كتاب واراء

الخسارات الحائرة في المنطقة وسبل مواجهتها

 

 1 - الاقتصاد يمثل شريان أمريكا.. وبالتالي هناك أهمية لوجود حركة مقاطعة لمنتجاتها، كأداة لإضعاف اقتصادها وعلينا معرفة كيف يمكن استثمارها اليوم وإحداث أثر مستقبلي فيها ..؟

 

المقاطعة لاتعني فعلاً لحظوياً أو ردة فعل قصيرة المدى بل هي مشروع تكاملي وحضاري بالدرجة الأولى ، ففي استعراض طويل لمسار الهيمنة الأميركية على بلادنا، و أسباب المعركة القديمة -الجديدة بين عناصر محور المقاومة، من جهة والإدارة الأميركية وسياساتها في منطقتنا من جهة أخرى .

لذلك المطلوب هدفاً واضحاً يتمثل بإخراج القوات الأميركية من بلادنا، والبداية بمقاطعة البضائع الأميركية، الأمر الذي يمثل شكلاً آخراً من أشكال المواجهة بين المعسكرين .

وهو ما يؤكد الى وحشية أميركا اليوم والتي تتمثل بالحصارات الإقتصادية وحروب الوعي والإرادات ، ولا يكفي هنا أن تحرر الأرض من الجنود الأميركيين ما دامت الجهات المحاربة لها يعاني بعضها من أمراض التبعية وعقدة النقص واللاإنتاجية ، إذاً هذه الخطوة تأتي في سياق سياسي مبدئي رافض للوجود الأميركي بكل أشكاله ، فالحرب الإقتصادية اليوم لا حدود لها، إذ إن سلاح الحصار والتجويع المسلط على محور المقاومة لا يمكن كسره إلا من خلال الوحدة الإقتصادية ، فقد أثبتت سياسات قوى المحور نجاعتها في الكثير من القضايا السياسية والعسكرية، الأمر الذي يجب أن ينسحب على كافة الأطر الإقتصادية والإجتماعية والفردية.

لذلك علينا ان نطالع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مؤخراً في العراق ولبنان إمعاناً في ضرورة طرح المسألة المعيشية كأولوية ملحة لدى محور المقاومة، الذي يعد مسؤولاً والمعقودة عليه الآمال لخلق بديل عن عدوه الأميركي ، هذه الحاجة تفرض على قيادات المحور طرح الأسئلة الكبرى حول طبيعة الصراع وحتمية الإستقلال الاقتصادي وساحات القتال الجديدة ، وفي خلفيات الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأميركية، يتبين لنا أن مقاطعة البضائع الأميركية تحتاج إلى تغيير في أسلوب حياتنا المعهود ، وليست المشكلة هنا في عدم وجود البديل بل في استعدادنا الثقافي كشعوب نحو خلقه ، ثم إن المسألة ليست في إلحاق الضرر بالإقتصاد الأميركي، بقدر ما هي نهج يحررنا من التبعية الإقتصادية ، عداك عن أن المقاطعة تعني تغييراً في نمط حياتنا الأميركي المفروض بتفاصيله اليومية ، فالمعادلة اليوم هي: 

إستهلاك أقل، تحرر أكثر.

المقاطعة ليست فعلاً لحظوياً أو ردة فعل قصيرة المدى بل هي مشروع تكاملي وحضاري بالدرجة الأولى ، أن تقاطع البضاعة الأميركية يعني أن تخلع نمط الحياة الغربي، والمطلوب هنا هو السير في نهج إعادة الإنتاج قدر المستطاع ، وهناك أيضاً الكثير ممن عبر عن أن المنتجات الأميركية هي عبارة عن أفكار أو أشخاص أو جمعيات أو تيارات ، وهذا الأمر صحيح، فالإستثمار الأميركي في بلادنا يعتمد على نخب معلبة ومبرمجة بأجندة أميركية لا تعترف إلا بلغة المال والقوة.

ثم إن الرسالة الأهم لم تكن موجهة للناس كون المقاطعة تحتاج لبرامج وطنية وحملات توعية، إنما كانت تستهدف أميركا بالقول: إن خيار المقاطعة والإنفتاح بين عناصر المحور قائمتان، وأن سياسات التجويع والإفقار لن تنال مرادها. لا مفر اليوم من رفد دولنا بالطاقات البشرية المنتجة وفتح الحدود أمامها كي نصل إلى المكان الذي يخولنا مقاطعة الولايات المتحدة بأقل الأكلاف والأضرار.

الفرصة اليوم سانحة لإطلاق معركة الوحدة الإقتصادية، فدماء أبناء أوطاننا التي عبرت الجغرافيا وكتبت التاريخ، والتي كان همها الأول التحرر والإستقلال، لن تكون إلا فاتحة للعبور نحو تلك الغايات ، وأي تخلف أو تسويف سيعيد الحضور الأميركي إلينا من بوابة الفقر والعوز وسوف يذبح المنتصر بسيف الخبز .. .

 

2- دعم الصناعة الأميركية يعني رفع سلاح جديد بوجه الشعوب المستضعفة وعلينا معرفة كيف نفسر أهمية هذه الحركة للحد من دعم السلاح الأميركي ..؟

ننطلق من مبدأ يقول : نحن نعلم ان اقتصاد الولايات المتحدة هو اقتصاد متقدم إلى حد كبير، وقائم على نظام اقتصاد السوق حيث لابد ان يفند وفق التالي .. :

اقتصاد الولايات المتحدة يعد أكبر اقتصاد في العالم من ناحيتي الناتج المحلي الإجمالي الاسمي وإجمالي الثروة (الثروة الصافية) .

2 - انه يحل في المرتبة الثانية من ناحية الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية.

3 - ففي عام 2021، حلّ الاقتصاد الأمريكي في المرتبة الخامسة من ناحية الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد، والمرتبة السابعة من ناحية الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية للفرد الواحد ، في وقت تمتلك الولايات المتحدة الاقتصاد الأقوى تقنيًا، والأكثر ابتكارًا، على الصعيد العالمي، وتبرز قوة الاقتصاد في مجالات الذكاء الاصطناعي والحاسوب والأدوية والطب والفضاء الجوي والتقنية العسكرية .

4 - خصوصًا ؛ يعد الدولار الأمريكي العملة الأكثر استخدامًا في التجارة الدولية، والعملة الرئيسية في احتياطي العملات التي تحتفظ بها المصارف والدول، مدعومًا باقتصاد الولايات المتحدة وقواتها المسلحة، وإعادة تدوير البترودولار، والإيداعات الآجلة بالدولار خارج مصارف الولايات المتحدة، ووزارة الخزانة الأمريكية .

-5 يعد الدولار الأمريكية عملة رسمية في عدة دولٍ أخرى، وعملة سائدة فعليًا في دول أخرى. 

6 - تعد الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والهند واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وتايوان من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة .7 - تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى من ناحية الواردات، والثانية من ناحية الصادرات .

8 - على الصعيد العالمي. وقّعت الولايات المتحدة اتفاقيات تجارة حرة مع عدة دول، من بينها الاتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكندا، واتفاقيات مع أستراليا وكوريا الجنوبية وإسرائيل، وهناك دولٌ أخرى تخوض مفاوضات حول التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، أو تسري فيها هذه الاتفاقيات فعليًا .

من كل ذلك نجد انه يتعين علينا كدول مواجهة ومحور مقاومة ان نقف في وجه الصناعات الاميركية السابق ذكرها وان نحد من توسعها ، لما لها من قوة وتأثير على الشعوب المستضعفة وهو ما يحتاج آلية وبرامج عمل عملية وميدانية تلامس الواقع لتحد من هذا السلاح المستخدم وحجم تاثيره .. .

 

٣ - الانتاج الوطني اليوم في مواجهة الحصارات الجائرة واخرها حصار قيصر ..

نحن في واقع عالمي يفرض نفسه حيث يعد تحقيق الاكتفاء الذاتي مطلبا حيويا لجميع الدول، وتكمن أهميته في توفير الاكتفاء الذاتي في 3 مجالات أساسية وهي الغذاء والدواء والتعليم.

لذلك لابد من تسليط الضوء على مسألة تحقيق الاكتفاء الذاتي ، ذلك أن الاكتفاء الذاتي في الأساسيات يعد سبيلا إلى الاعتماد على النفس وتطوير الإمكانات الذاتية وتقليل الاعتماد على الاستيراد، كما أنه يدعم السيادة الوطنية أمام الدول الأجنبية.

والاكتفاء الذاتي هو القدرة على إنتاج جميع الاحتياجات الأساسية محليا من خلال الاعتماد الكامل على الموارد والإمكانات الذاتية، والاستغناء كليا عن الاستيراد لتلبية هذه الاحتياجات .

اما عن أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي، فله أسبابه ، لأن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الأساسيات يعد ضرورة، إذ أنه يحمي الدولة في حال تعرضها للحصار أي أن الاكتفاء الذاتي يعد حماية وطنية في مواجهات الحصارات الجائرة ضد الدول وشعوبها .

الاكتفاء الذاتي يخفف من حاجات الدولة في توفير العملات الأجنبية لاستيراد المواد الأساسية، أي يخفف الضغط على ميزان المدفوعات، ويزيد الاعتماد على الإنتاج الوطني ما يحقق إضافة للناتج المحلي، بالإضافة إلى أنه يحقق شعورا بالعزة والكرامة للدولة واستقلالية في قرارها، كما انه يخلق فرص عمل ما قد يعتبرحلا لمشكلة البطالة.

لذلك لابد من التشديد في ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات الثلاثة الأساسية وهي الغذاء والدواء والتعليم .

 

د.سليم الخراط 

دمشق اليوم الاربعاء ٢٢ كانون الاول ٢٠٢١.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

المقالات الأكثر زيارة