أحداث ثلاثة ستغير وجه العالم بشكله الحالي :
الحدث الأول : الحرب على سورية وتبعاته ، وانقسام العالم إلى قطبين ، وزوال القطب الواحد .
الحدث الثاني : وصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية : شكل وصول دونالد ترامب للسلطة مؤشراً هاما لتسارع انهيار المنظومة العالمية. فقد نقل ترامب، بوعي أو دون وعي، الإشكاليات الكبيرة للعولمة إلى واجهة المجتمع المشهدي la société du spectacle
الحدث الثالث : الوباء العالمي (( كورونا )
في وقت يسعى فيه مئات الملايين من البشر إلى فهم طبيعة فيروس كورونا وكيف ومتى سيزول خطره؟. علامة استفهام واحدة تطرح على كافة الألسنة من جراء وباء كورونا المستجد: "ما شكل العالم الذي ستشرق عليه الشمس في اليوم التالي للإعلان عن زوال خطر هذا الفيروس القاتل، الذي أرعب البشرية وجعل من نهارها قلق.. وليلها أرق ؟ وبالتالي لابد من قراءة لما بعد كورونا عالمياً .
• الاعتماد على العقل البشري في العلم والطب :
يعيد كورونا ترتيب الأهميات بالنسبة للإنسانية، وأول ما يتوجب أن يوضع في المراتب الأولى، العلم والعلماء، أولئك الذين تتطلع إليهم العقول وتهفت إليهم القلوب في الوقت الحاضر، عل البشرية تجد عندهم الشفاء العاجل. وسوف تكون الأولوية في العقود القادمة من غير أدنى شك لصالح البحث العلمي، لا سيما المدني منه الذي يخدم الإنسان، ستكون هذه هي القضية وهي الحل، فقد علمتنا تجربة كورونا أن مخزونات الأسلحة الذرية والهيدروجينية، وبقية الأسلحة التي ما أنزل الله بها من سلطان، لم يقدر لها أن تهزم فيروس متناهي في الصغر والخبث معاً
• تفكك الاتحاد الأوربي وظهور الدول الاستعمارية العظمى
إيمانويل وارلستاين المفكر الفرنسي الذي توفي العام الماضي، لم يتمكن هذا المفكر الكبير من رؤية أولى نبوءاته الكبرى حول العقود الخمسة الأولى من القرن الواحد والعشرين ، والتي برأيه، ستنتهي المنظومة العالمية
World-Systemالسائدة قبل نهايتها، أي قبل 2050
ولذلك لم يتمكن قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 من الاتفاق على خطة اقتصادية لمواجهة الضرر الاقتصادي الذي يحدثه الوباء، وتضغط إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، الأكثر تضررا من انتشار الفيروس حتى الآن، من أجل التوصل إلى سبيل لتقاسم العبء المالي بشكل أفضل.
لكن هولندا وألمانيا تتخوّفان من أن تستغل جاراتهما الجنوبية ذات الإنفاق الكبير الأزمة للدفع كي تشارك الديون الحكومية في منطقة اليورو
• صعود الحركات القومية وانتقال في ميزان القوى العالمي
إن الوباء سيدعم صعود الحركات القومية ويدعم سلطة الحكومات وقبضتها على مقاليد الأمور. وستتبنى الحكومات بمختلف اتجاهاتها إجراءات طارئة في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس ولن يتخلوا عن تلك السلطات بسهولة فور انتهاء الأزمة.
كما سيؤدي الفيروس إلى سرعة انتقال ميزان القوى العالمية من الغرب إلى الشرق وإلى دول استطاعت تدارك الأزمة بشكل سريع نسبياً ككوريا الجنوبية وسنغافورة والصين في وقت تباطأت فيه الحكومات الغربية الأوروبية ودخلت في طرق عشوائية لاحتواء الأزمة وهو ما سيؤدي في النهاية إلى زوال عصر سطوة العلامة التجارية الغربية
• نهاية العولمة بشكلها الحالي
أما روبن نيبلت، مدير مركز تشاثم هاوس للأبحاث فيقول إن وباء كورونا سيكون سبباً في نهاية العولمة بشكلها الحالي خاصة وأنه يأتي بعد توتر تجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ومطالبات نشطاء البيئة بخفض انبعاثات الكربون وهو ما سيدفع الحكومات إلى إعادة النظر في الاعتماد على خطوط الإمداد بعيدة المدى.
وستدفع أزمة كورونا الحكومات والشركات والمجتمعات إلى التكيف على فترات طويلة من الاكتفاء الداخلي والعزلة الاقتصادية.
• الصين بدل أمريكا.. في المركز الجديد للعولمة:
أحد الأسئلة الأخرى التي لابد من طرحها: "هل الصين دولة تستحق أن تقود العالم؟.
يرى كيشور محبوباني، زميل بجامعة سنغافورة الوطنية أن العولمة ستنتقل من مركزها الحالي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين كمركز جديد لها. وهو تغيير بدأ بالفعل قبل ظهور الفيروس وذلك بعد فقدان الأمريكيين الثقة بالعولمة في وقت ازدات فيه ثقة الصينيين بها.
وثبت الصينيون انفتاحهم الاقتصادي على العالم خلال السنوات الماضية وصارت لديهم الثقة بقدرتهم على المنافسة في أي بقعة من بقاع العالم.
وفي ظل سيطرة الصين على الوباء ، وتعافي اقتصادها ، وانتشاره في الولايات المتحدة الأمريكية ودخول الاقتصاد الأمريكي حالة الركود . ودخلت الأسواق الأميركية مرحلة تباطؤ، حيث تراجعت أرباح شركات الطيران والمطاعم والفنادق والشركات التجارية المختلفة وأغلقت عدد من مصانع السيارات، ما انعكس سلبيا على التوظيف، واضطرت هذه الشركات إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمالة.
وتشير آخر أرقام مركز المعلومات في جامعة " جونز هوبكنز" إلى أن عدد الوفيات المسجلة حتى مساء السبت بالتوقيت المحلي بلغ ٢١٤٧ حالات، فيما ارتفعت الإصابات إلى ١٢٢ ألفا و٦٦٦ حالة.
هل تتمكن الكورونا من وضع حد لسلطان حَمَلة شعار “أمريكا أولا” ؟ أو الشعبوية القومية وأحادية القطب وعنجهية القوة؟ أم أن هذا الفأس لن يصيب الرأس؟ وسيصمدون لسنوات أخرى…
• تغيير في شكل العلاقات الدولية وزيادة في سطوة الحكومات
اشيفشانكر مينون، باحث ومستشار سابق لرئيس الوزراء الهندي يقول إن وباء كورونا سيغير شكل العلاقات السياسية بين الدول وداخلها. وستزداد سطوة الحكومات وسيقل التحرر ولكن هذا لا يعني أن الشمولية ستسود فدول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة نجحت إلى حد بعيد في احتواء الأزمة وهي أنظمة ديمقراطية وليست ديكتاتورية. لكن في جميع الأحوال ستتجه الدول إلى الانغلاق والرغبة في التمحور داخلياً وسيؤدي هذا إلى عالم أفقر وأقل كرماً.
و تقول لوري غاريت، كاتبة علمية حائزة على جائزة بوليتزر: سيؤدي الفيروس إلى خلق مرحلة جديدة من الرأسمالية العالمية ستخشى فيها الشركات والحكومات من نظم التجارة الحالية العابرة للحدود وخاصة بعدما أظهر الفيروس أن هذا الانفتاح الكبير قد يجلب معه أمراضاً مميتة في غضون أيام وساعات.
قد تسعى تلك الشركات والحكومات – بعد الخسائر التي تتكبدها حالياً ومستقبلاً بسبب الفيروس، إلى الانطواء داخلياً وتتبع نهجاً يقضي بالاعتماد على الإنتاج والتوزيع والربح الداخلي كوسيلة أكثر أماناً من الانفتاح العالمي الهش.