار لبنان، فإن بعض الساسة في الداخل رأوا في هذه المبادرة خطرًا عليهم، فبدؤوا بتضخيم ملف السلاح وتقديمه كشرط تعجيزي أميركي، في حين أن الأميركي نفسه يقول العكس.
هكذا، بدل أن يتلقّف السياسيون اللبنانيون المبادرة، عمدوا إلى تفخيخها، كلٌّ حسب مصلحته. من جهة، يتهرّبون من الإصلاح المالي، ومن جهة ثانية، يتوسّلون ملف السلاح لتسجيل نقاط سياسية داخلية.
المفارقة لو أن الأميركيين يتواصلون مباشرة مع حزب الله، لباتوا كل هؤلاء السياسيين خارج اللعبة.
إذ مع كل زيارة للموفد الأميركي، يسارع هؤلاء لتقديم أنفسهم كقنوات تفاوض، أو بوابات عبور، أو صناع تسويات، متوهمين أن خدمتهم لأجندة واشنطن ستُمرر مشاريعهم الشخصية. لكن الأميركي واضح: ما يهمّه فقط هو ضمانات أمنية لإسرائيل، وإصلاح مالي واقتصادي يُبقي لبنان اقله حيًّا.