عندما تطوف اللحظة الزمانية في تمجيد البطولات ، تتعهدها الرسالات السماوية بالحفاوة توقيفاً وتوفيقاً. لهذا فإن النفحات الوجدانية و الرؤى الفكرية تتغنى بها الشفاه, و ترتلها أوتار القلوب, لتستقر في القلوب والذواكر ملامح متألقة من الانتصار ، وهنا يغدو الدم المسفوح من الأحرار و الشرفاء منار إبداع للحرية و الكرامة, ومثار رسالة للأدباء و الكتاب تعنيهم قبل غيرهم لأنهم يمثلون ضمير الوطن والأمة وعقلها وإرادتها وصورتها الروحية الرفيعة.
25 أيار انتشل النفس من الحزن و الآهات و الدموع و الحسرة ، و الندم و القلق ، و العدم والموت وينطلق بها إلى انعتاق كامل للمجتمع والأمة من هذه الحالات الضعيفة ليرتقي بهما إلى ألق المجد و العزة و الاستبشار بالنصر أو نيل الشهادة العظيمة .
فالمقاومة اللبنانية والشعب اللبناني الشريف والجيش العربي السوري شكلوا بصمودهم لغة أسطورية كانت معجزة للدنيا في التاريخ الحديث، وهو يواجه آلة الفتك الهمجية التي تسلحت بكل أنواع الأسلحة المحرمة والمدمرة...
فالمقاومة اللبنانية مثلت إرادة الحياة الانتصار لها في مواجهة الصهاينة الذين تغنوا بصياغة مخططات الإبادة وتنفيذها... مخترقين كل مبادئ حقوق الإنسان والشرعة الدولية.
وقد أذكت المقاومة مشاعر الأدباء والكتاب، وفتحت ذاكرتهم وعيونهم على الأبرياء الذين نذروا حياتهم للأرض، ورووا ذراتها بدمائهم الزكية... وطفقت تنبت البطولة والقصائد التي ترود آفاقاً وصوراً للتضحيات والمجد والكرامة.. فكل حرف في أدبياتهم كان يتوقد بدم أولئك الأبرياء، في الوقت الذي كان يعبر عن ثقافة الموت والدمار والوحشية التي اتصف بها العدو الصهيوني الهمجي.. إنه عدو لا يعيش إلا على القتل والدمار والاغتصاب، إنه يتلذذ برؤية الضحايا والأشلاء المنشورة هنا وهناك.
والنظام العربي الرسمي والعالم المتحضر المنافق يشاهدان بدم بارد وقائع الإعدام الجماعي لأبشع جريمة جماعية في التاريخ الإنساني وهم يرقبون استسلام المقاومة، أو موتها.. وكان المنافقون والمخادعون والمرتجفون ينتظرون بفارغ الصبر لحظة هزيمة المقاومة... ولكن خاب ظنهم إذ وقف الأبطال يحمونها من كل أذى، ويردون كيدهم إلى نحورهم، وهذا ما عبر عنه الشاعر منيف حميدوش في قصيدته (أعيــرونا) ومنها:
أعيرونا مدافعكم ....بنادقكم
هواجسكم....وبعضٌ من شهامتكم
ولا تهنُوا....
أعيرونا وظلُّوا في مواقعكم
بني الأعراب لازلنا نقول :
مواجعنا مواجعكم .... ومقتلنا فيه مقتلكم
إذا ما أغرقَ الطوفان لي وطناً
فلن تنجو مواطنكم
بني الأعراب ....رغم الضيم ...والغدر ...
ورغم الحقد...والقتل
ورغم المال ....والنفط الذي هُدر
لازلنا نرددها ...ألسنا أخوةٌ في الدينِ..؟
فلا تهنوا....فهل هنتمْ..؟
***
أيسعدكم إذا متنا ....
أيعجبكم إذا ضعنا..؟
أتحتفلون في الحاناتِ ...إن جعنا ؟
وما جدوى مقولتكم: إنَّ قلوبكم معنا
ألسنا يا بني الأعراب أخوتكم
إن جعنا ..وإن ضعنا ...وإن متنا
فالشاعر يشق عنان الواقع ليستعير منه صوره المؤثرة في الوقت الذي يختزن لغة تراثية تتجاوز حالة الألم العظيم الذي شعر به نتيجة بؤس المارقين..
25 أيار في الجنوب هنا غرست بيارق النصر في الجنوب ، وفي لبنان وفي الأمة العربية والإسلامية .وتبدت مفاهيم الحرية ، التي كتبت تاريخا لايقبل التأويل .
كثيرة هي الحكايا التي تختزنها الذاكرة والتي تخرج من إطارها الاحتفالي ، إلى دروس مهمة في التاريخ والمقاومة والبطولة .
مبارك للمقاومة في الجنوب ، مبارك للزيتون والليمون ، مبارك للدماء الطاهرة التي روت شقائق النعمان لتنبت الحرية من جديد .
مبارك لسيد المقاومة والكلمة الصادقة سماحة السيد حسن نصرالله
مبارك للبنان المقاوم الشريف ، مبارك لسورية السند والأمان للمقاومة .