اعتبر وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، رؤية ايران وروسيا الاستراتيجية للعلاقات الخارجية نقطة ارتكاز للعلاقات الجديدة بينهما، واصفا زيارة الرئيس آية الله رئيسي الى موسكو منعطفا في سياسة حسن الجوار والرؤية للشرق.
جاء ذلك في حوار اجراه موقع "نور نيوز" الاخباري التحليلي مع وزير الخارجية الايراني الدكتور حسين امير عبداللهيان، حول زيارة الرئيس الايراني الى روسيا، تناول خلاله أبعاد هذه الزيارة المهمة التي تشكل نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
*مقترح روسيا حول خطة الأمن الجماعي للخليج الفارسي
وفي الرد على سؤال حول مضمون خطة الأمن الجماعي للخليج الفارسي التي اقترحها الاتحاد الروسي ومدى اختلافه عن اقتراح إيران وإلى أي مدى لدى هذه الخطّة القدرة على الحدّ من التحديات الأمنية في منطقة الخليج الفارسي من حيث التنفيذ؟ قال أمير عبداللهيان: يتمثل الموقف المبدئي للجمهورية الاسلامية الايرانية في ضمان أمن المنطقة من قبل دولها، لطالما شدّدت ايران على سياستها المبدئية المتمثلة في تعزيز علاقات حسن الجوار وبناء الثقة والحوار مع جيرانها، واعتبرت أن الأمن المستديم لا يمكن ان يتحقّق سوى من خلال التعاون والشراكة والسلام بين دول المنطقة.
واضاف: لقد سبق أن اقترحنا فكرة إنشاء منتدى "حوار إقليمي" ومبادرة للتعاون الإقليمي مع دول المنطقة، وكان هدفنا الأول هو الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة. في هذا الصدد، قدّمت روسيا اقتراحاً لإنشاء نظام أمني في الخليج الفارسي بمشاركة إقليمية ودعم دولي، وتمت دراسة هذا المقترح في فترات مختلفة.
وتابع وزير الخارجية: ترتكز الخطّة التي قدمها الروس نظريا على العديد من المبادئ والأساليب المنصوص عليها في المبادرات التي اقترحتها ايران سابقاً، بما في ذلك: الالتزام بالقانون الدولي، ومكافحة الإرهاب، والشفافية العسكرية، ومراقبة التسلح، والسعي من أجل شرق أوسط خال من الأسلحة النووية يمتثل لمعاهدة الحدّ من الانتشار النووي، أخذ مصالح الجهات الفاعلة الإقليمية بعين الاعتبار في عملية التقييم، والتعاون الاقتصادي في التنمية المتكاملة للطاقة والبنية التحتية للمواصلات، فضلاً عن تسهيل السياحة والطب والثقافة والتفاعل السياسي، الى جانب القضايا الأمنية.
وقال: في هذا السياق، دعمنا جهودهم لعقد اجتماع لمجلس الأمن حول الامن في الخليج الفارسي في 20 أكتوبر 2020، في ذات الوقت، أكدنا انه يجب أن يكون تقديم أي خطة لضمان أمن المنطقة شأناً داخلياً تتم متابعته من قبل دول المنطقة نفسها، وأن تكون القضايا التي لا تتعلق بهذا الامر خارج الدائرة. حيث يتسبب عنصر دخيل من قبيل الكيان الصهيوني في انعدام الأمن في كل من الشرق الأوسط والخليج الفارسي على حدّ سواء.
*التعاون طويل الامد بين ايران وروسيا
وردا على سؤال وهو هل ان الأرضية معبّدة لدخول البلدين مرحلة التعاون الاقتصادي طويل الأمد في مجالات الطاقة والعبور والنقل والاستثمار نظرا لتمكن كل من ايران وروسيا اجتياز مرحلة المشاركة السياسية بنجاح؟ قال امير عبداللهيان: توجد العديد من نقاط التلاقي في العلاقات بين طهران وموسكو، لاسيما في القضايا الاستراتيجية، ننظر الى روسيا بوتين نظرة مختلفة عن الاتحاد السوفياتي السابق، خصوصاً أن رؤية البلدين الاستراتيجية للعلاقات الخارجية تعتبر نقطة ارتكاز للعلاقات الجديدة بينهما. كانت سوريا نموذجاً ناجحاً للتعاون الإقليمي بين البلدين على مدى الاعوام الماضية.
واضاف: رغم القيود التي تفرضها العقوبات الأمريكية أحادية الجانب على الجمهورية الاسلامية، هناك رغبة قوية لدى القطاعين العام والخاص في البلدين للتعاون في مجال الصادرات والواردات إلى روسيا.
وتابع قائلا: وضعت الشركات والسلطات الاقتصادية الروسية، وفقا لما استخلصه الخبراء العاملين فيها من تداعيات العقوبات الأمريكية ضد إيران والعقوبات الغربية ضد روسيا، والقيود المالية والفنية واللوجستية وغيرها المفروضة على البلدين، ونظرا للقدرة المالية التي يتمتع بها الجانب الايراني، وضعت التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والخدمات الفنية على جدول أعمالها في العلاقات مع ايران.
