حكاية زينب ابنة الشهيد حسين محرابي عن لقائها بالحاج قاسم سليماني
في العام الماضي، وبعد لقائنا بالإمام الخامنئيّ دام ظله -لقاء عوائل شهداء الدفاع عن المقدّسات- جاء الحاج قاسم [سليماني] إلى الفندق الذي كنّا فيه لكي يلتقي بعوائل الشهداء. خلال ذلك اللقاء، اكتشفت مدى محبّته واهتمامه بأبناء الشهداء، فأردت أن أشكره على هذا اللطف والاهتمام، وما إن أنهى كلامه -وكانت الجموع محتشدة حوله- ناديته بأعلى صوتي: "حاج قاسم، يا حاج قاسم".
•الخاتم والشهادة
حين التفت إليّ قال: "نعم عزيزتي؟"، فأفسحوا لي المجال واقتربت منه وشكرته، ووقع نظري على خاتمه، قلت له: "حاج قاسم، كم هو جميل خاتمك! هل يمكن أن تعطيني إيّاه؟"، ابتسم وأحنى رأسه إلى الأسفل، ثمّ أصررت عليه قائلة: "ألا تستطيع أن تهديني إيّاه؟"، فنزع الخاتم من إصبعه ولوّح به قائلاً: "سأعطيك الخاتم، ولكن عليكِ أن تفيه حقّه!، قلتِ إنّك من مشهد، فلتذهبي إلى حرم الإمام الرضا عليه السلام ولتطلــبي منه شهـــادتي. إيّاكِ أن تنسي ذلك، عليك أن تفي حقّ خاتمي". أخذتُ الخاتم منه وقد تملّكني الذهول، وحين تنبّهت كان قـد ســـار قليلاً، فتبعته بسرعة وناديــته: "حاج قاسم، لا أريد خاتمك؛ لا أستطيع أن أدعو بمثل هذا الدعاء، يجب أن تبقى وترفع راية المقاومة عالياً وتحرّر فلسطين". فأجابني: "ما دام محور المقاومة قائماً، فهناك حشود هائلة من المجاهدين الذين يصرّون على إكمال هذا الطريق، أنا لم أعد قادراً على أن تنظر عيناي إلى عيون أبناء الشهداء، لم أعد أحتمل أن أرى أبناء الشهداء".
رافقته حتّى اللحظة الأخيرة، إلى أن ركب سيّارته، وكان يؤكّد عليّ في كلّ لحظة يراني فيها: "زينب، لا تنسي أن تؤدّي حقّ هذا الخاتم! لا تنسي مسألة شهادتي في حرم الإمام الرضا عليه السلام".
•أمنيّة عميقة
استغربت كثيراً، قائدٌ بهذه العظمة يسعى لأجل الشهادة بهذا النحو! لم أدرك عمق هذه الأمنيّة حتّى شرّفنا وحضر إلى منزلنا. ليلة عرفة الماضي، اتّصل الحاج قاسم بي وأخبرني بأنّه حضر إلى مشهد فدعوته إلى منزلنا، فأجابني: "طبعاً، زيارتكم ضمن برنامجنا". جاء إلى منزلنا صباح اليوم التالي، فطلبت منه أن يأتي إلى غرفتي ووافق على الفور، شعرت أنّه كان ينتظر مثل هذا الطلب لكي نتحدّث براحة.
كان لديّ صورة للشهيدين الحاج عماد وجهاد مغنيّة، فأعطيتها له وطلبت منه أن يكتب لي شيئاً على ظهرها. تأوّه بحسرة كبيرة: "الحاج عماد... الشهيد جهاد مغنيّة..."، وكتب على ظهر الصورة:
"بسم الله الرحمن الرحيم، إلهي، فلتشمل فاطمتي وزينبتي بألطافك وعناياتك، ولتجعلهما تنعمان بالقرب من الشهداء في الدنيا والآخرة.
لا تنسياني من الدعاء يا ابنتَيّ العزيزتين.
عمّكما الحاج قاسم
١١ آب ٢٠١٩م".
ثمّ قال لي: "لقد كنت برفقة الحاج عماد قبل دقيقتين من استشهاده، لقد استطاع أن يحصل على الشهادة بشكل مميّز!". وتابع: "إنّ الحاج عماد والشهيد جهاد مغنيّة استشهدا داخل السيارة، وهذا يعني أنّ أحداً لم يكن يجرؤ على مواجهتهما! إنّ الشهيد جهاد مغنيّة احترق بشكل كامل، ولم يبقَ منه شيءٌ كثير، كم نال شهادة مميّزة!"، ثمّ التفت إليّ وقال: "ادعي لي يا زينب أن أستشهد كما استشهدا. وأعلم أنّ شهادتي باتت وشيكة، لقد جئتُ إلى مشهد اليوم طمعاً بالشهادة، واليوم هو يوم عرفة، كلّ من لم يستطع أن ينال الشهادة طوال أعوام الحرب هذه كلّها، عليه أن ينال توفيق الشهادة اليوم، اليوم يوقّعون على شهادة الأفراد، ادعي لي بأن أكون ضمن اللائحة".
ثمّ نهض ونظر إليّ وإلى أختي فاطمة بحسرة وتأوّه قائلاً: "فلتدعوا لي بالشهادة! إيّاكما أن تنسيا ذلك، ادعوا أن لا أتخلّف عن ركب الشهداء".
ذُهلت حينها، لماذا يتمنّى الشهادة إلى هذا الحدّ؟ فهو قد بلغ هذه المنزلة وهذه المكانة. قلت له: "لقد لقّبك الإمام الخامنئيّ بالشهيد الحيّ!"، فأجابني: "نعم، كما قلتِ، لكنّه مجرّد لقب، وأنا فرح به، لكنّني لن أكفّ حتّى أنال الشهادة".
شهادته كانت تليق به! وقد أثبتت كم أنّ أمريكا وإسرائيل عاجزتان عن مواجهته أيضاً