كتاب واراء

الجامعات: من منارة للتنوير إلى محطة عبور نحو الوظيفة

كتب رياض الفرطوسي  

كانت الجامعات العراقية، لعقود طويلة، منبعاً للفكر والتنوير، حيث لم تكن مجرد قاعات للدراسة ومحاضرات أكاديمية، بل ساحات لصياغة الوعي وتشكيل النخب الفكرية والثقافية والسياسية. أساتذتها لم يكونوا مجرد ناقلي معرفة، بل كانوا رواداً في الحراك الثقافي، يساهمون في تشكيل أجيال تحمل أفكاراً وتوجهات قادرة على التأثير في المجتمع لم تكن الجامعة مجرد مكان لنيل الشهادة، بل فضاءً حيوياً للحوار والنقاش، تنبض ساحاتها بالمظاهرات، وتُعقد فيها المؤتمرات، وتنتظم فيها النقابات والجمعيات والاحتفالات، بل حتى الأحزاب السياسية كانت تجد فيها حاضنة لأفكارها ونشاطاتها. هذا الحراك شكل صداعاً للنظام السياسي الصدامي، الذي رأى فيه تهديداً لسطوته، فعمل على محاصرته وتحجيمه، حتى وصل الأمر إلى فرض رقابة مشددة على النشر، حيث لا يصدر كتاب إلا بموافقة وزارة الإعلام والأجهزة الأمنية. اليوم، نجد أنفسنا أمام واقع مختلف تماماً. تحولت الجامعات إلى مجرد محطات عبور نحو الوظيفة، وباتت الشهادة غاية بحد ذاتها بدل أن تكون وسيلة للمعرفة والإبداع. غاب الحراك الثقافي والفكري، وتراجعت قيمة البحث العلمي، فأصبحت الجامعة مؤسسة تقليدية تخرّج أعداداً كبيرة، لكنها لا تنتج نخباً مؤثرة. السؤال الجوهري: هل يمكن للجامعات أن تستعيد دورها في بناء الفكر وصناعة النخب؟ أم أننا دخلنا مرحلة الجمود الأكاديمي، حيث أصبح الهدف الوحيد هو نيل الشهادة بأي ثمن، حتى لو كانت بلا محتوى فكري حقيقي؟ إصلاح الجامعات يبدأ من إعادة الاعتبار للبحث العلمي، وتشجيع حرية الفكر والنقاش، وإعادة إحياء النشاطات الثقافية والسياسية داخل أسوارها. فمن دون جامعات حية ومؤثرة، سيبقى المجتمع فقيراً فكرياً، حتى لو امتلك آلاف الخريجين سنوياً.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد