منوعات

تعلم كيف تستريح , بفعالية ! ( الكاتبة : رهف مصطفى )

قد تجد العنوان مثيرا للسخرية و محل تهكم واستغراب للوهلة الاولى ! اجل اعرف ما يدور في ذهنك الآن ! لابد انك بدأت تتمتم بعبارات التذمر و الشتيمة لسخافة الامور حيث تراودك الآن فكرة ان :

" لم يتعلم احد منا كيف يرضع من ثديي امه ! لم يتعلم احدنا كيف يرتوي حين يشرب الماء , او يشبع حين يأكل الطعام ! لم يعلمنا احد كيف ننام , نغضب , نحب , نتعب , او حتى نرتاح ! انها امور تلقائية عفوية فطرية بديهية يتشاركها كل البشر " و م بدها معلمية " .

لكن مهلا !

لابد انك جربت النوم الهزيل الذي عجز عن اعادة مخزون الطاقة اليك !

لابد انك جربت الشرب من مياه البحر التي تزيد الظمآن عطشا !

لابد انك جربت ذلك الطعام الذي ملا معدتك بنفخة مزعجة !

نحن لا نحتاج مثقفا كي يخبرنا بالحاجة للماء , الطعام , النوم او الراحة . الشعور بالحاجة امر تلقائي لكن كيفية تلبية هذه الحاجة قد تحتاج منك تجربة ما , او قراءة مقال هنا او هناك ... ان كنت قد اقتنعتك او اثرت شيئا من فضولك , فتعال معي نسأل سويا :

" كيف استريح بعمق باقصر وقت ممكن ؟ كيف استثمر وقت الراحة كافضل استثمار ؟ "

لنحصل على الراحة , علينا ان نفهم ماهية التعب , مقدماته و من اين يأتي . لنفهم اولا من اين يأتي التعب و أين يقع بثقله تحديدا ! التعب نوعان جسماني ونفسي و العلاقة بينهما علاقة جدلية , فتراكم التعب النفسي يؤدي الى مشاكل جسدية و تراكم المشاكل الجسدية تؤدي الى مشاكل نفسية على المدى الطويل . كما اثبتت الدراسات ان الاجهاد المزعج غالبا ما يكون 60% اجهاد نفسي و 40% اجهاد جسدي . لذلك احرص على الترويح عن نفسك بنسبة اكبر من الاهتمام بجسدك فالجسد يتحمل !

فيما يخص التعب الجسدي :

الجسد هو ذلك الاناء الذي تسكنه ارواحنا و هو شباكنا الذي نطل عبره على الواقع و نتفاعل مع الحياة و يتم هذا التفاعل عبر خمس حواس الا و هي : السمع – البصر – الشم – التذوق _ اللمس . لتفهم الموضوع اكثر ادعوك ان تقوم بهذه التجربة معي .

 المشهد الاول : تخيل انك ذهبت بنزهة لطيفة ذات يوم مشمس دافئ الى احد الجبال الخضراء المكسوة بالاشجار . اشعة الشمس الدافئة تقبل وجهك الجميل كذلك يداعبك النسيم العليل لتستلقي بحب و خفة على العشب الاخضر ! تتلقفك الارض و تناغي عينيك زرقة السماء . وبينما انت كذلك يهب هواء طلق يحرك اغصان الاشجار بخفة كما انه يراقصها , تتساقط الورود على وجهك و في كل مكان من حولك فيفوح العطر الزكيّ و تعزف الطبيعة موسيقاها الهادئة الحنون ! انت الان منفتح على الكون , رحب الصدر , منفتح على نفسك , تتميز بحب و اقبال و هدوء لا يعكره احد . انت الآن مرتاح !

المشهد الثاني : انت الآن في سيارتك المترهلة تجلس خلف مقود اسود ,عالق وسط زحمة سير خانقة في احدى المدن الشعبية . المشهد من حولك متسخ بالرماد ,الغبار و دخان السيارات , الارصفة متكسرة وواجهات المحال عشوائية وهرمة اما المباني فكل يغني على ليلاه فهذا مبنى متسخ بكتابات الاطفال و ذاك منزل متهاو و ذيك مبنى مترهل اما انت فمتأخر عن عملك نصف ساعة , تشعر بأنك مرتبك , يساورك القلق حيال رؤية المدير لك فور وصولك ! بينما انت مسترسل في تخيل سيناريو مليء بالاعتذار,اللوم , التنبيه والنبرة القاسية , تقطع خيالاتك الرمادية قطرات عرق ساخنة تملء وجهك المتعب . تنظر يمنة و شمالا حولك عساك تجد ما يريحك دون جدوى , فهذا بياع سمك ينادي على سمكه ذا الرائحة الكريهة و ذاك بائع خرضوات يروج لنفسه بصوت نشاز مرتفع , كل هذا و صوت زمامير السيارات تقودك للجنون ! الجو كله مشحون بالتعب الذي يودي بصاحبه الى الانفجار .... بنفسه !

بعيدا عن المشهدين , ابق معي و استمع الى حديثي بانصات متعب يريد الخلاص ! حين تتعب الحواس الخمس ترسل الناقلات العصبية رسائل الى الدماغ للاحساس بالتعب و الضيق . كذلك يستنزف الجهاز العصبي على المدى الطويل فيصل الانسان الى ما يسمى " الاجهاد " .

تستخف بقدرة المشهدية العشوائية و الضوضاء على قتلك ؟ ! حسنا , تشير الدراسات ان الاذى البصري و السمعي ان اشتد على فترة طويلة لا بد ان يودي بصاحبه الى التهلكة . اما اكثرها تأثيرا فهو الضرر السمعي و البصري على سواء . سنأخذ هنا مثالا لتبعات التلوث السمعي .

كيف تسمم الضوضاء حياتك ؟

بعد الثورة الصناعية و ازدحام المدن و انتشار مشكلة الكثافة السكانية و تضخم عدد السكان في مركزية مدينية واحدة , اصبحت الضوضاء او التلوث السمعي احد ابرز الابحاث المنتشرة و المثيرة للاهتمام . و اكتشفوا مؤخرا ان للضوضاء تأثيرا على الجسد و القدرة الذهنية كما انها تغير من سلوك الفرد . سنذكر هنا بعض التأثيرات السلبية للضوضاء على صحتنا الجسدية والذهنية والنفسية :

_ تقلل بشكل ملحوظ من قدرة الفرد على الابداع و الخلق .

_ تقتل بشكل كبير الحس المرهف لدى الفرد فثبت ان عدد الفنانين و متذوقي الفن يتقلص في المدن المكتظة الغير مدروسة فغالبا ما يميل افرادها للعمل الوظيفي او التجاري الروتيني .

_ تحفز القلق , التوتر العصبي , حدة المزاج , الارتباك و قلة التحمل .

_ تعزز الشعور بالانسجام و اللا استقرار .

_ تؤدي على المدى البعيد لعدم التوان النفسي و تزيد بشكل اساسي من فرص الاصابة بامراض نفسية حقيقية اهمها : القلق , الهلع الغير مبرر , الاكتئاب و تشكل ارض خصبة للانهيارات العصبية .

_ تسارع في دقات القلب و ضيق في التنفس

_ تشنج في الاعصاب .

بالاضافة الى العديد من المشاكل الجسدية , النفسية , الذهنية و السلوكية الاخرى .

سأتركك هنا عزيزي القارئ ! سنلتقي غدا بمقال مستكمل اخبرك به كيف تسترخي بشكل جيد و أينو اي خطوات عليك ان تتبع . الى حين ملتقانا اتمنى لك نهارا سعيدا مليئا بالحب و الانجاز ... و الراحة !

رهف مصطفى

 

 

 

 

 

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد