علي إبراهيم مطر*
منذ وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، تتعامل إدارته بشكل صلف في نسج خيوط سياسة البيت الأبيض الخارجية، تميزت إدارة ترامب عن باقي الإدارات الأميركية حتى الان، بتقليص الحروب العسكرية في مقابل زيادة وتيرة الحروب الاقتصادية ضد الدول المناوئة لسياسة الولايات المتحدة الأميركية التي تتسم بالاستئثار، ولا يمتلك المسؤولون في واشنطن اليوم، القدرة على التصرف ببراغماتية واسعة، كما الإدارات السابقة في ظل وجود دونالد ترامب على رئاسة السلطة.
لا تختلف إدارة ترامب في استخدام هذه السياسة الرعناء، مع كل من يرفض سياسة التبعية، لكنها رفعت سقف المواجهة مع إيران، بشكل زاد من نسبة الخطورة المحدقة للأمن الإقليمي والدولي، سواء من خلال إسقاط الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه باراك أوباما وفرض العقوبات أو مؤخراً من خلال قراره بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية. هذه التصرفات الأميركية أدت إلى ارتفاع وتيرة التهديدات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية.
أمام هذه التصرفات المتعجرفة، هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز في حال تم تصفير صادراتها النفطية، وهذا ما سيكون أمراً ممكناً لها من الناحية العسكرية، ففي حال وجدت الجمهورية الإسلامية ضرورة لهذا الأمر، فإن إغلاق المضيق الذي يبلغ عرضه 33 كيلومترًا عند أضيق نقطة له، ويملك قناة شحن بعرض ميلين فقط، ميسراً لها، كونها تعد الدولة الساحلية التي يقع المضيق في مياهها الإقليمية، حيث تشرف على المضيق كل من دولتي عُمان وإيران اللتين حددتا امتداد مياههما الإقليمية بـ12 ميلاً بحرياً، ومن ثم تلتقي مياههما الإقليمية في منطقة المضيق لمسافة 15 ميلاً بحرياً حيث تختفي المياه الدولية.
وتمتلك طهران منظومات متكاملة من الأسلحة المتطورة من السفن الحربية والغواصات والزوارق السريعة والصواريخ والطوربيدات البحرية والألغام البحرية وسلاح الطيران التابع للقوات البحرية، التي تمكنها في أي وقت من إغلاق المضيق الذي يعتبر أهم ممر مائي في العالم نظراً للحجم الهائل من صادرات النفط التي تعبره يومياً وكذلك الواردات الضخمة لدول الخليج.
قانون البحار يكفل لإيران إغلاق المضيق
وأمام ما يحصل من توتر بين الطرفين، وبغض النظر عن الخيارات المتاحة سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، لا بد من الإجابة عن إشكالية تتمحور حول قانونية إغلاق المضيق والتي تعتبر محورية في هذا الإطار.
يعد المضيق في نظر القانون الدولي جزءاً من أعالي البحار، لذلك فإن لجميع السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها. وتنطبق على مضيق هرمز حالة المضيق الذي يقع بين أراضي دولتين فيكون، والحالة هذه، خاضعاً لسيادة واختصاص الدول الساحلية على مقدار بحارها الإقليمية أو إلى الخط الوسط لمجرى المياه حسب اتساع المضيق. وبما أن اتساع المضيق حوالي 23 ميلاً، فإنه يقع ضمن المياه الإقليمية الإيرانية والعمانية معاً.
وقد أقرت اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة لسنة 1958 مبدأ المرور البريء في المضايق في الفقرة الرابعة من المادة “16”. وقانون البحار يكفل نظام المرور في المضايق المستخدمة للملاحة الدولية. لكنه يؤكد أن الدول المساحلة للمضايق تمارس سيادتها وولايتها رهناً بمراعاة ما نصت عليه الاتفاقية. ووفقاً للمادة 38 من اتفاقية قانون البحار، فإن جميع السفن العابرة للمضايق الدولية بما فيها بالطبع مضيق هرمز، سواء أكانت هذه السفن تجارية أم حربية، تتمتع بحق المرور العابر دون تمييز ووجود عراقيل ودون الإخلال بقوانين وأنظمة الدولة الساحلية وأمنها.
وبالبناء على مواد هذه الاتفاقية الدولية، يمكن القول أنه من حق إيران التي يعتبر المضيق جزءاً من مياهها الإقليمية وتمارس سيادتها عليه كونها الدولة الساحلية له، أن تستخدمه سلمياً وعسكرياً وفق مصالحها، وأن تمنع أي دولة أجنبية من دخول الجزء الذي تمارس سيادتها عليه في حالة الطوارئ أو إذا شعرت أن السفن التابعة للدولة الأجنبية لا تلتزم بالمرور العابر الذي نص عليه قانون البحار.
وتؤكد المادة 33 من الاتفاقية على “حصانات السفن الحربية والسفن الحكومية الأخرى المستعملة لأغراض غير تجارية” طبعاً من قبل الدولة التي يكون له الحق في استعمال مياهها الإقليمية. في المقابل حرم قانون البحار على السفن الأجنبية الحربية الدخول إلى البحر الإقليمي لدولة ما وعدم الالتزام بقوانين وأنظمة هذه الدولة الساحلية ودون أخذ إذنها، وبالتالي يجيز للدولة الساحلية أن تطلب من السفينة الحربية مغادرة البحر الإقليمي على الفور، وهذا ما أكدته المادة 30.
وهنا من الضروري الإشارة إلى أنه لا يحق لواشنطن تهديد إيران والرد عليها، لأن هذه الخطوة الإيرانية في حال اتخذت فإنها لا تجافي القانون الدولي على عكس ما تقوم به الإدارة الأميركية، فأميركا ليس لها حدود قريبة من مضيق هرمز ولا سيادة لها عليه، بل إنها مثلها مثل أي دولة تسمح لها إيران بالمرور العابر وتكون طهران التزمت بذلك بقانون البحار بعكس أميركا التي تخرق هذا القانون الذي لا يسمح بتهديد أمن دولة العبور.
وبالتالي وفق ما يقر القانون، يجب على واشنطن أن تلتزم بالمادة 39 من قانون البحار الذي الزمت السفينة أو الطائرة في حالة المرور العابر مراعاة المضي دون تأخير عبر المضيق أو فوقه، والامتناع عن أي تهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد سيادة الدولة المحاذية للمضيق أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي.
* باحث في القانون الدولي