ناصر قنديل
– يؤكد الجميع بلا استثناء داخلياً وخارجياً رغبته بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وقناعته بحتمية إجرائها في موعدها، فهل هذا يعني أنها ستجري في موعدها أم أن أحداً لا يريد أن يتحمل مسؤولية عدم إجرائها في موعدها، على رغم قناعته بأن العقد الانتخابية أكبر من إمكانيات إحتوائها قبل موعد الانتخابات، سواء في 27 آذار أو في 15 أيار، هذا السؤال تطرحه عملياً أي عملية تدقيق بالعناصر القانونية والسياسية التي تشكل شروط إقلاع قطار الانتخابات، ليبلغ محطة الوصول في الموعد المقرر.
– قانونياً هناك شبه إجماع على تبني نص القانون المطعون به من التيار الوطني الحر، في ما يتعلق بتصويت المغتربين، من المعارضة كما تسمي نفسها القوى التي تضم الأحزاب التي كانت تشارك في السلطة وتقف خارجها اليوم، والنواب الذين استقالوا وصاروا يعملون تحت عنوان المعارضة على رغم انتمائهم السابق إلى كتل مشاركة في السلطة، ويقف معها من يسمون أنفسهم بقوى الثورة وهم مجموعة شخصيات وتجمعات سياسية ناشئة وجمعيات مسجلة كمنظمات مجتمع مدني، بشقيها اليميني واليساري المتناحرين حول الأولويات، فهذا الحشد الذي يعتمد عليه رهان نقل الأغلبية من ضفة إلى ضفة، كما يقول رئيس الحزب الأكبر في هذه الجبهة سمير جعجع، يعتمد هو بالمقابل على تصويت المغتربين للـ128 نائباً وتوزيع 150 ألف صوت تقريباً يقولون إنها ستمنحهم أصواتها على 15 دائرة بمعدل وسطي يمثل 10 آلاف صوت لكل دائرة لتغيير وجهة نتائج التصويت التي سيجريها المقيمون، لكن كل شيء من الزاوية القانونية يقول إن الطعن سيلقى القبول، وأن النص القانوني سيعود إلى صيغة دائرة من ستة نواب تصب فيها أصوات المغتربين، لكن من الزاوية الاجرائية كل شيء يقول إن اعتماد دائرة المغتربين ينقصه الكثير للسير به عملياً، بينما إلغاء التصويت الاغترابي يمكن أن يتسبب بردود فعل لا تحمد عقباها، والسير بالدائرة يحتاج إلى إجابات على كيفية توزيع نواب الدائرة إلى ما يشبه الأقضية وتوزيعهم على الطوائف، وهذا يحتاج إلى توافق سياسي وترتيبات إدارية لكيفية الإحتساب في النتائج وغيرها من العناصر الغامضة.
– في السياسة لا يبدو أن هناك قدرة على تجاوز العقد التي لا بد من حلها لتكون القوى المعنية جاهزة للانتخابات، أولها قرار الحلفاء الدوليون والاقليميون الرعاة للمعارضة و”ثوار المجتمع المدني” حول كيفية التعامل مع نقطة الضعف الكبيرة التي يمثلها غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد الانتخابي إذا بقي القرار السعودي على ما هو عليه، وارتدادات هذا القرار الذي يدعمه “حزب القوات” في ظل قرار سعودي بتجيير التصويت التقليدي للمستقبل الذي تستطيع السعودية التأثير عليه لصالح لوائح القوات، بينما يقول الراعيين الأميركي والفرنسي إن ذلك سيقلص فرص الفوز بالأغلبية ويفقد الكتلة الاجمالية المرتقبة عشرة مقاعد على الأقل، سينال منها حلفاء حزب الله النصف، وفي المقابل فإن السير بترشيح الرئيس الحريري سيعدل سقف المعركة الانتخابية ويفقدها طابعها الحدي ضد الحزب ويوجهها ضد العهد كما يرغب الحريري، ويؤدي عملياً لاستعادة المشهد النيابي التقليدي، وعلى ضفاف هذا الغموض، أكثر من غموض آخر، فالتحالف التقليدي الذي كان يجمع الرئيس نبيه بري بالنائب السابق وليد جنبلاط كان يترجم انتخابياً كتعبير عن العلاقة التاريخية بينهما، متصدع هذه المرة بفعل إعلان جنبلاط حسم أمر التحالف مع حزب القوات اللبنانية على رغم سقوط شهداء من حركة أمل في مجزرة الطيونة، تتهم أمل القوات بالمسؤولية عن قتلهم، وكان الرئيس بري يتوقع من جنبلاط التشاور معه قبل الإقدام على حسم تحالفه، وهذا يطرح مصير تصويت أمل وبعض حلفائها في دوائر مثل عاليه والشوف، وهذا التصويت الذي يفترض أن يصب طبيعياً للائحة يدعمها حزب الله ويشكل التيار الوطني الحر ركيزتها، تعترض طريقه العلاقة المعقدة بين التيار والحركة، وهي علاقة تحتاج حسماً يسبق التحالفات التي ترسم المشهد الانتخابي في أكثر من دائرة.
– الصورة الراهنة هي أن الكل ينتظر الكل، والكل يشغل محركات ماكينته الانتخابية بربع فاعليتها، والكل يقول إن الانتخابات في موعدها!