وقال: إن تطوير التعاون التجاري بين البلدين، وتوسيع التعاون طويل الأمد وإزالة بعض العقبات، بما في ذلك ضعف البنية التحتية والموارد المالية والاستثمارية، والجهود المبذولة لتذليل العقوبات الدولية ضد البلدين، هي أمور جادة أيضا تم وضعها على جدول الأعمال.
*التوازن في العلاقات مع الغرب والشرق
وفي السؤال حول برنامج الجهاز الدبلوماسي لموازنة العلاقات الخارجية مع الدول الغربية والشرقية نظرا لكون الحكومة الثالثة عشرة الحالية اتخذت في مدّة وجيزة، خطوات مهمة في تحسين العلاقات مع جيرانها، وكذلك مع القوى الآسيوية مثل الصين، قال: ترتكز العلاقات الخارجية للحكومة الايرانية الثالثة عشرة على "سياسة خارجية متوازنة ودبلوماسية ديناميكية وذكية وتفاعلية" وكان تركيز أجندة الجهاز الدبلوماسي منذ تولي الحكومة الجديدة منصب على الأولويات الثلاث المتمثلة بـ "سياسة الجوار" "سياسة محورية آسيا مع التأكيد على التوجه نحو الشرق" و"الدبلوماسية الاقتصادية".
واضاف: واجهت الحكومة الايرانية الثالثة عشرة علاوة على مشاكل متراكمة مع الجوار، أزمات جديدة في أفغانستان وجنوب القوقاز، ومسألة تأمين لقاح كورونا، واستلام مطالبات النقد الأجنبي، ولحسن الحظ، في هذه الفترة القصيرة من الزمن، حققت الحكومة إنجازات ملحوظة في تأمين المصالح الوطنية من خلال متابعة الأهداف والأولويات التي رفعتها منذ البداية.
واردف: على سبيل المثال، تمكّنت الجمهورية الاسلامية من التوصل إلى اتفاق بشأن التعاون التجاري والطاقة لحل مشكلة الديون مع تركمانستان، والوصول إلى نهج تفاعلي لاستيفاء الديون من العراق، والتفاعل مع دول الخليج الفارسي، بما في ذلك عمان وقطر والكويت، والتعاون مع الإمارات وكذلك المحادثات مع السعودية بلغت مرحلة جديدة.
وتابع قائلا: تمكن الجهاز الدبلوماسي من تنفيذ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين لمدة 25 عاما، والتحضير لاتفاقية مماثلة مع روسيا، وتكثيف العلاقات التجارية مع الهند، وتحوّل من عضوية المراقب في منظمة شنغهاي للتعاون الى العضوية الدائمة في المنظمة، وتمكن من فتح نافذة كبيرة للفرص على مثلث السياسة والتجارة والاقتصاد في البلاد.
وقال: زيارة الدكتور رئيسي لروسيا هي نقطة تحول في سياسة حسن الجوار هذه والتوجه نحو الشرق، وكان قد زار الدكتور رئيسي طاجيكستان وتركمانستان بهدف حضور قمتي شنغهاي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتعاون الثنائي.
واضاف: من دون شكّ، بالإضافة إلى هذه الأولويات، فإن السياسة الخارجية للحكومة لديها عناصر متوازنة وديناميكية وذكية، وهذا يعني أنه على الرغم من تطوير العلاقات مع الدول المجاورة، فإن تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية وإعطاء الأولوية للاقتصاد في التفاعلات الخارجية، خاصة مع الشركاء الشرقيين والآسيويين، هي من بين أولويات الجهاز الدبلوماسي، فإن المعنى الآخر للسياسة الخارجية المتوازنة والديناميكية والذكية هو أنه لا يقف في اتجاه واحد، فهو لا يتجاهل المناطق الجغرافية الأخرى بما في ذلك إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وترتيب الجهات الفاعلة في النظام الدولي؛ حيث يتم قياس الوزن الاستراتيجي لكل منها وإعادة ترتيبه بما تقتضيه الضرورة.
وقال: تستدعي السياسة الخارجية النشطة والديناميكية والذكية العمل النشط في المنطقة والعالم، ولا يمكن تجاهلها من قبل الجهات الفاعلة العالمية. تجلّى هذا الامر بكل وضوح في سلسلة مكثّفة من المحادثات الهاتفية أجراها كل من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية مع نظرائهما الأجانب، وفي استضافة مسؤولين سياسيين واقتصاديين رفيعي المستوى من دول أخرى، واستئناف المفاوضات النووية لرفع العقوبات الجائرة؛ ويمكن تقييم رحلات نائب وزير الخارجية المكثفة واجتماعاته ومشاوراته مع مجموعة من المسؤولين الأجانب الأوروبيين وغير الأوروبيين في هذا الصدد.
وختم وزير الخارجية تصريحه بالقول: يستوجب علينا التوضيح بأن المبادرات والجهود والإجراءات والسياسات في مجال السياسة الخارجية لها طبيعة عملية تظهر في سياق زمني محدد، وبالتالي تتكشّف نتائج هذا المجهود السياسي على المديين المتوسط والبعيد.