كيف يكون مثقفاً ولا يتحرك الى الأمام؟!!!
بقلم د. جمال شهاب المحسن *
تطوّرَ مفهومُ الثقافة Culture من حراثة وزراعة الأرض و(الحقل المفلوح المزروع) في القرن السابع عشر واستُعمل بطريق التعميم أو قياساً على ذلك في تعبيرات مثل درس الآداب Culture des lettres ودرس العلوم Culture des sciences ، وبدأ الكتّاب في القرن الثامن عشر في إستعمال هذه الكلمة بمعنى التكوين العقلي وزراعة العقول بالمعارف والعلوم والرموز والنماذج الفكرية والفنون … وعندما تُرجم لفظ ثقافة من اللغة الفرنسية إلى اللغة الألمانية من قِبَل فون إرفنغ Von Irving وأدلونغ Adelung وزملائهما أصبح أكثر اتّساعاً ليدلَّ بطريق القياس مرةً أخرى فيشير إلى التقدّم العقلي والإجتماعي للجماعات الإنسانية وللإنسان عامة وحينئذٍ أخذ اللفظ مفهوماً جمْعيّاً وحمل فكرة الحركة إلى الأمام وفكرتي الإصلاح والتغيير …
إن هذا الإصطلاح الذي اقتُبس في الغرب من اللغة الفرنسية ثمّ أُعيدت ترجمته من اللغة الألمانية إلى اللغة الإنكليزية ، كان يُضاف إليه في كل مرة شيئٌ جديدٌ سواءً بطريق التعميم أو بطريق القياس دون ان يفقد معناهُ الأصلي .
ومن أهم ما قرأتُه عن الاشتقاقات اللغوية للثقافة في المعاجم اللغوية العربية التالي :
*ثقِف الشَّخصُ : صار حاذقًا فَطِنًا
*ثقِف الشَّيءَ : ظفِر به أو وجده وتمكّن منه
*ثقِف الحديثَ : حذَقه وفطِنه ، فهِمه بسرعة …
*ثقَّف ( فعل ):
ثقَّفَ يثقِّف ، تثقيفًا ، فهو مُثقِّف ، والمفعول مُثقَّف
*ثقَّف الشيءَ : أقام المُعوَجَّ منه وسوّاه
*ثقَّف الإنسان : أدّبه وهذبه وعَلَّمه
*ثقَّف المعوجَّ : سوّاه وقوَّمه
*ثقَّف الأخلاق : أصلح السلوك والآداب
وهناك الكثيرُ الكثيرُ من المدلولات والمعاني المفيدة …
ما أجملكِ يا لغتَنا العربيةَ الغنيّة والحيّة التي توصلُنا دائماً إلى المفاهيم الحقيقية الواضحة والتي نتلمّسُها في الثقافات العالمية .. وفي هذه الحالة أجدُني بعد البحث الدقيق أستنتجُ أن المثقّف هو الذي يفهم بسرعة ويعمل في تقويم الإعوجاج وإصلاح السلوك .. وبذلك تصبح الثقافة مفاهيماً وأعمالاً وأفعالاً حقيقيةً وحركةً فعليةً إلى الأمام وإلى صنع المستقبل المشرق لأمتنا .. وهنا يصبحُ السؤالُ مشروعاً : كيف يكونُ مثقّفاً ولا يتحركُّ إل الأمام ؟!!!
ولا بدَّ من الإشارة الى أنه وعلى الرغم من توافر وسائل التعليم العصري وكثرة الجامعات والمدارس وتضخّم عدد الحائزين على اﻷلقاب “العلمية الأكاديمية” نشاهد في مجتمعنا حالةً من البؤس الثقافي أو الفاقة الفكرية … وطبعاً هناك أسبابٌ كثيرة ومنها فسادُ النظام التعليمي وعدمُ اﻻهتمام اللاّزم بتطوير البرامج التربوية والتغيّرُ في منظومة القيم وعوارضُ المجتمع اﻻستهلاكي وعدمُ ترشيد استخدام وسائل “التواصل اﻹجتماعي”… إلخ ، مما يجعلُنا نندفعُ في الدعوة الى الثورة الثقافية ، حيث أصبحت اﻻستعراضات ” الثقافية” الثقافَوِيّة والمظاهر التجميلية الخادعة ﻻ تنفع …
ولتأهيل أنفسنا ومن باب (إضاءة شمعة بدلاً من لعن الظلام) أجدُ لزاماً علينا وبكل وُدّ وتواضع ضرورةَ العمل على تشجيع التثقيف الذاتي ، فكم من كبار العلماء والمفكرين والمخترعين واﻷدباء قد ارتقوا وسموا بأنفسهم عبر تنمية طاقاتهم الفكرية الجبّارة وقدراتهم الفائقة على تجاوز واقعهم المرير ..