تثير حملة اعتقالات جديدة في الجزائر وقرارات تتخذها السلطات ضد أحزاب معارضة وملاحقة كوادرها، مخاوف جدية من أن تكون هذه الخطوات محاولة لشل أي تحركات قبيل فترة قصيرة من الذكرى الثالثة للحراك الشعبي الذي كان اندلع في عام 2019.
وتأتي هذه الخطوات في ظل استشعار السلطات لتزايد الغضب الشعبي بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، نتيجة ندرة المواد التموينية وغلاء الأسعار، وإخفاق الحكومة في تحقيق أي نتائج على هذا الصعيد.
حملة اعتقالات قبل ذكرى الحراك الشعبي الجزائري
واستبقت السلطات الجزائرية الذكرى الثالثة لتظاهرات فبراير بسلسلة اعتقالات ومزيد من التضييق على الناشطين والقوى المعارضة، إذ اعتقلت قبل يومين المتحدث باسم "تجمع شباب الجزائر" (ائتلاف مدني غير مرخص) الناشط هشام خياط، وقامت بتفتيش منزله.
كما تم اعتقال البروفسور محمد بوغفالة، بسبب مواقفه وآرائه السياسية، فضلاً عن اعتقال الطبيب الناشط سمير بوبعاية وتفتيش منزله.
كذلك، اقتيد الناشط عبد النور شتيح من مقر عمله إلى مركز للأمن. كما تم قبل أيام توقيف الصحافي نور الدين نسروش، لمساءلته بشأن مقال رأي نشره في صحيفة "الوطن" المحلية.
ويحصي الناشط المتخصص في توثيق الاعتقالات السياسية والمتابعات القضائية في حق الناشطين، زكي حناش، اعتقال 14 ناشطاً منذ بداية شهر يناير/كانون الثاني الحالي؛ ثلاثة منهم تقرر إيداعهم السجن لحين إحالتهم على القضاء.
ويشير حناش إلى أنه تم خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، توقيف 45 شخصاً وإيداعهم السجن المؤقت، ووضع 51 شخصاً تحت الحراسة النظرية (إيقاف الشخص المشتبه به لفائدة إجراءات البحث والتحري خلال مدة محددة في مكان معيّن).
ويؤكد حناش الذي يستقي معلوماته من هيئة المحامين في لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي، وجود 316 ناشطاً في السجون إلى الآن، بينهم رئيس حزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، فتحي غراس، وصحافيون وطلبة جامعيون، ناهيك عن سلسلة أحكام قضائية صدرت منذ بداية الشهر الحالي في حق عدد من الناشطين الملاحقين.
وكانت أكثر هذه الأحكام إثارة، الحكم بالسجن لستة أشهر غير نافذة، في حق الشاب سيف الدين شلوش، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ومقعد على كرسي متحرك، بتهمة التجمهر والمساس بالأمن العام، فضلاً عن الإبقاء على مئات الناشطين قيد المتابعة القضائية، ولكن في حالة سراح.
استمرار سياسة قمع الناشطين
ولا يجد المتابعون للشأن السياسي وملف الحريات في الجزائر مبررات واضحة لحملة الاعتقالات الأخيرة، خاصة أن السلطة تمكنت من فرض خياراتها السياسية، وأنجزت كل استحقاقاتها الانتخابية التي طرحتها من دون عوائق في الشارع، واستتبت لها الأوضاع.
كما أن مكونات الحراك الشعبي انكفأت على نفسها، ولم تعد قادرة في الوقت الحالي على القيام بأي نشاط أو رد فعل، ما عدا التعبير عن مواقفها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتذهب بعض التفسيرات إلى أن استهداف السلطة للناشطين في هذه الفترة، يأتي ضمن استمرار سياسة الردع والقمع السيكولوجي لهؤلاء، وإرهاقهم في المحاكم، وكذا استنزاف الحركات المدنية والحقوقية المعارضة، وشغلها بقضايا الموقوفين والقضاء، لمنعها من التفكير في أي تحرك ميداني، خاصة أن السلطة لا ترغب على الإطلاق في أن تتكرر تجربة الحراك الشعبي الذي فاجأ السلطات الحاكمة في فبراير 2019.
وفي السياق، وجهت وزارة الداخلية الجزائرية، أول من أمس الجمعة، تحذيراً إلى حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، بسبب ما قالت إنه سماحه باستخدام مقره لاجتماع هيئات ولجان مدنية.
وقالت الوزارة في تحذيرها إن "سماح الحزب باستغلال مقره الوطني لعقد اجتماعات لأشخاص وتنظيمات غير معتمدة، يضعه تحت طائلة القانون".
وكانت وزارة الداخلية تشير إلى اجتماع تمهيدي ضم ائتلافات مدنية وناشطين حقوقيين، في 24 ديسمبر الماضي، لإنشاء هيئة مدنية تتولى الدفاع عن الحريات ومعتقلي الرأي، تحت اسم "اللجنة من أجل الحريات وإطلاق سراح معتقلي الرأي".
ضغط اجتماعي على السلطة الجزائرية
من جهته، يعتقد الكاتب والناشط المدني محمد إيوانوغان، أن حملة الاعتقالات الجديدة، هي محاولة من السلطة لاستباق ذكرى الحراك الشعبي لشلّ أي تحرك متوقع، خاصة مع بروز ضغط اجتماعي وغضب شعبي نتيجة ندرة عدد من المواد التموينية الأساسية، كالزيت والحليب، وارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية.
ويضيف في حديث مع "العربي الجديد"، أن مخاوف السلطة مردها أيضاً إلى "وجود نداءات في وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو لإحياء الذكرى الثالثة للحراك الشعبي، يوم 22 فبراير المقبل، لذلك فمن الطبيعي أن تحاول السلطة استباق الأحداث".
ويرى إيوانوغان أن السلطة "تتخوف من النداءات التي تنتشر الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بعدما جعلت هذه الوسائل التكنولوجية كسلاح موجه ضدها من الخارج، وحديثها عن استهداف الجزائر عبر ما تسميه حروب الجيل الرابع".
ويتابع إيوانوغان أن "السلطة لن تتوقف عن الاعتقالات، وستواصل سياستها القمعية حتى بعد 22 فبراير، لأنها لا تملك حلولاً أخرى، بعدما جربت الانتخابات واكتشفت أن قاعدتها الشعبية مهزوزة إلى حد بعيد، وهي غير قادرة على تأمين فترة استقرار جدي".
تدهور الحريات السياسية والمدنية
واللافت أن عدداً قليلاً من الأحزاب السياسية، المحسوبة خاصة على التيار التقدمي، هي التي تبدي مواقف رافضة لحملة الاعتقالات والتضييق على الناشطين والحريات في الجزائر، بينما تلزم باقي الأحزاب، سواء المشاركة في الحكومة أو غيرها، الصمت ومتابعة التطورات من دون إبداء اعتراضات على السياسات التي تنتهجها السلطات الجزائرية.
وفي السياق، يقول القيادي في حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، مراد بياتور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر تعيش حالة من التدهور المخيف لوضع الحريات السياسية والمدنية، وهناك أكثر من 300 مواطن جزائري في السجون، لمجرد التعبير عن موقف أو رأي أو لمطالبتهم بالتغيير السلمي في البلاد".
ويضيف: "كما أننا نشهد تجاوزات للحقوق الأساسية والحريات الفردية والجماعية، وانتهاكات حتى للقوانين المحلية، والتضييق هذه المرة امتد أيضاً إلى الأحزاب السياسية التي يتم التحرش بها تحت مبررات واهية، مثل استضافة اجتماعات غير مرخصة في مقرها".
وفي السياق نفسه، دان حزب العمال اليساري، في بيان نشره بعد اجتماع لمكتبه السياسي، أول من أمس الجمعة، استمرار الاعتقالات.
وقال إن "السلطة اختارت أن تبدأ السنة الجديدة بحزمة من الاعتداءات على الحريات الديمقراطية، إذ لا يزال أكثر من 300 ناشط سياسي ومعتقل رأي في السجون، فيما آلاف النشطاء الآخرين ضحايا التعسف واللجوء المبالغ فيه للحبس الاحتياطي، كما يتعرض الصحافيون لمضايقات قضائية مستمرة".
واعتبر الحزب أن هذا الوضع "لم يسبق له مثيل في ظل الحكومات المتعاقبة".
ووصف حزب العمال في بيانه الحق في الممارسة السياسية والحريات الفردية والجماعية، بأنه "محل تراجع، في ظلّ الوضع الهش للبلاد، ما قد يفتح الطريق أمام التدخلات الأجنبية المختلفة".
ويقصد الحزب بالتدخلات الأجنبية، الرسالة التي وجهتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، إلى الحكومة الجزائرية، في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وانتقدت فيها وضع حقوق الإنسان في الجزائر، وتقييد حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات المدنية.