بقلم: غالب قنديل
يروّج الإعلام الأميركي والغربي وبعض الإعلام العربي رواية عن مبادرات تتّخذها الحكومات الأجنبية والإقليمية اتجاه سورية، وتتبدّى الخطوات المعلنة “مكرمات” يتمّ التفضّل بها على الشعب العربي السوري والحكومة السورية، بعد حرب ضارية، تُعامل اليوم وكأنها أشبه بحادث عابر، رغم دوامها لسنوات عشر ونيّف. كما أُنفقت عليها عشرات المليارات، وشاركت في فصولها عشرات أجهزة الاستخبارات الأجنبية والعربية والإقليمية، وحشود مرتزقة وإرهابيين، اُدخلوا بعشرات الآلاف عبر الحدود. وما تزال بعض جيوب العدوان والتدخّل على الأرض السورية، التي شهدت توسّع رقعة سيطرة الدولة الوطنية وقواتها المسلحة في معظم المناطق.
أولا: يخشى الغرب من العائد السياسي والمعنوي للاعتراف بانتصار دولة وطنية تحرّرية مناهضة للهيمنة، تتبنى نهجا قوميا، تسنده قدرات نامية ومكانة معنوية مميزة في بيئتها الإقليمية، من خلال شبكة صداقات وشراكات على امتداد الجغرافية المشرقية والعربية، ولاسيما في بلدان احتفظت معها القيادة السورية بعلاقات شراكة وتَسانُد في أحلك الظروف الصعبة، ويعني لها الإقرار بنصر سوري واضح تحولا سياسيا كبيرا لمصلحة حلف المقاومة والاستقلال والتحرّر في المنطقة، وهي تعدّه بحقّ تعزيزا وتحصينا لمكانة جميع حلفاء سورية، وترسيخا لمعادلات تغيُّر البيئة الإقليمية.
من هذه الخلفية بالذات، صدرت “نصائح” أميركية وغربية، بل وتوجيهات، لتحرّك الحكومة الأردنية نحو دمشق، وشُنّت حملة إعلامية منظّمة لقلب الصورة، وتقديم الخطوة الأردنية كمبادرة أخوية، وليس بوصفها اضطرارا للتكيُّف الاستباقي مع فشل أميركي وغربي يقارب الفضيحة والهزيمة البائنة.
ثانيا: هذا التحايل في احتواء الفشل، لن يحرم سورية من ثمار الصمود والانتصار ونتائجهما المعنوية، بعد سنوات الصبر والحصار والخنق والتشويه السياسي والاقتصادي والتشويه والتحريض الإعلامي. ويفترض توحيد الجهد المشرقي التحرري في ترويج صورة الانتصار السوري، وتعرية محاولات الالتفاف والتبخيس المفضوح. فالحقيقة الصارخة، التي تترسّخ مع الوقت، هي أن سورية قهرت المعتدين، الذين سعوا لتدميرها وتخريبها، وهي تخرج من أتون العدوان أشدّ قوة وصلابة، وتزهو بانتصار خيارها القومي التحرري، وقد اكتسبت درجات عالية من التماسك والحيوية في معمودية مقاومة العدوان، وبعد صمود بطولي ضد حروب متعددة، جمعت بين الغزو والاحتلال بالجيوش وأعمال التخريب والقتل، التي شنّتها عصابات مرتزقة على الأرض خلف خطوط انتشار الجيش العربي السوري في أنساق دفاعية، تمكّنه من التصدي لقوى العدوان، ومنع تقدّمها في الجغرافيا. وقد حقّق نجاحات باهرة ومدهشة في شنّ هجمات مرتدّة، وتفكيك العصابات والقوى النظامية المتعدّدة المشاركة في العدوان.
أظهر الجيش العربي السوري قدرة مبهرة على قهر التحديات في بيئة مركّبة ومع أنماط معقّدة ومتنوعة من المعارك، جمع في بعضها بين الحروب التقليدية وحروب العصابات، وأظهر العسكريون والضباط نماذج من البطولات الفردية، التي تثير الإعجاب، نقل بعضها الإعلام الوطني السوري.
ثالثا: بات انتصار سورية وجيشها المقاتل أمرا محسوما ومسلّما به في دوائر تخطيط العدوان، التي تطبّق خطط تراجع مكشوفة، وتنفّذ استدارات وعمليات التفاف، تحت ستار دخان إعلامي سياسي في طريق عودتها إلى دمشق، واعترافاتها المواربة بالفشل والهزيمة. ولا شكّ أن القيادة السورية تعامل المتورّطين في انكفائهم بذكاء وحكمة، من غير براءات ذمّة لأيٍّ كان، بل بدبلوماسية ذكية، تفتح أبواب المصالحة مع الأشقاء الضالّين، على جري سورية، التي سُميت في المشرق بالشقيقة الكبرى، وخصوصا بالنسبة للبنان وفلسطين والأردن، كناية عن رشدها التاريخي، ودورها النوعي الحاسم، وليس فقط انطلاقا من حجمها الجغرافي والسكاني وموقعها، الذي يقع في قلب المنطقة، وهو في خلفيّة تبلور دورها المحوري. فهذه المنطقة سُمّيت تاريخيا ببلاد الشام، كناية عن أهمية سورية، وليس فحسب، لأن دمشق هي واسطة عقد العواصم الإقليمية جغرافيا واقتصاديا منذ طرق القوافل القديمة، التي كانت تقصد الحاضرة الأهمّ في الشرق القديم.
بانكسار الفصل الأخطر من العدوان الاستعماري، وعلى الرغم من الخسائر الجسيمة، التي خلّفها، ومع اضطرار سورية لتخصيص موارد طائلة في إزالة آثار الحرب الهمجية، وردم فجوة ما فاتها في طريق النمو، لكنها، بكلّ ثبات، قادرة على استكمال صعودها، بفضل النهج الوطني التحرّري لقيادتها ولدولتها الوطنية، ومع وجود شركاء مخلصين من الشرق التحرّري المناهض للاستعمار الغربي، تتقدمهم المقاومة اللبنانية وايران وروسيا والصين.
المصدر :سيريا سكوب