إعداد: مهدي طالب – السويد
الملخص
يبحث هذا المقال في تجربة المفكر والباحث السوري
سعيد فارس السعيد
بوصفها نموذجًا معاصرًا للاستقلال الفكري في العالم العربي. ويُظهر كيف اختار السعيد مسارًا معرفيًا حرًّا خارج الانتماءات الحزبية والدينية والمؤسساتية، ساعيًا إلى بناء فكر نقدي يعيد للوعي الإنساني مكانته كمحرّك للتاريخ لا كنتاج له. يتناول البحث مفهوم استقلال الفكر قبل استقلال الموقف، ويدرس رؤيته لما سماه "شرقًا يولد من تحت الرماد" كإطار لمشروع نهضوي جديد. كما يناقش التحديات التي تواجه المثقف المستقل في بيئة عربية تهيمن عليها السلطة والإعلام ورأس المال، مع تحليل نقدي لموقع المفكر ودوره الأخلاقي والمعرفي في صناعة المعنى.
المقدمة
يشهد العالم العربي في العقود الأخيرة أزمة مزدوجة في الفكر والسياسة، حيث تراجعت حرية التفكير أمام تصاعد الأيديولوجيات المغلقة، وتحوّل دور المثقف إلى هامشٍ بين سلطةٍ متضخّمة وجمهورٍ متعبٍ من الصراعات.
في هذا السياق، تبرز تجربة المفكر السوري سعيد فارس السعيد كمحاولة جادة لاستعادة المعنى الأخلاقي للاستقلال الفكري، بعيدًا عن الاصطفافات الحزبية والولاءات السياسية.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل ملامح هذه التجربة، واستنباط دلالاتها في مشروع تجديد الوعي العربي، بوصف الفكر المستقل شرطًا للنهضة لا ترفًا ثقافيًا.
---
إشكالية البحث
كيف يمكن للمفكر العربي أن يحافظ على استقلاله الفكري في ظلّ بيئة سياسية وثقافية مشحونة بالاستقطابات؟
وإلى أي مدى تمثل تجربة سعيد فارس السعيد نموذجًا لإمكان تحقيق الاستقلال المعرفي دون السقوط في العزلة؟
المنهج
يعتمد البحث المنهج التحليلي ـ النقدي، من خلال قراءة فكرية في نصوص ومواقف السعيد كما عرضها الكاتب مهدي طالب، وتحليلها ضمن الإطار الأوسع لفكرة الاستقلال الفكري في الفكر العربي الحديث.
يُستفاد كذلك من المقاربة السوسيولوجية الثقافية لفهم علاقة المفكر بالمجتمع ومؤسسات السلطة والإعلام.
أولاً: مفهوم الاستقلال الفكري عند سعيد فارس السعيد
يرى السعيد أن استقلال المفكر لا يتحقق بمجرد الابتعاد عن الانتماءات التنظيمية، بل في تحرير مساحة التفكير من الضغط الأيديولوجي.
إنه لا يدعو إلى الانعزال عن الواقع، بل إلى مواجهته من موقع حرّ يرفض أن يكون تابعًا أو شاهدًا صامتًا.
وهو ما يلخّصه في قوله:
> "الفكر يصبح سلطة حين يمتلك القدرة على تفسير الواقع، لا مجرد استنكاره أو الهروب منه."
بهذا المعنى، يتحول الفكر إلى سلطة تفسيرية تتجاوز الصراع السياسي لتصبح أداة وعي وإصلاح.
ثانيًا: مشروع “شرق يولد من تحت الرماد”
يقدّم السعيد رؤية نهضوية جديدة للشرق العربي تقوم على إعادة بناء الوعي، لا على اجترار الماضي أو انتظار المستقبل كخلاص.
فهو يدعو إلى شرقٍ جديد يولد من:
الوعي بدل الغريزة،
الثقافة بدل العنف،
المشاركة بدل الإقصاء،
العدالة بدل القوة.
هذه المبادئ تشكل أساس مشروع نهضة فكرية وإنسانية تعيد الاعتبار لقيمة الإنسان باعتباره محورًا للمعرفة والعدالة.-
ثالثًا: المثقف المستقل ومسؤوليته في العصر العربي الراهن
يشير مهدي طالب إلى أن السعيد لا يقدم نموذج المفكر المنعزل، بل يدعو إلى شبكة فكرية عربية مستقلة تعيد تعريف مفاهيم الحرية والمواطنة والمشاركة.
ويؤكد أن استقلال الفكر هو واجب أخلاقي في زمن تتشكل فيه السرديات عبر رأس المال الإعلامي والسياسي.
فالمطلوب ليس مفكرًا واحدًا خارج الصراع، بل بنية فكرية جماعية تقاوم التبعية المعرفية.
رابعًا: نقد وتحليل
من الناحية النقدية، يقدّم المقال تصورًا مثاليًا لاستقلال المفكر، دون أن يوضح آليات واقعية لحماية هذا الاستقلال داخل البنية السلطوية العربية.
لكن قوته تكمن في تأكيده على أن الفكر، لكي يكون مؤثرًا، يجب أن يستمد سلطته من المعنى لا من المنبر.
فهو يضع المثقف أمام مسؤوليته التاريخية: أن يصنع الوعي قبل أن يصنع الموقف.
الخاتمة
تؤكد تجربة سعيد فارس السعيد أن الاستقلال الفكري ليس انسحابًا من الواقع، بل طريقة جديدة للدخول إليه من موقع حرّ ومسؤول.
إنها تجربة تُذكّر بأن:
الفكر يمكن أن يكون مقاومة دون خصومة،
والنقد يمكن أن يكون بناءً دون تبرير،
والاستقلال يمكن أن يكون موقفًا لا عزلة.
لذلك، فإن مستقبل الوعي العربي مرهون بقدرة المفكرين على صناعة المعنى لا فقط الحدث، وعلى تحويل الفكر من ترفٍ ثقافي إلى قوةٍ اجتماعية فاعلة.
---
المراجع المقترحة
1. مهدي طالب /
المفكر الذي اختار طريقه وحده: تجربة سعيد فارس السعيد ودعوة إلى استقلال الفكر في الشرق العربي. السويد، 2025.
2. العظم، صادق جلال. ذهنية التحريم. بيروت: دار المدى، 1998.
3. الجابري، محمد عابد. نقد العقل العربي. الدار البيضاء: مركز دراسات الوحدة العربية، 1984.
4. حنفي، حسن. التراث والتجديد. القاهرة: دار التنوير، 1980.
5. حلاق، وائل. الدولة المستحيلة. بيروت: المركز العربي للأبحاث، 2013.