ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله(ص) السيدة الزهراء(ع) عندما جاءت مع علي(ع) تطلب منه خادمة تعينها على أعباء المنزل لثقل المسؤوليات في البيت وعلى صعيد الدعوة إلى لله والقيام بشؤون الناس، فقد كانت مقصداً لطالبي العلم والحاجة، قال لهما رسول الله(ص): "أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فكبرا أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدة، فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها وقالت: "رضيت عن الله وعن رسوله رضيت عن الله وعن رسوله".. وأصبحت هذه التسبيحة على لسانهما يرددانها عند كل منام وبعد كل صلاة..
أيُّها الأحبة: نحن أحوج ما نكون إلى أن نستهدي بهدي السيدة الزهراء(ع) ليكون تسبيحها تسبحينا عند كل منام وبعد كل صلاة، لا ننساها لنحظى ببركاتها، لنستعين بها على ظروف الحياة الصعبة ومشاقها ولنكون من العابدين، فقد ورد في الحديث: " مَا عُبِدَ اللَّه بِشَيْءٍ مِنَ التَّحْمِيدِ أَفْضَلَ مِنْ تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ ولَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْه لَنَحَلَه رَسُولُ اللَّه(ص) فاطمةَ الزّهراء(ع)"..
ولنكتب عند الله من الذاكرين له ذكراً كثيراً والشاكرين له والمعظمين لمقامه ونستمد منه بذلك القوة والعزيمة والإرادة ونكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من معاناة اللبنانيين المستمرة على الصعيد المعيشي والحياتي، حيث يستمر ارتفاع سعر صرف الدولار، والذي لم يعد لعبة بيد مجموعة من الجهات المالية لتحقيق أرباح ومكاسب لهم فحسب، بل بات مؤشراً لتحديد أسعار كل السلع والخدمات وبالتالي لتحديد نمط عيش اللبنانيين بعد أن أخذ هذا الارتفاع يحول معه شرائح واسعة منهم إلى طبقة جديدة من الفقراء غير القادرين على تأمين الحد الأدنى من مقدراتهم، وبدلاً من أن يدعو هذا الانهيار إلى أن يتناسى من يديرون هذا البلد خلافاتهم وصراعاتهم ومصالحهم الخاصة والفئوية ويتداعوا للعمل معاً لدراسة كل السبل التي تؤدي لمعالجة أسباب هذا الانهيار أو على الأقل لفرملته، نشهد التأزيم على هذا الصعيد، وقد سمعنا ورأينا بعض مظاهره في الأيام السابقة، والذي يبدو أنه مرشح لازدياد وتيرته مع بدء الحملات الانتخابية والتي بات السلاح الأمضى فيها هو رفع أسقف الصراع مع الخصوم وحتى مع الحلفاء لشد العصب الطائفي والمذهبي والشخصي ولكسب الجمهور من دون أن يأخذ كل هؤلاء بالاعتبار تداعيات هذا التأزم على الشارع ومدى انعكاسه على عمل المؤسسات واستقرار البلد، وعلى صعيد سعر صرف الدولار حيث يشكل التأزم السياسي واحداً من أبرز الأسباب لارتفاعه..
ومن هنا، فإننا نجدّد دعوتنا لكل من يديرون الواقع السياسي إلى الكف عن اللعب بأعصاب اللبنانيين ومقدراتهم ومتطلبات عيشهم وحياتهم..
لقد تعب اللبنانيون من هذا الخطاب، هم يريدون من يبلسم جراحهم ويعالج همومهم ومشاكلهم، لا الذي يزيدها ويعزز اليأس لديهم..
إن على من يعتمد لغة التصعيد أن يعي أن هذا التصعيد ليس هو الطريق لكسب ود اللبنانيين وكسب أصواتهم أو الإمساك بقرارهم، فالطريق إليهم لا يمر بتأجيج العداوات وتوسيع دائرتها أو بمزيد من الشرخ بين مكونات وطن لا يقوم إلا بتعاون طوائفه ومذاهبه وكل مكوناته، ولن يكون بالتنصل من المسؤوليات وإلقاء اللوم على الآخرين..
إن الطريق الوحيد لكسب أصوات اللبنانيين هو بإعلان التراجع عن كل ماضٍ أساؤوا فيه إلى مصالح اللبنانيين ومقدراتهم أو قصروا فيه، والاستعداد لتصحيح ما جرى والتعويض عن التقصير الذي حصل..
إن من تحمّل المسؤوليات في السابق لا يستطيع أن يتنصل من مسؤوليته ومن تبعات أعماله، حين كان في موقع المسؤولية ومن كان يرى أنه غير قادر على القيام بالمسؤوليات التي تحملها، كان عليه أن يستقيل ليترك لغيره القيام بهذا الدور..
إن القوي القوي هو من يعترف بأخطائه أو تقصيره، والضعيف الضعيف من يقوم بتبريرها أو يضع اللوم فيها على الآخرين..
في هذا الوقت نجدد دعوتنا على ضرورة العمل لمعالجة الأزمة المتصلة بعلاقات لبنان بالدول العربية بعامة والخليجية بخاصة، والتي باتت تؤدي إلى شرخ داخلي، وأن تبقى أبواب هذا البلد مفتوحة على هذا العالم الذي كان يداً ممدودة له في مراحله السابقة، والذي لا يزال يحتضن اللبنانيين لديه..
لكن هذا لا يدعو إلى القبول باتهام فريق لبناني بالإرهاب، واللبنانيون يعرفون والعرب أنه هو من قدم التضحيات الجسام من أجل إخراج هذا البلد من نير الاحتلال الصهيوني ومن أجل أن لا يكون له اليد الطولى في المنطقة وكان سداً منيعاً بوجه الإرهاب..
إننا نرى أن الاحترام المتبادل يبقى هو السبيل لعلاج المشكلات لا تأزيمها، ولا أعتقد أن أحداً في لبنان يريد التأزيم، بل الجميع يريد العلاقات الإيجابية والمتوازنة مع هذا العالم العربي..
وفي مجال آخر، بدأنا نشعر بالخطر الحقيقي جراء سرعة انتشار المتحول الجديد لكورونا، وبتنا نخشى من أن يصبح الجسم اللبناني موبوءاً على الصعيد الصحي مع هذا التفشي الخطير للوباء بأرقامه القياسية التي تهدد المستشفيات وطاقة المجتمع على التحمل وهو ما ينبغي للدولة أن تتحمل مسؤوليتها في التشدد بالإجراءات التي لا نرى ــ إلى الآن ــ أنها أمرت بها وبالجدية المطلوبة واللازمة.. في الوقت الذي ندعوها إلى مساعدة المستشفيات على القيام بدورها في تحمل تداعيات هذا الانتشار بعد أن أصبح واضحاً عدم تمكنها من تحمل ذلك بقدراتها الذاتية..
وأخيراً إننا نحيي هذه الروح التي تمثلت في انتصار إرادة الأمعاء الخاوية على العدو، وانتصار السجين على سجّانه في هذه الوقفة التي لا نرى مثيلاً لها في العالم والتي وقفها المعتقل الفلسطيني هشام أبو هوّاش والتي تمثل صورة ناصعة عن الشعب الفلسطيني كله في إرادته التي هزمت غطرسة العدو وهمجيته.. ونرى في ذلك دليلاً إضافياً على القدرة على لي ذراع الاحتلال وكسر جبروته..