كتاب واراء

أمام ما يجري الآن ضد إيران... لا شيء يدعو إلى القلق أو الخوف

 

 

* بقلم: ناجي علي أمهز*

كل ما نشهده اليوم من ضجيج إعلامي، وتهديدات متصاعدة، وتحليلات تضج بها الشاشات والمنابر، بعد الاعتداء الاسرائيلي على ايران، لا يعدو كونه صدىً لمشهد أكبر يتشكل في خلفية الصراع العالمي على الطاقة والنفوذ. هذا الصراع الذي تتغير خرائطه وحدوده بوتيرة متسارعة، لن يتأثر بإطلاق طائرات مسيّرة هنا أو اغتيال هناك.

إيران ماضية في مشروعها الاستراتيجي الذي يتجاوز البعد النووي إلى بناء دولة صناعية متكاملة، تطمح لإنتاج الستيل والتكنولوجيا الرقمية، وهذه الصناعات تحتاج إلى طاقة مستدامة، ولا بديل عن الطاقة النووية السلمية لتحقيق هذا الهدف. من هنا، فإن تراجع إيران عن برنامجها النووي هو تراجع عن مشروعها النهضوي... وهذا لن يحصل.

ما يجري الآن جزء من المشهد الطبيعي لتحول الشرق الأوسط إلى ساحة متحولة في النظام العالمي الجديد. ما حدث في إيران، مهما تضخمه بعض وسائل الإعلام، يبقى أقل بكثير مما تعرضت له روسيا حين استُهدفت قواعدها بطائرات أوكرانية مسيّرة. ومع ذلك، روسيا لم تنهار، بل تعاملت ببرود استراتيجي. وإذا كانت المقارنة ضرورية، فإن إيران اليوم أقوى بكثير من أعدائها في الداخل والخارج، بما فيهم إسرائيل.

 

هل سيكون هناك ردّ؟

الرد، في المنطق الاستراتيجي، ضرورة. ليس فقط لحفظ التوازن، بل لتأكيد أن إسرائيل دفعت، وستدفع، ثمن خطئها الفادح. وفي حال لم يأتِ الرد من إيران، فعلى أمريكا أن تدفع الفاتورة عبر العودة إلى طاولة التفاوض والقبول بالاتفاق النووي مجددًا، لكن بشروط إيران، لا بشروط نتنياهو.

أما في لبنان، فلا حرب كبرى تلوح في الأفق، وإيران لم تطلب من حلفائها التصعيد، بل إن التزام حزب الله بوقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني هو مؤشر على قوة المبادرة، لا على ضعف الموقف. فالهدوء في لحظة الغليان، يحتاج إلى قدرة هائلة على ضبط النفس والسيطرة على الميدان.

حاليًا، تحصد إيران مكاسب الخطأ الاستراتيجي الإسرائيلي الذي ارتكبه نتنياهو خاصة بعد تحذير ترامب له، والذي لن يكون تداعياته على المنطقة، بل حتى داخل إسرائيل نفسها، حيث بدأ التصدع بين نتنياهو وترامب يطفو على السطح، وقد يُفقد نتنياهو مستقبله السياسي القريب.

 

نحو شرق أوسط جديد... لا يشبه القديم بشيء

في القراءة الاستراتيجية، يتضح أن محور المقاومة خرج من التجربة أقوى، وأكثر صلابة، ونجح في إسقاط وهم "الانتصار الأمريكي الإسرائيلي السهل". فطوال عامين، لم تنجح لا واشنطن ولا تل أبيب في تسجيل نقطة سياسية واحدة تُحسب لها.

المعركة في غزة ما زالت مفتوحة، وإسرائيل خسرت الرأي العام العالمي، ومعه بعض دعم حكومات كانت تعدها حلفاء تقليديين. الأمم المتحدة بدأت بإدانة علنية لجرائم الاحتلال، ما يعكس تغيّرًا حقيقيًا في المزاج الدولي.

 

وسوريا؟

حتى الحديث عن "سقوط النظام" في سوريا لم يعد يخيف محور المقاومة. فالنظام هناك يعيش حالة إنهاك داخلي، والمجتمع السوري، بعد سنوات الحرب، فقد جزءًا كبيرًا من تنوعه، وخاصة الأقليات. حتى السنّة أنفسهم الذين حلموا بثورة تنقذهم من قمع النظام، بدأوا يشعرون أن البديل لا يقلّ سوءًا، بل قد يكون أشدّ قسوة. فالقيود الاجتماعية المتزايدة، وفرض الإسلام المتشدد على نمط الحياة في الجامعات والأسواق وحتى الحدائق العامة، شكّل صدمة ثقافية. حُرقت الحدائق، أُغلقت الملاهي والمطاعم، وفرضت الطبقية بين المسابح العامة والخاصة، بينما تم دمج آلاف المقاتلين من دول أجنبية داخل المجتمع السوري، مما يُهدد بتفكك العقد الاجتماعي برمّته.

لذلك، ربما يسقط النظام، لكن المؤكد أن النظام القادم لن يكون على خصومة مع محور المقاومة، بل قد يكون أكثر التصاقًا به من عهد بشار الأسد نفسه. فالسوريون، ببساطة، جرّبوا الثورة... وذاقوا مراراتها.

 

وفي لبنان... حرب بلا رصاص لكنها غيّرت المعادلات

رغم الكارثة التي حلّت بالجنوب، ورغم الخسائر الكبرى التي تكبدها الشيعة، إلا أن الحرب الأخيرة أعادت تقديمهم إلى الأمة كمدافعين عن فلسطين، وعن السنّة قبل غيرهم. هذا التحول أفرز موجة تعاطف شعبي إسلامي وعربي، عجز الإعلام المأجور عن تشويهه.

الهجمات على شيعة لبنان تراجعت إلى حدها الأدنى، ولم يتبقَ من يهاجمهم سوى "مرتزقة السوشيال ميديا"، وهؤلاء بدؤوا يُجابَهون من جمهورهم السنّي الذي بات يرى في المقاومة عمقًا عربيًا وإسلاميًا جامعًا لا طائفيًا.

كما أظهرت الحرب الوجه الشعبي الحقيقي لحزب الله. فقد خاض الحزب معركة البلديات دون أي تكليف شرعي صريح، ومع ذلك انتصر. مما يدل على أن بيئته الحاضنة ليست مأمورة بل شريكة، وأن الحزب ليس تنظيمًا عسكريًا فقط، بل مؤسسة شعبية عميقة الجذور.

وبرز كذلك الوجه السياسي للحزب: براغماتي، عقلاني، مرن، ومحنك. أثار أداء الحزب تساؤلات من نوع "أين كان هذا العقل السياسي طوال السنوات الماضية؟"، وربما يكون ما بعد هذه الحرب بداية لمرحلة جديدة في الوعي السياسي الداخلي.

 

الرسالة الأخيرة:

لا تسمحوا للإعلام أن يسلبكم البوصلة.

نحن لسنا على أبواب حرب إقليمية كبرى، بل على أعتاب شرق أوسط يُعاد تشكيله.

والمفارقة: أن من ظنّوا أنفسهم في موقع الهجوم... باتوا يدافعون.

ومن ظنّهم العالم سينكسرون، ها هم يتحولون إلى كتف التاريخ الصلب.

كل شيء بخير، فقط لا تَفقدوا البوصلة. ولا تُسلِّموا وعيكم للمحللين الذين لا يملكون سوى فمٍ يتحدث عن الحروب... ولا يفقهون شيئًا في إدارة السلم.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة