دولي

أميركا: الورطة العابرة للقارات، من طهران الى كاراكاس

أمين أبوراشد

لا أحد يورِّط أميركا، بل هي مَن تُورِّط نفسها خارجياً منذ نكستها في فيتنام حتى يومنا هذا، وآخر حلقة من مسلسل نكساتها، أنها بعد وصول المُدمِّرة “لينكولن” وخلفها الباخرة / المستشفى التي تستوعب 1000 سرير، اكتشفت أن قوَّة الردّ الدفاعي لدى إيران أقوى مما توقَّعته دوائر الإستخبارات الأميركية، وبدأت رسائل المُهادنة الأميركية لإيران، وفي طليعتها، العرض الأميركي الذي حمله الرئيس السويسري- بصفته الوسيط الدولي بين إيران وأميركا- لإجراء مفاوضات دون شروط مُسبقة.

ومن طهران الى كاراكاس، حين اكتشف وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو منذ أكثر من أسبوع، أن المعارضة الفنزويلية غير موحَّدة، لا بل تشهد إنقسامات شديدة يصعب على واشنطن احتواءها، وحصلت صحيفة “الواشنطن بوست” على تسجيلٍ صوتيّ لتصريحات بومبيو يقول فيها: “مشكلتنا المتمثلة في الحفاظ على وحدة المعارضة الفنزويلية تبيَّن أنها صعبة إلى حدٍّ شيطاني” وأضاف: “في اللحظة التي يُغادر فيها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، يرفع الجميع أيديهم قائلين: “خذوني، أنا الرئيس القادم لفنزويلا”، وسيكون هناك أكثر من أربعين شخصاً يعتقد كلٌّ منهم أنه الخليفة الشرعي لمادورو”.

القاسم المشترك في الورطة القاتلة لسياسة العدوان الأميركي بين طهران وكاراكاس، مروراً بكل البصمات الدموية عبر العالم، هو التالي:

مع طهران، ومنذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979 على أنقاض الشاه الذي كان رجُل أميركا، ما تركت أميركا وسيلة عدوانية إلّا ومارستها ضد إيران، بما فيها كل أنواع الحصارات، لأن النظام الشعبي الثوري الديموقراطي، الذي حلّ في إيران مكان النظام الشاهنشاهي الديكتاتوري المُستزلِم لها، لم يُغِظ سياستها الإستكبارية فحسب، بل أرعب العروش العائلية الحاكمة التي خشيَت وتخشى انتقال “عدوى” الديموقراطية الشعبية إليها، وبالتالي، باتت إيران هي “البُعبع” الذي يُخِيف العروش المُرتعِدَة التي أبرمَت معها أميركا صفقات بيع أسلحة بمليارات الدولارات، بعد أن صوَّرت لها بأن إيران هي العدو الأكبر، وبلغت هذه الصفقات حدوداً، أن قطاع إنتاج الأسلحة في الولايات المتحدة إنتعش وتفوَّق على قطاع إنتاج السيارات، لا بل بات كما “اللوبي الحاكم” الذي يحتاج الى أرضٍ خصبة للحروب ليبقى على إنتعاشه!.

مع كاراكاس، الثأر قديم، وثقافة الثورة البوليفارية المُناهضة للإستعمار، ما زالت راسخة في وجدان معظم شعوب أميركا اللاتينية، والرفض لمنطق “جمهوريات الموز” الخانعة، يتوارثه الأبناء عن الآباء، وفي مواجهة أميركا مع نظام الرئيس مادورو، التي بلغت ذروتها في المحاولة الإنقلابية الفاشلة منذ أسابيع قليلة، الدليل القاطع على الشيطنة الأميركية في السياسات الخارجية من جهة، وغياب الأفق لدى المُعارضات الفنزويلية في البدائل المطروحة لخلافة “الرئيس البوليفاري” الذي يحمل أفكاراً نابعة من الوجدان الشعبي الثوري من جهة أخرى، وها هو بومبيو يعترف، أنه رغم الحصار الى حدّ التجويع للشعب الفنزويلي، فإن هذا الشعب يرفض منطق المعارضة / المعارضات، لأنها رهينة لأوامر أميركا.

وفي المُحصِّلة، فإن أميركا – التي تعترف بالفشل الإستخباري بعد كل حماقة- سياساتها تَتَّصِف بالجهل في مجال ثقافة وطبيعة الشعوب، منذ غرِقَت في مستنقع فيتنام ومروراً بوحول الشام، وانتهاء بمهزلة استعراضات الأساطيل في الخليج، وصولاً الى الصفقة الصفعة التي إسمها “صفقة القرن”، التي يُتوقَّع البدء بنسج خيوطها في المنامة بنهاية الشهر الجاري، والتي سينتُج عنها “ثوبٌ بالٍ” لن يرتديه أحد، لكن أميركا حقَّقت وسوف تُحقِّق غاية واحدة فقط، قطف ثمن الحماية الإفتراضية على خدمات مُدمِّراتها الإستعراضية، والتي سيدفعها رُعاة قِمَم مكَّة لحماية عروشهم، بينما ليس بقدرة مُعارِضِي الرئيس مادورو دفع أي شيء، وهذا هو الفارق الوحيد بين كلفة العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والذي تقبضه أميركا من أغبياء الخليج، وكلفة العدوان على أرض الثورة البوليفارية التي لن تجِد أميركا من يَدفع لها سوى الخيبة…

المصدر: موقع المنار


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد