د. عدنان منصور*
التصريحات المتكررة في الآونة الأخيرة على لسان مسؤولين وغير مسؤولين، يتنافسون ويتبارون في ما بينهم، ليعربوا بنشوة كبيرة ما بعدها نشوة، عن عودة لبنان إلى الحضن العربيّ ليثير العجب والتساؤل! إنّ مَن يسمع ذلك يظنّ من أول وهلة، أنّ لبنان سبق له أن ارتكب معصية ما بعدها معصية بحق العرب، وأخطاء ما بعدها أخطاء، حتى حان الوقت ليتمّ الصفح عنه، والغفران له، بعد عودة الشقيق الضال مجدداً إلى الحضن العربي آمناً مطمئناً.
أيها السادة! لماذا هذا الاستخفاف بكرامة وطن وشعبه؟! إذا كانت الظروف الصعبة التي أحاطت بلبنان من كلّ مكان، ومحاولة المسؤولين اللبنانيين البحث عن الفرص المناسبة للخروج من الأوضاع الصعبة التي يعيشها، فهذا لا يستدعي مطلقاً وضع أنفسنا موضع الاتهام وكأننا مسؤولون عما آلت إليه الأمور التي أبعدت لبنان عن أشقائه العرب؟!
هنا نتساءل! هل تدخّل لبنان يوماً في شؤون دولة عربية، ليُغفر له ويعود إلى حضن العرب؟! هل انتقد مسؤول في لبنان دولة عربية، أو تهجّم على حاكم عربي، أو خرق ميثاق الجامعة العربية، أو اعترض يوماً على قرارات القمم العربية؟! هل من سفير لبناني في دولة عربية أدلى بتصريحات خارجة عن الأصول والأعراف واللياقات والتقاليد والاتفاقيات الدبلوماسية، التي تتعارض مع اتفاقية فيينا؟! هل أملى سفير لبنانيّ في دولة عربية ما، ما يجب أن تفعله تلك الدولة أو لا؟! هل وقف سفير لبناني يوماً إلى جانب فريق سياسيّ في دولة عربية ما، ضدّ فريق سياسيّ آخر مُظهراً وقوفه ودعمه إلى جانبه؟! هل قطع لبنان يوماً علاقاته الدبلوماسية مع دولة عربية؟! هل استاء لبنان يوماً من سياسة دولة عربيّة، أو خفض مستوى التمثيل الدبلوماسيّ، أو تهجّم على بلد أو حاكم عربيّ؟! هل منع لبنان يوماً مواطنيه من الذهاب إلى هذه أو تلك الدولة العربية؟!
هل تحالف لبنان يوماً مع دولة عربيّة ضدّ دولة أخرى، أو انخرط في الحروب والخلافات العربية، أو ساند دولة ضدّ أخرى؟! هل شنّ لبنان يوماً حرباً ضدّ دولة عربية، أو انتقد نظامها السياسي؟! هل عامل لبنان يوماً الأشقاء العرب الوافدين إليه معاملة لا تليق بمعاملة الشقيق لشقيقه؟! هل ساند لبنان يوماً زعيماً سياسياً ضدّ زعيم سياسي آخر في بلد عربي ما، أو صدرت عن مسؤوليه تصريحات منحازة في هذا الشأن؟! إذن لماذا نردّد كلّ يوم أن لبنان عاد إلى حضنه العربي؟! هل كان لبنان الشقيق الضالّ الذي ابتعد عن أشقائه، وأساء اليهم، ثم استعاد رشده، ووعيه، وعاد إلى حضنهم من جديد؟! هل كان لبنان منبوذاً إلى هذا الحدّ حتى نتغنّى بعودته إلى الحضن العربيّ؟! لماذا ندين أنفسنا بصورة غير مباشرة، وغير مبررة بالكامل، ونحجم كرامتنا وكبرياءنا بالصميم، ونضع أنفسنا في قفص الاتهام، ونحمل بلدنا دون وجه حق المسؤولية عما آلت إليه الأمور المتعلقة بلبنان وأشقائه، وبالمنطقة كلها؟!
هل كان لبنان يوماً، بعيداً عن مشاركته العرب في الاجتماعات التي كانت تتمّ على مستوى الجامعة العربيّة، والوزراء، والرؤساء والقمم؟! هل خرج لبنان يوماً عن وحدة الصف والإجماع العربيّ، ولم يلتزم بالقرارات العربيّة التي كانت تتخذ بالإجماع؟! هل تخلّى لبنان يوماً عن التزاماته تجاه العرب، وخرج من صفهم، حتى نقول للعالم ونردّد كلّ يوم، إنه استعاد قراره، وبدأ يسير على الطريق الصحيح، كي يجد مكانه في نهاية الأمر في أحضان العرب، بعد أن استعاد قراره «السيادي، المستقل»، وثم غفر ذنوبه، وما ارتكبه من «خطايا» و»ذنوب فظيعة» بحق أشقائه العرب!
أيها السادة! كفى ذلاً وانبطاحاً، واستخفافاً بكرامة وطن وشعب. كلامكم عن عودة لبنان إلى حضن العرب ليس في مكانه الصحيح، لأنّ لبنان لم يخرج يوماً عن الصف العربي، وكان على الدوام منذ الاستقلال وحتى اليوم، حريصاً كلّ الحرص على علاقاته الأخوية مع أشقائه العرب، وعلى العمل العربي المشترك، وعلى الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية.
هل عزل لبنان يوماً نفسه عن العرب، أو آثر لوقت الابتعاد عن الحضن العربي ليقول المسؤولون اللبنانيون إنه عاد إليه. إذن القول بعودة لبنان إلى الحضن العربي لزوم ما لا يلزم، لأنّ عودته في هذه الحال، ليست بإرادة وسيادة لبنانية وإنما بإرادة وقرار الحضن العربيّ لا غيره !