د. محمد البحيصي
رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية
حزب الله.. الحزب المخلص لفكرة المقاومة والثابت عليها، والصادق فيها.. منها استمد شرعيته وعليها بنى نظريته التي تقول: كل حركة لا تستمد شرعيتها من المقاومة فهي بلا مشروعية..
ومقياس المقاومة ومعيارها عنده هي "فلسطين" .. ففلسطين هي المعادل الموضوعي للمقاومة وهي المعادل الموضوعي للحق في هذا العصر..
حزب الله لم يكن في يوم من الأيام ساعياً للسلطة .. فالسلطة ليست هدفاً له ولا هي فكرة محورية له كما هي سائر الأحزاب، وهذا ما يفسّر نجاحه حين كان خارج السلطة، ونجاحه وهو داخلها..
فالسلطة لم تكن في يوم بنظر الحزب أحد أدوات النجاح، بقدر ما كانت أداة تسهم في حفظ المقاومة، وحين تكون كذلك يكون الحزب متواجداً فيها، والعكس صحيح..
حزب الله.. ودون أن يكون له امتداد عضوي إقليمي كالكثير من الأحزاب والحركات الإسلامية الأخرى، فقد استطاع أن يسجّل حضوراً أعظم في وجدان جماهير الأمّة، واستطاع أن يقوم بدور الملهم للكثير من الساحات، دون أي ارتباط عضوي معه، وهذا مؤشّر على سعة رؤيته وسلامة نظريته وعمومية أفكاره العابرة للحدود والطوائف والقوميات..
حزب الله في لبنان وخارجه كسر قاعدة التحالفات على أساس المذهب أو القومية، وبرهن على أنّ مشروع المقامة يمكن أن يبنى عليه أوسع تحالف في الأمة قادر على إنجاز هدف استقلال الأمة ونهضتها..
حزب الله كان بنظر راسمو السياسة الدوليين بمثابة المعادل الموضوعي لـ"الشرق الأوسط الجديد" الذي بشّرت به "كوندليزا رايس" إبّان حرب تموز 2006، ممّا يعني أنّ أصحاب هذا المشروع كانوا يرون ولا يزالون في حزب الله حائط الصّد الأصعب في طريق مشاريعهم للمنطقة، ومن هنا افتعلت حرب تموز على الحزب التي تُعد امتداداً للحروب التي شنّتها الولايات المتحدة وحلفائها على أفغانستان والعراق ابتداءً من العام 2001 وردّاً على انتصار 2000 في لبنان، وما ترتّب عليه من انتفاضة الأقصى في فلسطين، وفشل مشروع الفتنة المتمثّل باغتيال الرئيس رفيق الحريري 2005، وخروج القوات السورية من لبنان..
وهذا يعني أن "لا شرق أوسط جديد" مع وجود حزب الله، وهذا اعتراف صريح بدور الحزب وقدرته..
حزب الله .. هو الحزب الذي أنجز (بعمقه السوري الإيراني) مشروع التحرير (بالتحالف مع القوى الشريفة في لبنان) ودون اتفاق مع العدو، ودون شروط أُمليت عليه، وهو الأمر الذي عجزت عنه أنظمة ودول رضخت للعدو في سبيل الانسحاب من أراضيها..
حزب الله.. هو الحزب الذي لم يغرق في جدليات وحوارات الأولويات (كالإجماع، والوحدة، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والديموقراطية والشورى، وتوازن القوى، والإعداد، والتربية) بل كانت أولوياته منذ البداية وحتى الآن هي المقاومة ومواجهة العدو، ومن خلال هذه الأولوية المطلقة يمكن بحث سائر العناوين وترتيبها على سلم الأولويات..
حزب الله .. هو الحزب الذي استطاع كسر القدمين اللتين تقوم عليهما "إسرائيل" وهما:
1- الاحتفاظ بالأرض.. "كل أرض تطؤها أقدامكم فهي لكم".
2- قوّة الرّدع (التي ترتكز عليها نظرية الأمن القومي الصهيوني).
ففي العام 2000 تم كسر القدم الأولى ووأد حلم "إسرائيل الكبرى" ليصير كابوساً "إسرائيل الأسوار"
وفي العام 2006 كُسرت القدم الثانية ودفنت "إسرائيل العظمى" ليحل محلّها "إسرائيل الفاقدة ليقين البقاء".
ومن غير المقاومة بفضائها المتّسع استطاع إنجاز كل هذا .. ولا تزال المسيرة "نحو القدس".