كتاب واراء

في الحسين سر الوجود ومعنى الحياة ... بوصلة المواقف ...

في الحسين سر الوجود ومعنى الحياة ... بوصلة المواقف ...

 

في العاشر من محرم، حيث تختلط دموع الحزن بوهج الكبرياء، يستذكر العالم أجمع فاجعة كربلاء، ملحمة الخلود التي لا تحدّها حدود، ولا يقف أمام زخمها زمان أو مكان. استشهاد سبط الرسول، شبل علي، ابن البتول، الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن مجرد حادثة تاريخية عابرة، بل كان وما زال وسوف يبقى الى ما شاءالله، معبراً لكل الأحرار نحو درب الكرامة والإباء.

 

كربلاء ليست ساحة جغرافية حُصرت في صحراء العراق، بل هي رمز إنساني يتجدد في كل ميدان يُرفع فيه شعار: هيهات منا الذلة. وكل يومٍ عاشوراء، وكل أرض كربلاء، حينما تنتصب المواجهة بين جبهتين: محور المقاومة المقدّسة، وقوى الشر والإرهاب والاستكبار العالمي.

 

اليوم، تتجسد كربلاء في غزة الجريحة الصامدة، في لبنان المقاوم، في اليمن الصابر الثائر، في العراق الجريح الباحث عن كرامته، في إيران التي حفظت لواء الثورة، بل في كل زاوية من زوايا العالم حيث يقف الإنسان الحر ليقول لا للطغيان، لا للذل، لا للابتزاز.

 

لقد ظنّ الطغاة يوم كربلاء، ويظنون اليوم، أن بإمكانهم تطويع الأحرار بالعطش والجوع والحصار والسلاح. لكنهم، كما فشلوا أمام الإمام الحسين حينما منعوه من الماء، سقطوا مجدداً حين علم العالم أن الحرمان الحقيقي ليس من الماء، بل من الكرامة. فالأحرار اختاروا أن يُحرموا من لقمة العيش، ولا يُحرموا من شرف الموقف. اختاروا أن يُحاصروا، ولا يُقيدوا، أن يُستشهدوا، ولا يُذلوا.

 

الحسين عليه السلام علّم الناس أن الكرامة فوق الحياة، وأنه حين يتزاحم خياران، السلة أو الذلة، فالخيار واضح: هيهات منّا الذلة.

 

هكذا خسر الطغاة والمفسدون كل سلطان على الأحرار. فقدوا القدرة على شراء النفوس أو كسر الإرادات. وتحولت ملحمة كربلاء من واقعة تاريخية إلى مدرسة إنسانية خالدة تُخرّج كل عام جيلاً جديداً من الأحرار، منهم من يسير في ركابها، ومنهم من يقف ضدها، لكن الجميع، شاء أم أبى، جزء من معادلتها.

 

وبعد يوم العاشر من محرم، يعيش الناس وحشة انقضاء المجالس، لكن عاشوراء لا تنقضي، بل تتجدد مع كل مواجهة، مع كل صمود، مع كل شهيد يرتقي ليكتب بدمه معنى الحياة الحقيقية.

 

في الحسين سرّ الوجود، ومعنى الحياة.. فمن لم يتعلّم من كربلاء كيف يحيا بكرامة، سيموت كل يوم ذليلاً، أما الأحرار، فحتى موتهم حياة.

 

 

جليل هاشم البكاء


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة