في عتمة ومتاهة وضياع وفسق ونفاق وفساد يزرح ووطن يتألم وأجيال تندب ودمار وخراب وجرحى ولكنهم الشهداء الامانة هم الغصة في حلوقنا جميعا فماذا سنرد لهم إن لم ترتد لنا إنسانيتا، فكيف سنعود بشرا من جديد ونجدد إنسانيتنا المفقودة الضمير والأخلاق والحياء فينا ..!!، فالوطن السيد؛ هو الذي لا يبلغ فيه مواطن من الثراء ما يجعله قادرا على شراء مواطن آخر، ولا يبلغ فيه مواطن من الفقر ما يجعله مضطرا ان يبيع نفسه او كرامته، الوطن هو رغيف الخبز والسقف، وهو الشعور بالانتماء ، وهو الدفء والاحساس بالكرامة، فليس الوطن ارض فقط، ولكنه الارض والحق معا، فإن كانت الارض معك فليكن الحق معك ..الوطن هو حيث يكون المرء بخير .. " جان جاك روسو " .
لذلك لا تستسلم .. !! فهنالك قمم لم تصل إليها بعد .. ثق بالله ثم بنفسك، اصنع من كلام الناس حجارة تبني بها رصيف تمشي عليه إلى أحلامك، فلا تكترث بما يقولون فنجاحك سيربكهم ولو قليلاً .. .
من هنا نقول : أنه لا بد من رأي في الحل الوطني ..!! بأيدينا نعم وليس بأيادي أحد كان خارج الوطن صديقا كان او حليفا او شريكا ..!!؟ولكن ..!!؟؟، القوى الوطنية مشتتة وموزعة ومتنافرة، ولايوجد طرح جامع بينها والوطن حتى اليوم . لذلك يمكن البدء بخطوة وطنية جادة عبر خلق تيار وطني متقارب جامع، عبر طرح رؤية شاملة للحل، ليكون مشروع وطني نهضوي واضح ومحدد يلتف حوله الجميع ..؛ بمعنى ان يكون المشروع الوطني المحدد هو القائد وهو الجامع، بحيث يخلق هذا المشروع تيار وطني شعبي، هذا التيار هو الذي يعمل على تنفيذ المشروع الوطني بعد تشكله .. " فاضل العمر " .
لذلك نحن نعيش دوامة الفراغ ومتاهته، فهل تعلمون ماهو الفراغ ..؟؟ والكلام الذي يمتعنا ثقافة وادبا وسردا متقنا قوله : إنه الفراغ العالق في منتصف المسافة بين الحلم وتحقيق الأماني ..!، إنه الفراغ بين أصابع اليد التي تشبه الباقة ..!، إنه الفراغ الممتد منذ الطفولة وحتى الكهولة ..!، إنه الفراغ منذ شهادة الميلاد وحتى شهادة الوفاة ..!، إنه الفراغ بين الرعد والغيمة..!، بين الغيمة والعطش ..!، الفراغ بين قضبان الزنزانة الأضيق من كف ومصافحة.!، بين هدب العين والحلم..!،بين الريشة والسماء في الجناح المخلوع..!، الفراغ بين الكلمة والبندقية.!، بين الماء والنار .. إنه الفراغ الأثيري الكثير ..الذي يغمر المكان ويملأ المسام، يفيض هذا الفراغ الكثير الذي لايحتمل، والذي يجب أن يملأ بترسيخ العقل والحكمة وأن يملأ بنشر الوعي والتآلف والمحبة ونبذ الأحقاد ويزخرف بحروف القصائد..!! .. لنخرج من شريعة الغابة لشريعة الحياة ويعود القانون سيدنا وسيد الوطن كل الوطن، فالعدالة تتحقق حين ننشارك معا في حماية وبناء الوطن لتاخذ مكانها المتكامل بكلمة واحدة هي " التشاركية " .. .
المفكر الفرنسي " اتيان دولابواسييه " يقول : في كتابه العبودية الاختيارية، أنه عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتوائم مع الاستبداد ويظهر فيه ما يمكن ان نسميه المواطن المستقر الذي يعيش في عالم خاص له وتنحصر اهتماماته في ثلاثة اشياء : لقمة العيش وكرة القدم والدين .. فالدين عند المواطن المستقر لاعلاقة له بالحق والعدل وانما هو مجرد أداء للطقوس واستيفاء للشكل لا ينصرف غالبا للسلوك، فالذين يمارسون بلا حرج الكذب والنفاق والرشوة يحسون بالذنب فقط اذا فاتتهم احدى الصلوات، وهو لا يدافع عن دينه الا اذا تأكد أنه لن يصيبه أي تهديد او أذى، ويبقى العيش هو الركن الثانى لحياة المواطن المستقر فهو لا يعبأ اطلاقا بحقوقه السياسية لكنه يعمل فقط من أجل تربية أطفاله .. .
الأجيال السّابقة كُلّهم لَم يخوضوا حَربنا ..! فهذا الجِيل والأجيال القَادِمة تخوض أشرس حَربٍ في التاريخ البَشري؛ حرب سَلخ الإنسان مِن فُطرتهِ، حَرب أن تَبقى طاهرًا دون أن تَتلوث بالرجسِ مِثلهم، أن تبقى الآذان والعُيون والجوارح كُلها بريئة، حربٌ وضع فيها العَدو سلاحه على رأسنا ونحنُ عُزّلٌ ..!!، حَربٌ لا يَعلمُ مدى شَراستها إلا الله وصَاحِب الزّمان، الجَمرة تَزداد لَهيبًا، والنّاجي مِن هذه الحَرب مَن قبض علَيها وعلَّم الصِغار على الإمساكِ بها ..!! .
اتذكر مقولة للكاتب الاستاذ امين الخصاونة متسائلا ..!!؟هل الملوك والحكام العرب وحدهم سبب مصائبنا وبلاوينا...؟؟، لكن الحقيقة ان بنا طباعا تجعلنا مميزون، فنحن نفتح شبابيك السيارات ونلقي ماهب ودب من قذارات مخلفاتنا، ونحن اذا اعطينا موعدا نحرص على عدم احترامه، ونحن اذا كنا موظفين نحرص على التكشير وتعقيد معاملات المراجعين ، فنحن فنانون بالاساءه لبعضينا، نحن اذا اصبحنا رجال شرطه او جنود مع اي اوامر لانرفض البطش باهالينا وتكسير عظامهم وتحطيمها، هذه للاسف بعض صفاتنا ..!! فنحن نرفض الاخر ونكفره، نتسابق بالاخبار عن بعضنا البعض، وبدون اجره نتدافع لخدمه اي مسؤول ..!! ومع النفاق نركض لنتصور مع اي تافه مسؤول او وزير، نسحج ونلمع ونمسح الجوخ وننتخب خسيسين ومنافقين اذا دفعوا لنا تنكه بنزين، ويضرب المعلمين بالهروات ونسكت، تغلق المدارس ولا نابه، واللص في بلدنا من نائب يصبح وزير، والوزير يعين ازواج بناته مدراء ووزراء، والسرقه عندنا لم تعد بخشيش ولا هدية .. !! فمن نحن اليوم ..!!والى متى ..!! وهل في بقايانا حياه وخجل لانفسنا، نعم فالحقيقة ان المشكلة هي نحن اولا وأخيرا ..!! .
ويبقى الإنسان من يرى حقيقة الواقع، وننطلق من أتعس دروس التاريخ كقاعدة، فعندما نكتشف اننا خدعنا لوقت طويل، سننفي أي دليل يكشف أننا خدعنا، فالكون ليس لطيفاً ولكنه ليس عدائياً، لكنه فقط لا يبالي بأمر كائنات ضعيفة مثلنا، وبعد ان تموت الارض، ربما بعد خمسة مليارات عام من الآن، بعد أن تحترق كلها أو حتى بعد أن تبتلعها الشمس، سيكون هناك عوالم أخرى، ونجوم ومجرات تأتي إلى الوجود، ولن يعلم احد عن مكان يدعى الأرض ..!!.. .
لذلك من الافضل ان ندرك الكون على حقيقته، من ان نصر على العيش من الاوهام، مهما كانت هذه الاوهام مرضية، فالكون بداخلنا، ونحن معشر الإنسانية مصنوعون من النجوم ونحن لسنا إلا وسيلة لنعرف الكون، فخلال وجودنا في الظلام الهائل لا نمتلك أي دليل على مساعدة سوف تاتينا من الخارج لإنقاذنا من انفسنا حتى الأن، سواء اعجبتك الفكرة ام لا .. هذا الكوكب الذي هو الأرض هو مصيرنا وهو عالمنا .. وهذا الكون والعالم بيد الخالق العظيم الرب الكريم وامره .
نقرأ في كل وقت الكتابة وهي أعظم اختراعات الإنسان، إنها تجمع الذين لم يعرفوا بعضهم يوماً، وسكنوا عصورا وأماكن مختلفة، فلو راقب أحدهم كوكبنا ونحن نهتف بأعلى صوتنا ونقول : الكون مخلوق لنا ..!! نحن محور كل شيء ..، لأصر أن هذا يجب أن يكون كوكب الأغبياء، نحن نعيش على كوكب صغير يدور برتابة حول نجم مدسوس بعيداً في الزاوية المنسية من الكون الذي يحتوي على مجرات تفوق عدد البشر ..!!؟ .
اليوم سوريا أرض مكتملة الدمار مفجوعة ثكلى، فهي وطني المنكوب فالحرب بداخلها وخارجها يتنافس على رزقها نفطاً وذهباً وأرضاً وقتلة ومجرمون، تقودهم انظمة القتل والتدمير والنفوذ والمصالح .. إنها الحرب المؤامرة والحصار الخانق من دول الشر الذي رأس حربته الولايات المتحدة الأميريكة، فما علاقة أرض وطني وأرض اليمن والعراق وكل بلادي العربية المنكوبة ..!!؟، هل هنا لحظة من فراغ ضمن الزمن ينمو فيها الشعور بالتساوي والتشابه بين الدول العربية ..!؟ إنها أسئلة تتوالى وتستفز عقلي اطرحها و أعلم بأن لا جواب يحتويها، لأن الخوف سيد اللحظة الراهنة واللاحقة أيضا إن لم يخذلني المجاز، وانا أراجع ذاكرتي وأعود لماضي عشته وخبرته وتعلمته أن سوريا قبل 2011 كانت موطن للثقافات والحضارات يأتي نجوم الوطن العربي ونجوم هوليوود لرؤية جمال العمران فيها من فنون المسرح لنهضة التطور بجميع النواحي ، حيث كانت تلتقط مجلة vogue صور لعارضات الأزياء ضمن شوارعها، تأتي نجوم مصر لتصوير مشاهد السياحة في مدنها الساحلية ، يختلط العرق الأردني مع اللبناني والفلسطيني والعراقي والمصري .. في سوريا حتى نكاد لا نميزهم ، يستنيرون من العلم والأدب والثقافة التي شهدت بلادي على احتضانها بشكل مسبق عن غيرها .
لقد كانت مهداً و ليست مسرحاً لتصوير مشاهد حرب لأفلام هوليودية ، لم يكن يتصور عقلي أن أسمع وأشهد على تحول جذري قاهر ، أن يكون وطني استوديو كامل جاهز لمشهد حرب حقيقي ثم يتحول المشهد لحقيقة عشتها وشهدت على تفاصيلها من خوف وذعر وتهجير وغرق واستغلال وبيع وتطويق، ثم هدوء فمشهد تمثيلي عن بلد آخر ..فهل اليمن في سوريا أم سوريا تنوب عن العالم ..!؟ .
ما الذي ينتظرنا؟ ما الذي يختبرنا؟ من المخرج لحربنا الحقيقية؟ وعلى سبيل المقارنة، المواطن السوري لا يملك وقتاً ليعيش حتى يملك وقتا ليستريح، عليه أن يبقى في صراع دائم بين ما كتبَ له وما كتب عليه، فالمواطن السوري لا يمكنه أن يتخيل مشهده الأخير، والخلاصة ليست بتحولنا لمسرح بل التسليط على أننا بشر نستحق الحياة، وليس ذنبنا أن ذاكرتنا المنهشة الملعونة المحتاجة لعمود كهرباء نستنير به في عتمتنا وبعض الكولبات ليزدهر اقتصادنا، علها حينها تعود سوريانا إلينا .
د.سليم الخراط
دمشق اليوم الاربعاء 11 آب 2022.