✍️د. بتول عرندس
اليوم، وفي حرم الإمام الحسين عليه السلام، كان لي شرف لقاء رجلٍ حمل من زينبية الروح ما يجعل القلب يلين والدموع تنهمر بلا إرادة. هناك، في أروقة القداسة، بين دعاء الزائرين وهمسات المتعبدين، التقيت بأحد خدمة المقام الشريف، أمين عام العتبة الزينبية. كان وجهه لوحةً من التعبير: عينان مثقلتان بالذكريات، وصوتٌ حين انساب من بين شفتيه، بدا كأنه يحكي للضريح قصةً تكتبها السماء بدمع الموالين.
جلسنا في ظل الضريح الشريف، حيث الزمان يتوقف، وحيث الأرواح تلتحم بمنزلة الخلود. تحدث الحاج ، ولكن صوته لم يكن مجرد كلمات؛ كان رجع صدى لحكاياتٍ لم تُنسَ، لجروحٍ لم تلتئم، ولدموعٍ سكبتها غربة السيدة زينب عليها السلام في قلب شامٍ لم تعرف طعم الأمان.
الحاج الذي التصقت روحه بالحرم الزينبي كما تتشبث الأم بطفلها الوحيد. كان الحرم بيته، وملاذ قلبه المتعب. كل نظرة إلى الضريح كانت تنزف حبًا وصلاة، وكل خطوة بين أركان الحرم كانت دعاءً صامتًا يحمل ألمه وحاجته. ولكن، ذلك اليوم الأسود غيّر كل شيء.
حين دخل المسلحون الحرم، لم يكونوا يقتحمون مكانًا من حجر، بل كانوا يمزقون حرمة مقامٍ ارتفع بالصبر والتضحية. صوت تكسير الخزائن كان كصدى السيوف في المعركة، والمال المقدّس الذي سُرق كان يُنزَع من هيبة السيدة زينب أمام عينيه. وقف الحاج محسن هناك عاجزًا، مُثقلًا بالخوف، لكن ليس على نفسه، بل على بناته، زينب وزهراء، اللتين كانتا تتشبثان به وكأنهما تستنجدان بأمانه.
نظر إليهما وهو يحاول أن يخفي وجعه، لكن قلبه كان يحترق: “كيف إن سباهما العدو كما سُبيت زينب؟ كيف إن كُسرت قلوبهما كما انكسر قلب السيدة يوم عاشوراء؟” كان الخوف ينهش روحه، وكأن التاريخ يعيد نفسه أمام عينيه، ولكنه هذه المرة لا يحمل درعًا ليحمي أهله كما فعل العباس.
وحين اضطر للمغادرة، كان الوداع أشبه بالموت. وقف عند الضريح، عيناه مليئتان بالدموع التي لم يستطع كتمانها. كان يبكي كطفلٍ فارق حضن أمه، وهمس بصوتٍ مخنوق: “سيدتي زينب، اغفري لي ضعفي. لم أستطع حمايتك، ولم أستطع البقاء. لكنني أعدك، أعدك أني سأعود، وإن كانت روحي هي الثمن.”
خرج من الحرم وعيناه لم تفارق الضريح، وكأنهما تلقيان نظرةً أخيرة على نور الحياة الذي سيُطفأ من قلبه. التفت، كأنما يريد أن يحمل المكان في ذاكرته للأبد. سار بخطواتٍ مثقلة، يشعر أن كل خطوة تبعده ليس فقط عن الحرم، بل عن جزءٍ من روحه الذي بقي هناك، عالقًا عند عتبة السيدة زينب.
واليوم، حين أتى إلى الحسين، وقف أمام الضريح باكيًا، وكأنه يبوح بعتابٍ يشق القلب: “يا أبا عبد الله، أتيتك بروحٍ مُثقلة بما حل بأختك. الحرم الذي كان ملاذنا انتهكت حرمته، والشيعة في الشام يعيشون حالًا أشبه بحال كربلاء. سيدتي زينب غريبة مرةً أخرى، كما كانت غريبةً يوم الطفوف. يا عباس، أين سيفك؟ أين ذراعك التي كانت حصنًا لها؟”
كان حديثه يفيض ألمًا، كأنه ينقل للسيدة زينب شكواه إلى إخوتها. كان يتحدث بحزنٍ يجعل القلب يعتصر، وكأن كل حرفٍ من كلماته يحمل جرحًا لا يندمل. في تلك اللحظات، بدا الحاج محسن كأنه يحمل عبء التاريخ، عبء الغربة، وعبء الوجع الذي لا ينتهي.
نحن نؤكد على ضرورة أن يكون ضريح مولاتنا زينب عليها السلام تحت رعاية مرجعية الأعلى الحكيمة السيد علي السيستاني حفظه الله ورعاه
لانها هي المرجعيه ،الضامنة لحقوق أهل البيت والطائفة الشيعية، وتؤمن لهم الحماية والسلامة في كل زمان ومكان.
نوجه نداءً إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لحماية المقدسات الإسلامية، والضمان على أن يبقى مقام السيدة زينب ملاذًا آمنًا لجميع المسلمين، ويجب على الحكومة السورية احترام جميع الأديان والمذاهب، وصون حرمة المزارات المقدسة، وأن تضمن للشيعة حرية ممارسة شعائرهم الدينية.
يا زينب، يا ضوء الأفق في دجى الليل
في الحرم الذي كان عزاءنا وسكننا
أنتِ البقاء، وأنتِ الأمل الذي لا يموت
مهما تباعدت المسافات، قلبكِ فينا.
يا زينب، يا من كنتِ ملاذ الفقراء
بغض النظر عن الخوف، وفيكِ وجدنا أمانا
أنفاسكِ في أرواحنا، ما زالت تهتف
وفي كل معركة، نناديكِ صبرًا وأمانًا.